تحت عنوان “نزيف الصحافة“ وضمن جهود المؤسسات الإعلامية والحقوقية الداعمة لحماية الحقوق والحريات في اليمن وفي إطار مشروع «أصوات حرة»، أصدر مركز «فري ميديا للصحافة الاستقصائية» تقريراً مطولاً يوثق لأبرز 100 انتهاك ضد الصحفيين ترقى إلى جرائم حرب، بينهم 9 من النساء، وذلك في ثلاث محافظات هي: «صنعاء، عدن، تعز»، وخلال الفترة من 2015 حتى 2022، كما يركز التقرير أيضاً على دراسة دور مؤسسات إنفاذ القانون في قضايا الانتهاكات ضد الصحفيين الذين يعملون في بيئة شديدة الرقابة والقمع، حيث تحتل اليمن المرتبة 169 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود”.
ويقدم التقرير صورة مقلقة عن حرية الرأي والتعبير التي تتعرض للهجوم. حيث وثق الهجمات التي تعرض لها الصحفيين في المحافظات المستهدفة منذ 2015، بما في ذلك القتل والتعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، ويتناول فشل الحكومة الشرعية المعترف بها دولية وحكومة الأمر الواقع في صنعاء في حماية الصحفيين، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضدهم، ولم يوثق مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية حالة واحدة قام فيها المسؤولون بمقاضاة مرتكب اعتداء على صحفي أو وسيلة إعلامية منذ2015، إلا في ثلاث حالات.
وقد بيّن التقرير أنواع مختلفة من الانتهاكات ومسؤولية أطراف الصراع في هذه الانتهاكات حيث تعرض 52 صحفياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان للاعتقال التعسفي منهم (37) حالة على يد جهات تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) و(9) حالات على يد جهات تابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، (4) حالات على يد قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، (2) حالات على يد جماعة مسلحة مجهولة الهوية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، إضافة إلى تعرض 48 صحفيا للإخفاء القسري منهم (36) لدى جماعة انصار الله و(5) لدى الحكومة الشرعية (5) لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، (2) جماعة مجهولة الهوية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
ووثق التقرير مقتل 25 صحفياً منذ عام 2015، في المحافظات المستهدفة (تعز، صنعاء، عدن)، بينهم 2 من النساء، منهم 9 صحفيين في عدن، و11 صحفياً في محافظة تعز و5 صحفيين في محافظة صنعاء وفي جميع الحالات، مازال المسؤولين والمدبرين لعمليات القتل دون محاسبة، إلا في 3 قضايا تم إحالة المتورطين للمحاكمة وصدرت أحكام في قضيتين منها، مثل قضية الصحفي عبدالكريم الخيواني إذ حكمت المحكمة بإعدام القتلة وعددهم 7 أشخاص يزعم أنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة، وفي قضية الناشط والمدون عمر باطويل أدانت محكمة صيرة الابتدائية بمدينة عدن، أحد المتهمين، وحكمت عليه بالسجن لمدة ست سنوات، وفي قضية مقتل الصحفي فواز الوافي في تعز تم تقديم المتهمين للمحاكمة. بينما أغلقت نيابة غرب صنعاء ملف قضية قتل (اغتيال) الصحفي الاستقصائي محمد عبده العبسي.
وبحسب التقرير تأتي جماعة أنصار الله «الحوثيين» في مقدمة الجهات المسؤولة عن قتل الصحفيين، حيث تشير الأدلة الواردة في التقرير إلى تورط جماعة أنصار الله «الحوثيين» بقتل 10 صحفيين في الثلاث المحافظات المستهدفة، 2 في محافظة عدن، و8 في محافظة تعز، بالإضافة إلى وجود مزاعم وقوفهم خلف عملية اغتيال الصحفي محمد العبسي في صنعاء.
أما التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، ذكر التقرير أنه مسؤول عن مقتل 3 صحفيين بغارات جوية شنها في صنعاء شمال البلاد.
وفي عدن، المحافظة الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ـ يديرها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات ـ من بين 9 قضايا قتل تعرض لها الصحفيين، قُتل 7 صحفيين على أيدي جهات لم تُحدد هويتها، غير أن مكون المجلس الانتقالي يبدو متواطئاً مع قتلة ناشِطَين اثنين على الأقل، برصاص متطرفين هما المدون عمر باطويل، والناشط المدني أمجد عبدالرحمن. وبحسب التقرير توقفت الإجراءات في 8 قضايا قتل عند مرحلة جمع الاستدلالات، وكانت الأجهزة الأمنية في عدن قد تمكنت من القبض على بعض المشتبه بهم في مقتل الصحفية رشا الحرازي، وأحد هؤلاء المتهمين حاول الانتحار في السجن، فيما تمكن المتهم الرئيسي من الفرار إلى مناطق سيطرة جماعة أنصارالله «الحوثيين»، يحسب إفادة الأجهزة الأمنية.
كما تمكنت الأجهزة الأمنية في عدن من القبض على شخص يشتبه بمشاركته في عملية اغتيال الصحفي صابر الحيدري، هذا الشخص بحسب ما ذكر التقرير كان هو آخر من رافق الصحفي الحيدري قبل الانفجار بساعات قليلة، وخضع المشتبه (م.ع) للاستجواب من قبل المباحث الجنائية في عدن، واتضح أنه لديه صور لمساكن مسؤولين حكوميين، وصحفيين (بينهم الحيدري)، ووصفت المباحث هذا الشخص بالخطير. وذكر التقرير بأن هناك ضغوطًا كبيرة من أطراف «لم يسمها» للإفراج عن الشخص المحتجز.
وفي تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، قتل 11 صحفياً، 8 منهم على يد جماعة أنصارالله «الحوثيين»، وفي حالتين لم تُحدد هوية الجناة، وفي حالة تشير التحقيقات أن صحفياً قتل نتيجة خلاف وتم اتهام ضابط ينتمي للمحور العسكري بعملية القتل. ولم يتم التحقيق إلا في قضيتين الأولى قضية الصحفي محمد الطاهري والتي توقفت إجراءات التحقيق في المباحث الجنائية، والثانية قضية الصحفي فواز الوافي والتي تم تقديم المتهم بالقتل للمحاكمة.
مؤسسات إنفاذ القانون
وتتبع التقرير في الجزء الثاني منه دور مؤسسات إنفاذ القانون «الأجهزة الأمنية والعسكرية، والنيابات والمحاكم» في التعامل قضايا الصحفيين، وذكر أن الأجهزة الأمنية والعسكرية ـ سواء تلك التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، أو التابعة لجماعة أنصارالله «الحوثيين»ـ تحولت إلى أدوات لقمع الصحفيين، بحسب المعلومات والشهادات التي وثقها التقرير.
وذكر التقرير أنه تم تغييب دور النيابات العامة العادية، من أجل إضعاف استقلالية القضاء وتعطيل آليات مساءلة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وتم إحلال النيابات الجزائية المتخصصة كبديل لها، لتصبح أداة من أدوات قمع المعارضين خصوصاً الصحفيين الذين أصبحوا العدو المشترك لأطراف الصراع في اليمن.
وأشار التقرير إلى غياب دور النيابات في الإشراف والتفتيش على مراكز التوقيف والسجون والاطلاع على سلامة الإجراءات وقانونية الاحتجاز وإحالة المعتقلين للنيابة خلال الفترة التي يحددها القانون، مما جعل المعتقلين عرضة للتعذيب والاخفاء القسري. إضافة إلى عدم احترام الالتزامات التي فرضها القانون على النائب العام ورؤساء النيابات الذين رفضوا الاستجابة للشكاوي التي قدمها الضحايا من الصحفيين أو محاميهم في الطعن بالاعتقال التعسفي وطلب التحقيق بسوء المعاملة والتعذيب وتثبيت ادعاءاتهم؛ حيث رفضت النيابة المتخصصة في صنعاء استجابة لطلبات الطعن بقانونية اعتقال 17 صحفياً وتجاهلت طلبات بالإفراج عن المعتقلين المحتجزين تعسفياً، كما أصدرت النيابة الجزائية المتخصصة قرارات اتهام كيدية بحق 16 صحفياً، مستندة في ذلك على الاعترافات التي تضمنتها محاضر جمع الاستدلالات التي أُخذت تحت التعذيب وفي فترة الإختفاء القسري.
وذكر التقرير أن المحاكم الجزائية المتخصصة، حلت محل المحاكم العادية في النظر في قضايا الصحفيين الذين تعرضوا للانتهاكات على يد أطراف الصراع في اليمن بالرغم من أن جميع التهم المزعومة ضد الصحفيين لا تندرج ضمن اختصاصات المحاكم الجزائية المتخصصة.
وأوضح أنه من خلال 17 حالة يدرسها التقرير تبيّن أنه في جميعها لم تنظر المحاكم التي خضع فيها الصحفيين للمحاكمة بالمخالفات الدستورية والقانونية مثل الاعترافات التي تم انتزاعها تحت التعذيب، ومعظم المتهمين من الصحفيين الذين ينكرون التهم الموجهة إليهم يُدانون على أساس اعترافاتهم تحت الإكراه وغير المدعمة بالأدلة، إضافة إلى أن النيابة العامة والمحكمة تقاعست مرارًا عن مراعاة الالتزامات في القانونين الدولي والوطني التي تقضي بأن على المحاكم ضمان إجراء تحقيقات نزيهة في أي مزاعم بشأن الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري، والتعذيب أو سوء المعاملة، وأنه لا يمكن قبول الاعتراف كدليل في الدعوى إلا بعد أن يجد تحقيق جدّي أن مزاعم التعذيب باطلة.
كما أشار التقرير إلى أنه تم عقد جلسات محاكمة صورية لم يتم فيها الترافع ولم يُسمح فيها للمتهمين الاستعانة بمحامين، وفي 16 حالة محاكمة للصحفيين في صنعاء، مُنع محامو الدفاع من الحضور في معظم الجلسات، ورفضت المحكمة تمكين المحامين من الاطلاع على ملفات القضايا ولم تتح لهم سوى دقائق معدودة لإعداد المرافعات وفي بعض القضايا 24 ساعة، مما يعني أنهم لم يتمكنوا من الطعن في قانونية الاعتقال ولا إعداد الدفاع بصورة كافية قبل المحاكمة وخلالها.
كما أن المحاكم في صنعاء تعمدت إصدار أحكام كيدية تتسم بالطابع السياسي، الأمر الذي يقلص من حق المتهمين في اعتبارهم أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم.
وبحسب التقرير أن إضعاف قدرة القضاء، يؤدي إلى عدم مساءلة المتورطين بارتكاب انتهاكات خطيرة ضد الصحفيين، من بينها التعذيب والقتل غير المشروع والاعتقال التعسفي طويل الأمد، والاخفاء القسري. وأن فشل المحاكم في التحقيق في هذه الانتهاكات، يساهم في خلق مناخ من الإفلات من العقاب، ويديم انتهاكات حقوق الإنسان، ويقوض الدور المهم للصحافة في مساءلة الحكومات والجهات الفاعلة القوية الأخرى على أفعالهم. وبدون المساءلة عن هذه الجرائم، قد يتم منع الصحفيين عن تغطية قضايا مهمة، وقد يُحرم الجمهور من المعلومات الحيوية، مما يؤدي إلى مزيد من تآكل الشفافية والمساءلة، وفي النهاية الديمقراطية.
يمكنك تحميل التقرير باللغة العربية من هنا، أو باللغة الانجليزية من هنا.