استجابت الرياض للمقترحات البريطانية والفرنسية، وبدأت في اتخاذ ترتيبات لاستضافة مؤتمر الرياض (2)، من أجل فرض مشروع تصحيح مسار الشرعية، الذي سيناقش العديد من الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومن أبرز الملفات حساسية هو إعادة صياغة هيكل مؤسسة الرئاسة، لذلك تحرص الرياض على أن تشارك كافة الأحزاب والمكونات السياسية والمجتمعية الداعمة للشرعية في صياغة مشروع توافقي يصنع التغيير في مسارات الحكومة الشرعية.
نعكس غياب الدور الفاعل للأحزاب والمكونات السياسية في المشهد السياسي اليمني، منذ حرب 2015، سلباً على إدارة الدولة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، فتفرد الرئاسة اليمنية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، ونائبه الفريق علي محسن الأحمر وحلفائهم من حزب التجمع اليمني للإصلاح، وحزب المؤتمر في جناحه الذي يقوده رشاد العليمي، في صناعة القرار، ما أثّر على الجانب العسكري والميداني على الأرض، وعلى الملف السياسي والتفاوضي للحكومة الشرعية.
ما قبل مؤتمر الرياض 2
كانت السعودية التي تقود التحالف العربي المساند للحكومة الشرعية، ومعها سفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية قد وصلت إلى قناعة بضرورة وجود تحالف سياسي وطني من جميع المكونات السياسية والاجتماعية، يشارك الحكومة الشرعية في إدارة الدولة وصناعة القرار السياسي والحضور الفاعل في ملف الأزمة اليمنية، فقررت قيادة التحالف في 2019، دعم مكونات إسناد الشرعية للوصول إلى اتفاق إشهار التحالف الوطني للمشاركة في رسم توجهات التحول السياسي وعودة الأحزاب إلى واجهة المشهد السياسي، الأمر الذي أسفر عنه في ذلك الوقت إشهار التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية، الموالية للشرعية، في مدينة سيئون بحضرموت شرقي البلاد في 14أبريل/نيسان من العام 2019، واتفقت المكونات السياسية اليمنية على برنامج مشترك للقيام بمسؤولياتها وتوحيد جهودها، تضمّن رؤية حدّد فيها أولويات المرحلة والمهام الأساسية التي يجب إنجازها بما يحقّق التلازم بين إنجاز مهمة إسقاط الانقلاب واستعادة الدولة وإعادة بناء المؤسسات وفق مضامين مخرجات الحوار، وتصويب الأخطاء ومعالجة الاختلال وأوجه القصور الناجمة عن غياب الرؤية المشتركة، والقيادة الموحدة من الشرعية والتحالف الداعم لها، للتعامل مع الأزمة وإدارتها.
لكن وثيقة البرنامج المرحلي لم تناسب الرئاسة اليمنية كونها نصت بطريقة غير مباشرة على نقطة حساسة تمس موقع نائب الرئيس الفريق علي محسن الأحمر، وهي: “إلغاء القرارات والتعينات والتكليفات الصادرة منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014 بالمخالفة للقانون والدستور ومخرجات الحوار الوطني والتوافق السياسي الحاكم للمرحلة”، قرار تعيين محسن كان خارج التوافق السياسي الحاكم للمرحلة، لذلك عمل هادي والأحمر من خلال حلفائهم على أن يتوقّف برنامج الأحزاب السياسية عند الجانب النظري، على الرغم من استيعابه لحلول الكثير من الملفات والقضايا الجوهرية وتشخيصها.
وتحوّل التحالف السياسي الوليد إلى نسخة مكررة من التحالفات السابقة التي تحصر العمل السياسي بإصدار البيانات السياسية وتكتفي بالشجب والتنديد لكل قضية تواجهها، بينما كان الأصل أن يتم إعداد آلية تنفيذية مزمنة مدعومة من التحالف العربي والشرعية لتنفيذ الحلول التي اقترحها البرنامج وتحديد وتسمية الجهات المعنية بالتنفيذ، وهو ما لم يحدث، حتى الآن، ما جعل التحالف الجديد يموت موتاً سريرياً في ظلّ تعارض مصالح القوى المشاركة فيه.
الأحزاب تحاول من جديد
بعد الإخفاقات العسكرية لقوات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، والتي أدت إلى انسحاب قواتها من محافظة البيضاء، ثم مأرب وشبوة، في يوليو/حزيران 2021، ألقت السعودية باللوم على الرئيس هادي ونائبه وحزب الإصلاح، في هذه الانتكاسة العسكرية.
الإصلاح كان معنيا وقرر إقامة اتصالات مع بقية الأحزاب السياسية اليمنية، وطلب عقد اجتماع يجمع الأمناء العامين للأحزاب الأربعة النشطة، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، والحزب الاشتراكي اليمني، والتجمع اليمني للإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام (جناح رشاد العليمي).
كانت الدعوة لبحث رؤية موحدة لتصحيح مسار الشرعية، وحددت الأحزاب أن يكون الاجتماع في العاصمة المصرية القاهرة، ولكن عندما وصل موعد الاجتماع، طلب الأمين العام لحزب الإصلاح بالإنابة، عبد الرزاق الهجري، في رسالة موجهة إلى الأحزاب تأجيل الاجتماع، مبررا انتقاله إلى الرياض في حالة طارئة، فاتفقت الأحزاب على تأجيل الاجتماع، واقترح أمين عام التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، المحامي عبد الله نعمان، إضافة محمد العامري من حزب الرشاد وتحديد موعد آخر للقاء في القاهرة، لكن القائم بأعمال الأمين العام للإصلاح عبد الرزاق الهاجري اعتذر مجدداً مبررا ذلك بانشغاله بزواج ابنته.
اليسار يتحرك دوليا
]عدم جدية ورغبة حزب الإصلاح في مناقشة تصحيح مسار الشرعية، دفع قيادات سياسة في التنظيم الشعبي الوحدوي الناصري وفي الحزب الاشتراكي اليمني، إلى اتخاذ خطوات سياسية على الصعيد الدولي للضغط من أجل تصحيح مسار الحكومة الشرعية، التقت قيادة الحزبين مع عدد من سفراء الدول الأوربية أبرزهم السفير البريطاني والسفير الفرنسي في اليمن في العاصمة المصرية القاهرة، خلال هذا اللقاءات أوضحت قيادة الحزبين للسفراء، أهمية تصحيح مسار الحكومة الشرعية، من أجل تحسين وضعها التفاوضي في أي مفاوضات تناقش التسوية الشاملة.
كما طرح أمين عام الناصري الموضوع ذاته على المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال لقائه معه في القاهرة. قال له: “سأتحدث معك عن موضوع قد تعتقد أنه خارج عن السياق، لكني أرى أنه من صميم رسالتك أو أنه أحد أهم العوامل التي تضمن لك النجاح”، أشار نعمان إلى أن الشرعية لا يمكن أن تخوض أي مفاوضات مع الحوثي في ظل هذا الوضع المفكك الذي تعاني منه، وشدد على أهمية إصلاح مسار الشرعية لتكون في موقف تفاوضي أفضل. حتى الرياض نفسها ترى أن الموقف التفاوضي للشرعية التي تدعمها ليس إيجابياً.
وقال نعمان للمبعوث الأممي: “قد لا تكون مهتمًا بموضوع كهذا، لكن يمكنك نقل رسائل تؤثر في الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعلى الرباعية المعنية بالملف اليمني”. ربما أن هذه اللقاءات دفعت أصحاب المصلحة الدوليين إجراء اتصالات مع الرياض وأبوظبي للضغط على الرئيس هادي لفرض مشروع إصلاح الشرعية.
الترتيبات السعودية
]شعرت السعودية بالإرهاق في ظل الظروف العسكرية والسياسية التي أحاطت بالحكومة الشرعية، خاصة بعد التراجع المقلق في 2021 لقوات الحكومة الشرعية في البيضاء ومأرب وشبوة، قبل تدخل قوات العمالقة المدعومة إماراتياً لإنقاذ الموقف.
بدأت السعودية في إعادة ترتيب الملف اليمني لضمان فرض مشروع تصحيح مسار الشرعية، فقررت ردم الفجوة بينها وبين الإمارات، لكن الإمارات، من أجل العودة للتأثير على الملف اليمني، حددت بعض الشروط أبرزها إعادة هيكلة الرئاسة وتقليص صلاحيات الرئيس هادي ونائبه الفريق علي محسن الأحمر، باعتبارهما عقبة أمام تصحيح مسار الشرعية، وأصبح ديوان الرئاسة الذي ينفذ مهامه من الرياض بؤرة للفساد. علاوة على ذلك، أدى تجسيد الشرعية في شخص هادي إلى تعقيد قضايا الخلافة بشكل كبير، وخلق شرخًا كبيرًا في صفوف التحالف المناهض للحوثيين.
كما اقترحت الإمارات حزمة إصلاحات، أقنعت السعودية على ضرورة التصحيح في رأس الهرم، لذا اتفق البلدان على إطلاق عملية عسكرية أطلق عليها ” حرية اليمن السعيد”، وكان الرئيس هادي ونائبه ممانعين في أن يكون لأي قوات مدعومة إماراتياً دور عسكري، لكن السعوديين مارسوا ضغوطاً عليهم، فانطلقت قوات العمالقة المدعومة إماراتياً نحو تحرير شبوة وأجزاء من مأرب، من أجل إعادة الثقة للشعب. ثم بعد ذلك الذهاب نحو فرض مشروع تصحيح مسار الشرعية.
استجابت الرياض للمقترحات البريطانية والفرنسية، وبدأت في اتخاذ الترتيبات لاستضافة مؤتمر الرياض (2)، من أجل فرض مشروع تصحيح مسار الشرعية، الذي سيناقش العديد من الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومن أبرز الملفات حساسية هو إعادة صياغة هيكل مؤسسة الرئاسة، لذلك تحرص الرياض على أن تشارك كافة الأحزاب والمكونات السياسية والمجتمعية الداعمة للشرعية في صياغة مشروع توافقي يصنع التغيير في مسارات الحكومة الشرعية.
مصير هادي ومحسن
بنظر معظم المكونات السياسية اليمنية يعد الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر حجر عثرة أمام تصحيح مسار الشرعية، فصار من الضروري البحث عن بدائل لحكومة متعاونة وخاضعة للمساءلة، وبحسب المصادر السياسية التي أستند إليها هذا التقرير، ستناقش المكونات اليمنية المقرر أن تجتمع في الرياض خيارات من بينها عزل النائب علي محسن الأحمر من خلال التغيير الذي سيطرأ على موقع الرئيس هادي في إطار خيارين، الأول: تشكيل مجلس رئاسي برئاسته، والثاني: تعيين نائب توافقي تنقل له معظم صلاحيات هادي، أو تعيين نواب متعددين. ستدفع الرياض إلى هذه حدوث إحدى نتائج هذه الخيارات.
في الماضي، رفض هادي قبول أي خطة لسلب ما اعتبره حقّاً له في قيادة المرحلة الانتقالية للخروج من الحرب. على سبيل المثال، في 2016 سرت شائعات حول إمكانية اختيار خالد بحاح، الذي كان نائباً للرئيس في ذلك الوقت، كمرشّح توافقي، غير أن هادي طرد بحاح بشكلٍ غير رسمي قبل وقت قصير من محادثات الكويت عام 2016، لإحباط هذا السيناريو على ما يبدو. واستبدل هادي نائب الرئيس بحاح بالفريق علي محسن الأحمر، وهو قائد عسكري رفضت معظم المكونات السياسية تعيينه، وأعطت هذه المناورات الانطباع بأن هادي كان يعارض التنازل عن السلطة.
لذلك ربما أن يصطدم مؤتمر الرياض (2) الذي من المؤكد أن يناقش تشكيل مجلس رئاسي، بمقاومة سياسية، من الرئيس هادي وحلفائه، أبرزهم حزب الإصلاح، ومجموعة من المقرّبين من هادي من الذين يكتسبون، كما جاء في تقرير “فريق الخبراء” التابع للأمم المتحدة المعني باليمن في يناير/ كانون الثاني 2019، ثروتهم ويوسّعون نفوذهم من خلاله.
لذلك تحرص الرياض على أن تأتي مبادرة تشكيل مجلس رئاسي، أو تعيين نائب أو نواب بالتوافق على أن تنقل لهم جزء من أهم الصلاحيات، من المكونات السياسية والمجتمعية في الدخل اليمني، على أن تمارس المملكة العربية السعودية بصفتها الداعم السياسي والعسكري الرئيسي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ضغوطاً على هادي حتى يوافق على التخلي عن بعض سلطاته لصالح مجلس رئاسي. كما ستضمن السعودية لحزب الإصلاح الذي تقول إنه ليس جزء من جماعة الإخوان المسلمين بأنه سيظل شريكا أساسيا في السلطة.
الشرعية ليست هادي
c_column_text]تستند الشرعية الرئاسية للرئيس هادي إلى هيكل قانوني كان وليد اللحظة الوجيزة للإجماع الوطني والدولي في عام 2012، في أعقاب أزمة “الربيع العربي” الطويلة الأمد. وتدعم مبادرة “مجلس التعاون الخليجي” لعام 2011، وآلية تنفيذها، و”قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216″ شرعية هادي المذكور بالإسم بشكل غير عادي. فوفقاً لمبادرة التزمت الأطراف في اليمن بـ”عدم تسمية أو تأييد أي مرشّح للانتخابات الرئاسية المبكرة باستثناء المرشّح التوافقي نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي”.
وكان من المفترض أن يكون هادي رئيساً انتقالياً يشرف على “عملية الحوار الوطني”، وكتابة دستور جديد، وإعادة هيكلة القوات العسكرية، ثم الإشراف على الانتخابات التي من شأنها أن تخلعه بشكلٍ شبه مؤكد عن منصبه.
ومع ذلك، توقفت هذه العملية في سبتمبر/ أيلول 2014 من خلال زحف الحوثيين باتجاه صنعاء واستيلاء الجماعة المتمردة في نهاية الأمر على الدولة في أوائل عام 2015. وهكذا أصبح هادي يُعرف بالرئيس الذي يمارس حكمه في زمن الحرب ومنفي باختياره في الغالب، مستقرّاً بشكلٍ أساسي في المملكة العربية السعودية، ويشرف على حربٍ لا نهاية لها على ما يبدو وشاقة للغاية.
إن الأساس القانوني لرئاسة هادي هو بالتالي حصيلة إجماع إقليمي ودولي، ولا يقابله بالضرورة إجماعٌ محلّي. فلا يملك هادي، قاعدةً واسعةً من الموالين المحليين، والكثيرون من الذين يؤيدون “الشرعية”، كما تُسمّى غالباً حكومته، يقومون بذلك بدافع معارضة تطلعات المتمردين الحوثيين الرامية إلى إزاحته عن طريق “انقلاب”، من دون أن يؤيّدوا بالضرورة هادي نفسه. وبمعنى آخر، إنهم يدعمون الحكومة اليمنية كمؤسسة.