كانت المرأة اليمنية ولا تزال الأكثر تضرراً من الحروب طوال تاريخ الصراع في اليمن، ومنذ أحداث 2011 تضاعف هذا العناء، وتحملت النساء تداعيات الحرب العبثية الدائرة في اليمن منذ العام 2015، وكانت وقوداً لها، بحسب تقارير الأمم المتحدة؛ ما يقرب من 30 في المائة من ضحايا الحرب من النساء والأطفال. ورغم كل التحديات التي تواجه المرأة اليمنية، أثبتت حفيدات بلقيس قدرتهن على تحمل المسؤولية ومواجهة أعباء الحياة ومحاولة ترسيخ قيم السلام وتمهيد الطريق للنجاح.
وتمثل المرأة اليمنية في المهجر نموذجاً مشرفاً في الإبداع ورسم صورة إيجابية على مستوى التميز والوعي، وتغلبت على مرارة الاغتراب في ظل غياب دور الدولة في متابعة أوضاع المغترب اليمني ومعالجة قضاياه، كانت المرأة اليمنية تبحث عن بدائل وحلول تمكنها من إعالة نفسها وعائلاتها والتغلب على الظروف المعيشية القاسية.
نقدم هنا قصصا لنماذج مميزة من اليمنيات المقيمات في المهجر، ونبدأ بقصة الفنانة التشكيلية ومصممة الجرافيك “ميادة الورافي” عاشقة الألوان البالغة من العمر 26 عاماً، وهي خريجة قسم الفنون الجميلة في جامعة تعز، وحصلة على المرتبة الأولى في صفوف دفعتها، ورغم تميزها إلا أنها وجدت نفسها عاجزة عن إيجاد فرصة عمل لها في اليمن، وما كان من خيار أمامها غير مغادرة البلد للبحث عن فرصة تربي فيها أحلامها وموهبتها.
تروي ميادة قصتها مع الفن وتتذكر طفولتها مع الرسم والألوان بشغف: “كانت طفولتي أحلى مرحلة في عمري إنها مليئة بالذكريات الجميلة، لقد أحببت الفن والألوان منذ طفولتي. تضيف: اعتدت أيضاً على تصميم أزياء العرائس وخياطتها، وفضلت أن ألعب بالرمل وأرسم عليها. كانت طفولة ممزوجة بالألوان حتى في ملابسي، ويكفي أنها كانت في حضانة الأب والأم التي فقدتها عندما كبرت”.
أكملتُ الورافي تعليميها الثانوي والتحقت بقسم الفنون التشكيلية بكلية الآداب في جامعة تعز، ومن هنا بدأ حلمها يتحول إلى حقيقة تمثل في صقل موهبتها من خلال هذا التخصص رغم معارضة أهلها لخيار التحاقي بهذا المجال بحجة كون هذا المجال غير مناسب للمرأة في مجتمع تسوده ثقافة العيب، علاوة على أنه لا يدرك أهمية الفن ورسالته العظيمة في هذا الكون.
تمسكت الورافي بخيارها في مجال الفن باعتباره حلم يكبر معها فعملت على إقناع عائلتها بأنها لا ترغب في أي مجال آخر، وبعزيمة وإرادة قوية تمكنت من تحقق هدفها، وفي 2019 تخرجت أول دفعة في قسم الفنون الجميلة (الجرافيك) في جامعة تعز، وحصلت ميادة الورافي على المرتبة الأولى بدرجة امتياز، لكنها ورغم ذلك التفوق، تقول: “لم أجد فرصة للعمل في اليمن بسبب الحرب التي تشهدها البلاد ومنها مدينتي تعز، والتي حطمت كل جميل، وتحطّم معها مستقبلنا كفنانين ومبدعين، ولم نعد نرى سوى الموت والدمار، لذلك فكّرت بالهجرة والحصول على فرصة أستطيع بها الخروج من اليمن لتحقيق حلمي وطموحاتي”.
فرصة الهجرة، سافرت ميادة إلى مصر ضمن فرص منحة التبادل الثقافي بين جامعة تعز والجامعات المصرية، وكانت مدتها شهراً واحداً، وبعد انتهاء الفترة قررت الاستقرار والبحث عن فرص تعزز قدراتها، من خلال دورات تدريبية متعددة في التصميم والرسم الإلكتروني، ونادراً ما يهتم بهذا النوع من الدورات في اليمن.
قدم أشقاء ميادة لها الدعم، لكن تكلفة الاغتراب كانت تفوق إمكانياتهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، فاضطرت للبحث عن عمل يساعدها في تحقيق هدفها.
تقول ميادة: “بدأت العمل في مجال لا علاقة له بالفن لفترة قصيرة كمدرسة في مدرسة يمنية في مصر براتب لا يكفي لسداد عيشي. ثم انتقلت للعمل في مجالي وهو التصميم في أحد مكاتب الشركات اليمنية، ثم المشاركة في العمل الفني والفن التشكيلي في مصر وخارجها، وأنا مستمر في ذلك حتى اللحظة.”.
طموح ميادة لن يتوقف عند فرصة العثور على عمل، بل وضعت هدف التحصيل العلمي ضمن أهدافها، فالتحقت ببرنامج ماجستير متخصص في الفنون الشعبية بجامعة القاهرة، وتمكنت من الدراسة والعمل في نفس الوقت، تقول ميادة: “رغم صعوبات التكيف مع مجتمع جديد والعيش منفردة بعيداً عن الأسرة؛ لكن تم التغلب على الصعوبات بالإرادة والتصميم، وكان للبيئة التي دفعتني من الداعمين سواء من اليمنيين أو المصريين دور إيجابي. بالإضافة إلى ذلك فإن المجتمع المصري بشكل عام يتمتع بميزة دعم عمل الفتاة وانخراطها في جميع مجالات الحياة بخلاف ما يحدث في اليمن، وبالطبع من دعمني ومثل السند القوي لي هو زوجي، في البداية، كان صديقاً ساعدني في غربتي فوجدت فيه شريك الحياة، بالإضافة إلى دعم أهلي الذين كانوا خير معين لي”.
خلال رحلة النجاح المليئة بالعطاء والتحدي والمثابرة، حصلت ميادة على عدد من الجوائز، ولها أيضاً عدد من المشاركات الداخلية والخارجية في أنشطة الفن، كما شاركت في فن الجرافيك على جدران مدينة تعز، لإيصال رسالة للمجتمع عن السلام والحب والتعايش.
وفي ختام حديثها بعثت ميادة برسالة إلى كل فتاة تقول فيها: “يجب على الفتاة أن تناضل من أجل حلمها، وتسعى دائمًا لتكون الأفضل، ولا تستسلم للصعوبات والعقبات، ولا تسمح لأحد بالحد من طموحها ليس فقط من أجلها؛ ولكن من أجل مجتمع أفضل وأمة أجمل وأكثر صحة، نحن النساء معلمات الأجيال وصناع الأمم.”
قسوة ومرارة ونجاح، كل هذه التناقضات والتفاصيل في قصة عائشة محمد حامد الجشوبي، التي تمثل نموذجاً مميز آخر للمرأة اليمنية في المهجر، إذ قررت عائشة (22 عاماً) وشقيقتها الصغرى فاطمة ترك أحلامهما مبكرًا بعد إتمام التعليم الثانوي وعدم قدرتهما على متابعة الجامعة.
تقول عائشة: “كانت طفولتنا قاسية بسبب الظروف في اليمن والحرب المستمرة، ثم سافر والدي إلى دولة أوروبية للبحث عن عمل، وانضمت إليه والدتي وأخواتي الصغيرات، ولم نتمكن أنا وأختي من السفر بسبب مشكلة السن القانونية؛ يُسمح فقط لمن تقل أعمارهم عن 18 عامًا بالانضمام إلى العائلة، مما جعلني وأختي نبذل جهدًا مضاعفًا ونعتمد على أنفسنا.
في البداية قررت عائشة وشقيقتها السفر إلى مصر بغرض استكمال الإجراءات للالتحاق بوالديهما في إحدى الدول الأوربية، فواجهتا مشكلة السن القانونية، مما جعلهما يستقران في مصر وبعد مرور ثلاث سنوات على وصولهما إلى مصر بدأن بممارسة النقش وتصميم الأزياء، وإعداد متطلبات حفلات الزفاف النسائية، ويطمحن الآن في أن يكون لهن مشروع كبير في المستقبل، خاصة بعد أن اكتسبن شهرة بسبب إتقانهن للعمل. وتؤكد عائشة: ” وجهت معوقات بسبب تصور البعض بأن هذا العمل عيباً لا يليق بالأسرة إلا أننا نجحنا بسبب نضالنا وإيماننا بأهمية العمل خاصة مع رؤيتنا لنجاحات المرأة المصرية في المشاركة مع الرجل في جميع التخصصات والمجالات “.
وتختتم: “نصيحة مني لكل النساء؛ ابدأ بأشياء بسيطة؛ مثل الحرف اليدوية والمهن المختلفة، لا تستسلمن لليأس أو الفشل، اعملن بروح التحدي، وحاولن مراراً وتكراراً، لأن النجاح بعد الإصرار له طعم رائع ومختلف
طموح فردوس
فردوس محمد سالم البذيجي، تعمل كمهندسة ديكور، ولدت في المملكة العربية السعودية، وتلقت تعليمها الابتدائي هناك، ثم انتقلت إلى اليمن، وأكملت تعليمها، والتحقت بالجامعة بتخصص هندسة وتصميم ديكور.
دفعت الحرب الدائرة في اليمن وعدم توفر فرص العمل، فردوس للسفر مع زوجها إلى مصر، واستقرت هناك. تقول الفردوس: ” عملت خمس سنوات في مصر مع مؤسسات مختلفة، وبعدها عملت مع شركة سعودية على الإنترنت لمدة عام، وفي مصنع ملابس لفترة وجيزة، وحالياً أعمل في مجال” التصميم الداخلي “مع شركة يمنية وشركة سعودية أخرى، إعجابهم بعملي هو أساس نجاحي، وأنا سعيد بما حققته وتوصلت إليه بفضل زوجي وعائلتي الذين دعموني ولم أجد أي عوائق منهم، وأساتذتي في الجامعة الذين لهم الفضل الكبير، لكن المجتمع لا يزال لديه نظرة ضد المرأة العاملة ويحاول دائمًا إفشالها.”.
وتضيف: عملت إلى جانب تخصصي في صنع الصلصة الحارة الأندونيسية والهندية واليمنية، وكان المشروع ناجحاً وتلقيت طلبات كبيرة، بالإضافة إلى صنع البخور اليمني أيضاً، ولكن بسبب انشغالي بالوظيفة الحالية، أنا لم أعد أجد الوقت لهذه الأعمال.
وتؤكد: العمل حتمي في الغربة للعيش وتأمين المستقبل، ولدي أفكار لمشاريع مختلفة، وسأقوم بتنفيذها في المستقبل بإذن الله. تعلمك حياة الاغتراب الكثير، وتمنحك فرصاً للقاء بأشخاص جدد وثقافات مختلفة وعالم آخر، وهذا شيء جيد، لكن بعدك عن وطنك وعائلتك وأصدقائك يظل ألماً دائماً، وأتمنى أن أحقق حلمي الكبير بامتلاك شركة هندسية متخصصة في الديكور، وأعتقد دائماً أن العمل يمنح المرأة الثقة والاستقلال المالي، بحيث يمكن للمرأة أن تكون عضواً فاعلاً في المجتمع، ولا تعتمد على أي شخص وتشعر بالإهانة والانكسار، وبغض النظر عن مدى بساطة الدخل المالي، سيأتي اليوم الذي ستكون فيه أكثر خبرة وأكثر نضجا.
ضوء حُلم يبدأ في مصر
وتضيف: “بسبب الحرب كانت هجرتي الأولى إلى لبنان، وأنا حاليا في مصر لأن عائلتي هنا، ونور حلمي الجميل بدأ في مصر لأنها تتميز بانفتاح كبير على معظم المجالات، حيث درست تصميم الأزياء وعملت في هذا المجال، وبدأت في تشكيل أول ماركة للعبايات اليمنية في مصر، تتابع غادة: في البداية كانت مهنة لتحسين الدخل، لكنها تحولت إلى شغف وحلم وستصل إلى العالم يوماً ما. لقد بدأتها بقدرات بسيطة للغاية ودعمتها بالدراسة في هذا المجال، ولا أنسى الدعم القوي من عائلتي وأصدقائي، وكان انقطاعي عن العمل بسبب وجودي في لبنان.
تواصل غادة حديثها: “أعمل حاليًا في صنع الكعك من المنزل لأنني ملتزمة بتربية أطفالي، وأنا مغتربة، ويصعب عليِّ الالتزام بساعات العمل، فاخترت المجال الثاني لأنه أنسب من غيره من المجالات في البيئة التي أعيش فيها بلبنان، ورغم مرارة الغربة، يجب أن نكون أقوى، ونكمل المشوار ونتمكن من إتقان العمل، وصولاً إلى تحقيق النجاح المطلوب”.
غادة على النخعي، من محافظة عدن، وتبلغ من العمر 37 عاماً، متزوجة ولديها طفلان درست برمجة الكمبيوتر وتصميم الأزياء.
تصف غادة طفولتها بالممتعة، وتقول: لقد تفوقت في جميع مراحل دراستي حتى الجامعة أيضاً، وتميزت في تخصصي وحضوري، واخترت تخصصي الجامعي بمحض إرادتي ولم يفرضها أحد عليّ، وكان الأمر أقرب إلى طموحي وهو أن أعمل بوظيفة جميلة تناسب طريقي وأسلوب حياتي “.
وتضيف: “بسبب الحرب كانت هجرتي الأولى إلى لبنان، وأنا حاليا في مصر لأن عائلتي هنا، ونور حلمي الجميل بدأ في مصر لأنها تتميز بانفتاح كبير على
معظم المجالات، حيث درست تصميم الأزياء وعملت في هذا المجال، وبدأت في تشكيل أول ماركة للعبايات اليمنية في مصر، تتابع غادة: في البداية كانت مهنة لتحسين الدخل، لكنها تحولت إلى شغف وحلم وستصل إلى العالم يوماً ما. لقد بدأتها بقدرات بسيطة للغاية ودعمتها بالدراسة في هذا المجال، ولا أنسى الدعم القوي من عائلتي وأصدقائي، وكان انقطاعي عن العمل بسبب وجودي في لبنان.
تواصل غادة حديثها: “أعمل حاليًا في صنع الكعك من المنزل لأنني ملتزمة بتربية أطفالي، وأنا مغتربة، ويصعب عليِّ الالتزام بساعات العمل، فاخترت المجال الثاني لأنه أنسب من غيره من المجالات في البيئة التي أعيش فيها بلبنان، ورغم مرارة الغربة، يجب أن نكون أقوى، ونكمل المشوار ونتمكن من إتقان العمل، وصولاً إلى تحقيق النجاح المطلوب”.
بين الحلم والتخصص
نسمة عبد الولي الجهمي، 27 عاماً، تعمل مصورة، درست الهندسة، وتخلت عن التخصص الذي اختاره والدها، وحققت حلمها في المهجر.
تروي نسمه تفاصيل قصتها المختلطة بحلمها وتخصصها وهواياتها، وتقول: “عشت في تعز، وحلمت أن أكون طبيبة، لكن والدي اختار لي كلية الهندسة، وأعجبني المجال، لكن الهجرة من اليمن لم تمنحني الفرصة لمواصلة مسيرتي المهنية في مجال تخصصي. لقد سافرت إلى مصر لأنه كان صعباً عليِّ تحمل ظروف بلدي، وبدأت أخوض تجربة التصوير الفوتوغرافي كوسيلة للبحث عن فرصة عمل يمكنني من خلالها تحسين وضعي المعيشي، وقبل ذلك كان لدي تجارب في الدخول في العديد من المشاريع، بما في ذلك التجارة على الإنترنت، وفتحت أيضاً معملاً صغيراً للطبخ، وكان من الصعوبات التي واجهتها عدم توفر العُمّال، ثم فكّرت بالتصوير، وكنتُ قد قررت أن أعود وأعمل في اليمن، ولكن الأوضاع لم تسمح بذلك، فعملت في مصر.
وتضيف: “انضممت إلى شركة مصرية، وتعلمت منها الكثير من التجربة، وكان زوجي داعماً لي إلى جانب أصدقائي، فكرت في أشهر المشاريع: التصميم، التصوير الفوتوغرافي، المكياج، ووجدت نفسي في التصوير الفوتوغرافي، سأكملها وأحقق كل ما أرغب في الوصول إليه في المستقبل، والنجاح يترك أثراً جميلاً في نفوسنا، وما أتمناه أن أكون مصورة محترفة وأصور شخصيات عالمية شهيرة. “.
صانعة الحلويات
رندة عبد الإله الحاج أخصائية مختبرات تعمل في القطاع الحكومي في اليمن منذ عام 2006، و”أم لجين” هو اسم شهرتها كصانع حلويات في تعز.
كان لأسرتها الفضل الأكبر في دعم مسيرتها المهنية والتعليمية، حيث كان والدها يؤمن بقدرة المرأة على بلوغ قمة النجاح، رغم معارضة بعض أفراد عائلتها بحجة أن عمل الفتاة ودراستها عيباً يدل على عجز أهلها عن إعالتها.
تبدأ رندة حديثها: “انتقلنا إلى مصر بسبب الأوضاع في اليمن، وخاصة في مدينة الحديدة التي كنت أعيش فيها، لقد عشنا فترة من الخوف والرعب والقصف والحرارة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، مما جعلنا نبحث عن بلد آخر للهجرة، غادرت أنا وزوجي الوطن وأولادي وكنا نتمنى العودة إلى اليمن في فترة وجيزة لكن الحرب استمرت ولم نتمكن من العودة”.
تقول: “بدأنا في البحث عن فرص عمل لي ولزوجي، حتى نتمكن من إعالة أنفسنا وتأمين مستقبل أطفالنا، لذا فإن الاغتراب مرهق ويحتاج إلى جهود كبيرة للنجاح، ونحن يمنيون نعاني من ويلات التهجير من الحرب وويلات الغربة. كان زوجي يعمل في مصنع تابع لرجل أعمال يمني، لكن الراتب لم يغطي الاحتياجات الأساسية، وقررت أن يكون لدي مشروعي الخاص، وبدأت من خلال مجموعات الواتساب في تعليم الحلويات والطبخات، وبدأت أعمل برفق والبحث عن وصفات جديدة والعمل على تنفيذها، لاستثمار أوقات فراغي ومساعدة زوجي في مصاريف المنزل”.
وتضيف: “صناعة الحلويات هي بالفعل هواية أحبها منذ فترة طويلة، وكنت أمارسها في المنزل لعائلتي وأستمتع بها، ولم أكن أتوقع أنها ستكون مهنة أساسية يوماً ما. وظيفتي الأساسية هي في المختبرات، لكن الحرب والغربة والظروف الصعبة التي مررنا بها جعلتني أفكر بفتح محل للحلويات وفتح الباب لطلبات لمن يعرفني وللمناسبات مثل الأعراس وغيرها.
لقد وجدت أن الأعمال التجارية تتوسع وتتزايد الطلبات يوماً بعد يوم.
في ذلك الوقت قررت فتح حساب على الفيسبوك وسمته “لجين كيك”، وبدأت بتفعيل نشاطي وعرض جميع أعمالي، وتلقيت طلبات العملاء، فنمو المشروع وانتشر أكثر مما كنت أتوقع. لقد مرت ثلاث سنوات ونصف منذ أن نجح مشروعي، نجاحي يجعلني فخورة وأصبح اسمي معروفاً، وليس لدي وقت بسبب الطلبات الكثيرة، وبفضل ذلك استقر حالتنا المادية والنفسية.
بين اليمن وجيبوتي مصر
سماح سمير صالح، متزوجة وأم لأربعة أولاد، تعمل مصففة شعر، درست تخصصاً في اللغة الإنجليزية، لكن ظروف الحياة منعتها من إكمال تعليمها.
تقول: “حلمت أن أكون مضيفة طيران أو مديرة حضانة، هاجرت من عدن منذ اندلاع الحرب في البلاد إلى جيبوتي، وكانت أحوالنا سيئة للغاية لدرجة أنني عدت إلى اليمن مرة أخرى بين التشتت والضياع والخوف والقلق من المصير المحتوم الذي ينتظرنا هناك، لم أجد الاستقرار أو الأمن، فاضطررت للهجرة إلى مصر، وهناك استقرنا”.
وتضيف: “بدأت مشروعي الخاص الذي كنت أعمل فيه في اليمن منذ 16 عاماً كمصفف شعر للسيدات، وهي مهنة وجدت نفسي فيها وجلبت لي عائداً مادياً أدى إلى تحسين وضعي. لقد واجهت الاغتراب بعزم على أن أكون قوية وأن أتغلب على الظروف الصعبة، وها أنا اليوم على أعتاب النجاح والحمد لله”.
وتتابع: “بعد صراع كبير وصلت إلى مستوى أنا راضٍ عنه، وإلى جانب تصفيف الشعر، أعمل في صناعة إكسسوارات التصميم، بالإضافة إلى دورات في الخياطة واللغة الإنجليزية لتعزيز ثقتي بنفسي والمرأة القوية والناجحة يمكنها أن تبدأ في أي بلد. أدعو جميع النساء في الغربة للانطلاق نحو المستقبل. سيتحقق الحلم ولن يكون الاغتراب عقبة في طريق النجاح.
وتؤكد سماح أن تحديات وصعوبات وعقبات العادات والتقاليد المتخلفة قيدت المرأة اليمنية وأعاقتها عن المشاركة الفاعلة في المجتمع، خاصة في ظل الاعتراف بالتصريحات الرجعية التي تحمل نظرة أدنى للمرأة. مثل “ليس للمرأة إلا بيتها أو قبرها”.
تعكس هذه القصص قدرة المرأة اليمنية على أن تكون نموذجاً للنجاح والتألق، وأن تكون فخراً بالنضال والعطاء وتحمل المسؤولية، وقادرة على العمل والمبادرة في إنتاج مشاريعها الخاصة وتحقيق نجاحات متميزة.
نبذة على الكاتب
كاتبة المحتوى | سناء البدوي
كاتبة المحتوى | سناء البدوي، صحافية يمنية تقيم مؤقتاً في العاصمة المصرية القاهرة. تعمل منذ العام 2010 في مجال الصحافة ومتخصصة بقضايا الأسرة والتنمية، وشغلت منصب السكرتارية الإدارية لنقابة الصحافيين اليمنيين فرع محافظة تعز.