
المؤتمر الشعبي العام: العدالة الانتقالية ضرورة ملحة لكن وفق شروط واقعية
سياق التقرير سبتمبر 21, 2025
خاص | مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية
يؤكد حزب المؤتمر الشعبي العام أن العدالة الانتقالية في اليمن ليست مجرد إجراء قانوني أو سياسي، بل عملية وطنية شاملة تتطلب شجاعة الجميع، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، ضحايا أو جلادين، للاعتراف بالأخطاء والانتهاكات. ويشير الحزب إلى أن من كان ضحية في الماضي قد يصبح جلادًا اليوم، والعكس صحيح، ما يجعل الحاجة إلى رؤية واقعية أكثر إلحاحًا.
تاريخ طويل من الصراعات والضحايا
وفي جلسة حوار فردية عقدها مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية مع القيادي في حزب المؤتمر البرلماني عبدالوهاب معوضة، يستعرض الحزب تاريخ الصراعات اليمنية، بدءًا من الاقتتال بين القوى الشمالية، ثم الصراع بين القوى الجنوبية، وصولًا إلى الحرب بين الشطرين قبل الوحدة. وقد خلّفت هذه الصراعات ملفات ثقيلة، خاصة في المناطق الوسطى مثل تعز، إب، ذمار، ريمة والبيضاء.
ويشير الحزب إلى أحداث السبعينيات في مديرية عتمة في محافظة ذمار اليمنية، حيث أُحرقت قرى كاملة: 450 منزلًا عام 1972 و182 منزلًا عام 1979، وكان معظم الضحايا من المدنيين الأبرياء. وبعد خمسين عامًا، ما زالت هذه الأحداث تُلقي بظلالها على الواقع الحالي.
ويضيف الحزب أن بعض القضايا جرى معالجتها أثناء وبعد الوحدة، من خلال جبر الضرر والتسويات، أو الترتيبات الوظيفية والعسكرية، أو عبر الأعراف القبلية. ومع ذلك، هناك ملفات استجدت لاحقًا وبقيت عالقة، أبرزها أحداث 27 أبريل في الجنوب، وصراع 13 يناير١٩٨٦، وملف صعدة، والانتهاكات بحق الناصريين في السبعينيات وصراع الجبهة الوطنية. ويشدد الحزب على ضرورة الاتفاق على الإطار الزمني للأحداث المشمولة في العدالة الانتقالية، لتجنب فتح ملفات تعود لفترات بعيدة جداً، مما يعقد العملية. يتعين تحديد فترة زمنية محددة للتركيز على الانتهاكات الأكثر تأثيراً وحداثة.
الإقرار بالمظالم والانتهاكات
يعترف الحزب بأن المظالم طالت جميع الأطراف، بما فيهم المنتسبون للحزب الاشتراكي الذين تعرضوا للإقصاء بعد حرب 1994، مشيرًا إلى أن قرارات صدرت مؤخرًا لمعالجة أوضاع عشرات الآلاف منهم. ويرى الحزب أن ما ارتكبه المؤتمر خلال 33 عامًا من الحكم لا يقارن بما يحدث اليوم من انتهاكات جسيمة تمارسها ميليشيات الحوثي من قتل ومصادرة أموال وتقييد الحريات.
من المصالحة إلى العدالة الانتقالية
يرى المؤتمر الشعبي العام أن الطريق إلى العدالة الانتقالية يبدأ بالمصالحة السياسية وبناء أرضية مشتركة بين الأحزاب والمكونات السياسية المتخاصمة. وفي هيئة التشاور والمصالحة، قال أن الحزب انخرط في لجنة للعدالة الانتقالية ضمت جميع الأحزاب لمعالجة القضايا بموضوعية، بعيدًا عن “الاصطياد في المياه العكرة”.
ويؤكد الحزب أنه قطع شوطًا جيدًا في تقريب وجهات النظر ومعالجة الملفات الشائكة. ويشير إلى أن البدء بالمصالحة لا يعني إغفال العدالة الانتقالية، بل تمهيد الطريق لها، حيث أُعدّت مصفوفة شاملة تضمنت أسئلة وُجهت للأحزاب حول قضايا العدالة الانتقالية واقتراحات لمعالجة هذه القضايا.
خصوصية التجربة اليمنية
يشدد الحزب على ضرورة اعتماد نموذج يمني خاص للعدالة الانتقالية، يستفيد من تجارب دول مثل جنوب أفريقيا، رواندا، كولومبيا والمغرب، مع مراعاة الخصوصيات الاجتماعية والسياسية المحلية. ويؤكد ضرورة إشراك الضحايا كطرف أساسي في أي عملية انتقالية، وإجراء لقاءات مع منظمات المجتمع المدني والقضاء والأجهزة الأمنية والسلطات المحلية، وتبني حملات مصالحة مجتمعية تبدأ من القرى والمديريات وصولًا إلى المحافظات.
التحديات الراهنة
يشير الحزب إلى أن أكبر تحدٍ أمام العدالة الانتقالية هو الانقسام القائم في مؤسسات الدولة وغياب قانون شامل يطبق على جميع المناطق، حيث يمكن ما يُطبق في عدن أن لا يُطبق في تعز أو حضرموت. لذلك، يؤكد الحزب ضرورة توحيد مؤسسات الدولة القضائية والتشريعية والتنفيذية، وإشراك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بفاعلية.
ويضيف الحزب أن غياب أي مؤشرات لعملية سياسية أو مفاوضات جدية يستلزم أن يتم إدراج ملف العدالة الانتقالية كاملًا في أي مفاوضات مستقبلية، مع تمثيل الضحايا بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن أي لقاء محلي أو إقليمي أو دولي يجري مع الأطراف السياسية لا يتم دون التطرق إلى ملفات الضحايا، مصادرة الممتلكات، السجون، التعذيب، القتل خارج القانون والإخفاء القسري.
إعادة الممتلكات وتعويض المتضررين
يشدد الحزب على أن قضايا مصادرة الأراضي والممتلكات يجب أن تُعالج فورًا بإعادة الحقوق لأصحابها، يليها نقاش التعويضات. ويحذر من أن عدم معالجة أوضاع المتضررين، خصوصًا كبار التجار والشخصيات الذين فقدوا مليارات، قد يحولهم إلى “قنابل موقوتة” تدفعهم لأخذ حقوقهم بأيديهم.
ويؤكد الحزب ضرورة البحث عن مصادر تمويل لتعويض الضحايا وجبر الضرر في كل المحافظات، في ظل دمار واسع مثل الذي شهدته تعز، وتوقف مرتبات الموظفين منذ 2016 في مناطق سيطرة الحوثيين.
الحساسية المجتمعية تجاه كشف الحقائق
يشير الحزب إلى أن بعض مصطلحات العدالة الانتقالية، مثل “المحاكمة” و”الاعتراف بالحقائق”، قد تثير إشكاليات في المجتمع اليمني، حيث يمكن أن يؤدي اعتراف قبيلة بجريمة قديمة إلى إشعال حرب جديدة. لذلك، يدعو إلى مقاربة حذرة وواقعية لا تنكأ الجراح ولا تؤدي إلى صراعات مستقبلية، خصوصًا في قضايا الدماء والانتهاكات الحساسة.
كلمة أخيرة
يختتم المؤتمر الشعبي العام موقفه بالتأكيد أن العدالة الانتقالية تهم الجميع، وليست مقتصرة على الدولة أو حزب بعينه. ويؤكد أن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون في السنوات الأخيرة تفوق بعشرات الأضعاف ما حصل في مراحل سابقة من الصراع اليمني، وأن على اليمنيين الاتفاق على كلمة سواء لمعالجة الأخطاء وجبر الضرر دون المساس بحقوق الضحايا.
ويحذر الحزب من أنه لا يمكن تحقيق عدالة انتقالية حقيقية بدون وضع مستقر، داعيًا إلى تسخير كل الجهود والإمكانات الوطنية لمعالجة القضايا العالقة، والبدء بمصالحة شاملة تفتح الطريق أمام عدالة انتقالية راسخة تعيد الحقوق وتحقق مصالحة وطنية حقيقية.
هذه المادة جزء من مشروع “العدالة الانتقالية من وجهة نظر الأحزاب السياسية” الذي ينفذه مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية بدعم من معهد DT.