
خاص | مركز الإعلام الحر|
كان شابًا لم يتجاوز الرابعة والعشرين، يحلم بغدٍ أفضل لمدينته، يحلم بثقافة تنير العقول وتجمع القلوب. قاد أمجد عبدالرحمن حراكًا ثقافيًا في عدن، في زمن كانت فيه الأفكار تُحارب بالسلاح، والكلمات تُقمع بالرصاص. لم يكن يدرك أن ثمن أحلامه سيكون حياته.
قبل مقتله بأشهر، وقف أمجد بشجاعة ضد هدم مسجد أثري في عدن، مسجد أرادوا إزالته لتحل محله متاجر تدر الأرباح. قاد أمجد وزملاؤه وقفة احتجاجية وحملة إلكترونية رافضة، لم تعجب تلك الأصوات التي رأت فيه تهديدًا لنفوذها. كانت تلك هي الشرارة.
التهديدات والاعتقال الأول
لم يكتفوا بالتحريض عليه، بل وصل الأمر إلى قائد معسكر عشرين، إمام النوبي. أرسل تهديدات صريحة لأمجد، ثم أمر باعتقاله وتعذيبه في المعسكر. أرادوا كسر روحه، لكنهم لم يدركوا أن أمجد أقوى من أن ينكسر.
الاغتيال البارد
في مساء 14 مايو/ أيار 2017، كان أمجد في مقهى الإنترنت الذي يعمل فيه بحي الشيخ عثمان في عدن. فجأة، توقفت دراجة نارية أمام المحل. دخل القاتل، مرتديًا قناعًا، وملابس مدنية، وأطلق النار على أمجد دون رحمة. رصاصة في الرأس، وأخرى في الصدر، وثالثة في الرقبة. ثم خاطب الحاضرين ببرود: “أي حركة، رصاصة تنتظركم”. غادر القاتل بهدوء، تاركًا أمجد غارقًا في دمه، ومغادرًا على دراجته بثقة من لا يخشى العقاب.
كان الشارع فارغًا على غير العادة. لم يكن هذا صدفة، بل تخطيطًا محكمًا لإتمام الجريمة دون شهود. بعد ساعتين فقط، وصلت الشرطة، رغم أن المسافة لا تحتاج لأكثر من خمس دقائق.
محاولة اختطاف الجثة
لم تتوقف الجريمة عند هذا الحد. في مستشفى الجمهورية، حيث نُقلت جثة أمجد، وصل طقم عسكري تابع لمعسكر عشرين. حاولوا أخذ الجثة بحجة “إكرام الميت دفنه”، لكن الأصدقاء الذين توافدوا للمستشفى وقفوا في وجههم. أدرك القتلة أن الأمور تعقدت، فانصرفوا مؤقتًا، لكن نواياهم لم تكن قد انتهت.
محاصرة المعزين واعتقال الصحفيين
في اليوم التالي، لم يُسمح لأئمة المساجد بالصلاة على أمجد. روج القتلة بأنه “علماني ملحد”، محاولة لتشويه صورته ومنع الناس من توديعه. حتى الجيران خافوا من حضور العزاء. انتشر مسلحو معسكر عشرين حول منزل عائلته، يراقبون الداخلين والخارجين.
خرج ثلاثة صحفيين من أصدقاء أمجد من منزل العزاء: هاني الجنيد، ماجد الشعيبي، وحسام ردمان. اعترضهم مسلحون وأخذوهم لمعسكر عشرين. هناك، بدأ التعذيب الوحشي. ضرب، صعق كهربائي، وإيهام بالقتل.
إمام النوبي ظهر بنفسه. كان غاضبًا، ضرب هاني الجنيد بوحشية، وقال له: “سوف نقتلك مثلما قتلنا أمجد”. كانت الرسالة واضحة؛ كل من يتجرأ على كشف الحقيقة، مصيره الموت.
الهروب من عدن
بعد أيام من التعذيب، أُطلق سراح الصحفيين، لكن التهديدات لم تتوقف. كانت أعين القتلة تراقبهم في كل مكان. اضطروا للاختباء، ثم الهروب داخلياً. آخرون من أصدقاء أمجد غادروا إلى القاهرة أو مدن يمنية، هربًا من نفس المصير الذي واجهه أمجد.
عدالة غائبة وصمت قاتل
مرت سنوات، ولم يُحاسب أحد على قتل أمجد. القتلة ما زالوا في مواقع نفوذهم، يحكمون بالسلاح، ويخنقون كل صوتٍ يحاول أن يصدح بالحق.
لكن رغم كل شيء، لم يُسكتوا صوت أمجد. بقيت كلماته تتردد في كل زاوية من عدن. بقيت أفكاره حية، تتناقلها الأجيال، وتُلهم كل من يحلم بالتغيير.
أمجد لم يمت. هو حي في ذاكرة مدينة رفضت أن تنسى ابنها الشجاع.
تفاصيل لم تنشر من قبل حول عملية اغتيال الناشط الثقافي أمجد محمد عبدالرحمن، في هذا التقرير:
(نرفق التقرير: نرفق هنا تقرير عدن تحت عنوان: “لا أحد يتحرك“
ملاحظة
| هذا التقرير ضمن سلسلة تقرير مشروع “من أجل الحقيقة” الذي ينفذه مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية بالشراكة مع معهد DT