
التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري: أولى الخطوات نحو عدالة انتقالية فاعلة تبدأ باستعادة الدولة ومؤسساتها وتحديد مستقبلها السياسي
سياق التقرير سبتمبر 21, 2025
خاص | مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية
يرى التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري أنّ العدالة الانتقالية في اليمن تمثّل عملية شاملة لإغلاق ملفات الماضي وجبر ضرر الضحايا وكشف الحقائق، مستفيدين من تجارب دول أخرى سبقت اليمن في هذا المجال. إلا أنّ قيادته تؤكد أن إطلاق هذه العملية في الوقت الراهن يواجه عقبات كبيرة، أهمها استمرار الحرب، وهشاشة الدولة، وانقسام المؤسسات الأمنية والعسكرية.
حجم الانتهاكات وسياق الحرب المستمرة
يشر الحزب أنه منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر في ستينات القرن الماضي مرورًا بكل الحقب التاريخية وصولًا إلى انقلاب الحوثيين عام 2015، شهد اليمن سلسلة من الانتهاكات: القتل، التعذيب، الإخفاء القسري، نهب الأراضي والممتلكات، تفجير المنازل، والقمع على نطاق واسع. لكن ما ارتكبه الحوثيون منذ 2015 يفوق أضعاف ما سبق من انتهاكات، حيث عُذِّب الآلاف وقُتل المئات تحت التعذيب.
وفي ظل استمرار الحرب وضعف الدولة، يتساءل التنظيم: كيف يمكن تنفيذ عدالة انتقالية حقيقية بينما الصراع قائم والأرضية السياسية والأمنية غير متماسكة؟ويشير إلى أن فتح ملفات الماضي في ظل صراع قائم قد يؤدي إلى انتقامات وتصفيات واقتتال أشد. حيث تشير تجارب دول مثل العراق إلى أن إطلاق عدالة انتقالية في بيئة هشة، وبمنطق الانتقام، قد يؤدي إلى تدمير الأدلة وضياع حقوق الضحايا واستمرار عدم الاستقرار. يمكن في الوقت الراهن الاكتفاء ببدء النقاش حول العدالة الانتقالية، وتوعية المجتمع السياسي والمدني بأهميتها، مع التأكيد أنها ليست أداة للانتقام بل لكشف الحقائق وتصحيح التاريخ وحفظ الذاكرة الوطنية.
غياب ملامح الدولة المستقرة
يرى التنظيم أنّ أولى الخطوات نحو عدالة انتقالية فاعلة تبدأ باستعادة الدولة ومؤسساتها وتحديد مستقبلها السياسي: دولة فيدرالية موحدة أو غير ذلك؟ ويؤكد أنّ العدالة الانتقالية يجب أن تُدرج ضمن كل المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، لكن إطلاقها الآن “صعب جدًا” قبل أن تتضح معالم الدولة وتُستعاد مؤسساتها وتُحتكر القوة المسلحة بيدها.
انقسام الأجهزة الأمنية والعسكرية
يشدد التنظيم على أنّه لا يمكن تحقيق عدالة انتقالية في ظل أجهزة أمنية وعسكرية منقسمة ووجود جماعات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة. ويؤكد أن تحييد الأجهزة الأمنية وتوحيد القوات تحت إشراف وزارتي الدفاع والداخلية شرط أساسي لإطلاق العملية الانتقالية.
موقف القوى السياسية والواقع التفاوضي
يقول التنظيم إنه في الوقت الحالي على الأقل لا يوجد حوار عميق بين الأحزاب حول العدالة الانتقالية، بل يدور النقاش أساسًا حول كيفية تخفيف الصراع القائم وبناء نموذج دولة متماسكة في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية. ويضيف أن المكونات السياسية داخل “مربع الشرعية” تحمل مشاريع متباينة، من بينها الدعوات إلى الانفصال وإقامة حكومة جنوبية، ما يزيد من تعقيد المشهد ويعرقل الاتفاق على مرجعيات موحدة.
أما على صعيد السلام، فيشير التنظيم إلى أن المحادثات المباشرة مع الحوثيين شبه متوقفة منذ اتفاق استوكهولم، وأن النقاشات الحالية لا تتناول مستقبل الدولة أو مسار العدالة الانتقالية.
فتح ملفات كل الحقب التاريخية
يدعو التنظيم إلى فتح ملفات جميع المراحل التاريخية في الشمال والجنوب، بما في ذلك ثورتي سبتمبر وأكتوبر في الستينات، لتصحيح الروايات التاريخية المضللة والوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية، شريطة ضمانات تحول دون تأجيج صراعات جديدة.
التعويضات وجبر الضرر
يشير التنظيم إلى أهمية إنشاء صناديق لجبر الضرر والتعويضات، ويمكن الاستفادة من موارد الدولة الشاسعة، وإغلاق ملف الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، إلى جانب دعم المانحين الدوليين. ويقول أن التعويضات ليست فقط مادية، بل تشمل الجوانب المعنوية مثل تخليد الذاكرة الوطنية، وإنشاء نصب تذكارية، وإطلاق أسماء الضحايا على المدارس والشوارع، وتقديم الاعتذار الرسمي للضحايا. كما يشير إلى ضرورة محاسبة من نهب ممتلكات الناس واستثمرها لعقود مع رد الفوائد المتحصلة.
نماذج دولية وآليات محتملة
يطرح التنظيم إمكانية الاستفادة من آليات مثل “العفو مقابل كشف الحقيقة” على غرار تجربة جنوب أفريقيا، مع حق الضحايا في اللجوء إلى القضاء لمن أراد منهم، مؤكدًا أن هذه الآليات لا يمكن أن تنجح إلا بعد استقرار الدولة ومؤسساتها القضائية والأمنية. كما يشدد على أهمية إنشاء هيئات مستقلة تضم قضاة ومحامين وضحايا وممثلين عن المجتمع المدني، تعمل وفق فترة زمنية ومهام محددة يقرها القانون لضمان الحياد والشفافية.
تجربة الحزب مع الانتهاكات
يذكّر التنظيم الوحدوي الناصري بأنه من أكثر الأحزاب اليمنية تضررًا من الانتهاكات التاريخية: اعتقال وتعذيب وإعدام قياداته في السبعينيات والثمانينيات، وحرمان أعضائه من الوظيفة العامة والترقيات حتى 2011. ورغم العروض، رفض الحزب تشكيل جناح مسلح وواصل التمسك بالنهج المدني، ما يجعله أكثر حرصًا على مدنية الدولة وتحييد الوظيفة العامة.
رسالة إلى الضحايا
يؤكد الحزب للضحايا أن حقوقهم لن تسقط بمرور الزمن، وأن قيم العدالة ستنتصر في النهاية. ويدعوهم إلى مواصلة توثيق الانتهاكات وجمع المعلومات والبيانات بانتظار اللحظة المواتية للإنصاف وكشف الحقيقة.
هذه المادة تم تحريرها ضمن مشروع “العدالة الانتقالية من وجهة نظر الأحزاب السياسية” الذي ينفذه مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية بدعم من معهد DT