لهذه الأسباب.. يعتبر قرار عزل الرئيس هادي للنائب العام باطل وله هدف سياسي
سياق التقرير يناير 19, 2021
أصدر الرئيس الانتقالي في اليمن، عبد ربه منصور هادي، في 15 يناير/كانون الثاني 2021، القرار الجمهوري رقم (4) لسنة 2021، القاضي بتعيين نائب عام للجمهورية، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سبأ)، التي تديرها الحكومة. القرار الذي سوف نفند سياقه في هذا التقرير، يرقى إلى عزل النائب العام اليمني الدكتور علي الأعوش الذي صدر قراراً جمهورياً بتعينه سفيراً في وزارة الخارجية، وتعيين الدكتور أحمد أحمد صالح الموساي نائباً عاماً خلفاً له، والموساوي، هو مسؤول أمني بدرجة لواء، وشغل منصب وكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن والشرطة، ولم يسبق له أن شغل منصباً في القضاء. اللافت أن هذا القرار أثار جدلاً وإهتماماً واسعاً في اليمن على كافة الأصعدة، وتناولته وسائل الإعلام بشكل موسع، وأثار مناقشات وتداعيات لم تنته بعد.
سبب الأهمية: لأن قوة ومكانة القضاء واستقلال ونزاهة وكفاءة أعضائه من أهم الوسائل التي يجب أن تكون موجودة في أي مجتمع لضمان تحقيق العدالة وتطبيق النظام والقانون، فقد حرصت التشريعات في مختلف المراحل على جعل استقلال القضاء مبدأً سيادياً ونصوصاً حاكمة لا يُقبل الانتقاص منها وفي سبيل ذلك نص دستور الجمهورية اليمنية في المادة (149): “القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً والنيابة العامة هيئة من هيئاته…والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأي جهة وبأي صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم”.
وفي المادة (151) من ذات الدستور على أنه “لا يجوز عزل القضاة وأعضاء النيابة العامة”.
لذلك فإن أي تعيين في رئاسة الهيئات القضائية يجب أن يتم بشكل مستقل عن نظام المحاصصة والرغبات السياسية، وألا يكون التعيين يخالف القانون والدستور، وأن يحقق المصلحة العامة، إلا أن القرار رقم (4) لسنة 2021، جاء لتأكيد تحكم المسار السياسي في اليمن في معظم قرارات التعيين الصادرة عن الرئيس عبد ربه في السلطة القضائية.
لماذا القرار باطل تماماً: تم الاتصال بثلاثة قضاة يمنيين لتفنيد قرار تعيين الموساي، وثلاثة قضاة من الهيئة الإدارية لنادي قضاة اليمن، وكانت ردودهم تتطابق في نفس السياق وتشير إلى أن قرار تعيين النائب العام الجديد باطل بطلاً مطلقاً ومرتبط بالنظام العام لهذه الأسباب: أولاً؛ القرار مشبوب بعيب المكان لأنه خالف نص المادة (60) من قانون السلطة القضائية المعدل بالقانون رقم (27) لسنة 2013، والتي تنص على أن: “يعين النائب العام والمحامي العام الأول بقرار من رئيس الجمهورية بناء على إقتراح رئيس مجلس القضاء الأعلى بعد موافقة المجلس”. “. ثانياً، القرار يشوبه انحراف وإساءة إستعمال السلطة؛ كون القرار يستهدف تحقيق غاية سياسية بعيدة عن المصلحة العامة، وخالف قاعدة تخصيص الأهداف. السبب الثالث؛ القرار مشوب بعيب السبب؛ لعدم وجود أسباب واقعية أو قانونية لعزل النائب العام، ومن حيث الإجراءات، فإن القرار شابه خلل في الإجراءات لأنه لم يصدر بناء على اقتراح رئيس مجلس القضاء الأعلى وبعد موافقته، بحسب المصادر السابقة بالإضافة إلى رد مصدر في سكرتارية مجلس القضاء الأعلى عبر تطبيق واتسآب على سؤالنا حول ترشيح المجلس للدكتور الموساي لمنصب النائب. وقال المصدر: لا نعلم.
وكان القرار معيباً أيضاً في الشكل، وذلك لعدم توفر الشروط اللازمة في الشخص المعين بالقرار وهو أن يكون عضواً في السلطة القضائية.
قالوا: أحد القضاة أشار إلى ضرورة قيام نادي قضاة اليمن برفع دعوى إدارية أمام المحكمة الإدارية بمحافظة عدن للمطالبة بإلغاء القرار الجمهوري رقم (4) لسنة 2021، بسبب ما تقدم. وأضاف: يجوز الطعن بالقرار من قبل أي مواطن؛ لأن هذا القرار من القرارات العامة وتتعلق بالصالح العام والمنفعة العامة. وأضاف: صمت نادي القضاة وعدم محاكمتهم على كثير من القرارات المخالفة للقانون بالامتناع والتأييد من الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية لإصدار هذا القرار وعدم احترام القانون والدستور.
وقال القاضي أحمد الذبحاني، رئيس الدائرة التنظيمية بنادي القضاة اليمني، ” لا يحق دستوراً وقانوناً عزل القضاة بهذه الطريقة، وتعيينهم في وظائف حكومية أخرى بشكل تعسفي”. منوهاً إلى أن ما جرى كان عزل لسيادة النائب العام خلافاً للدستور؛ فالنائب العام هو المعني بالتحقيق مع رئيس الجمهورية وغيره، ومنصبه مصون ما لم يكن تغييره لأسباب قضائية تتعلق بالقضاء نفسه بنقله إلى منصب قضائي آخر بنهاية المدة وما في حكمها، وترشيح بديل له من داخل السلطة القضائية ورجالها. وفقا للدستور والقانون، ولا تقل درجة من يجب تعيينه عن رئيس محكمة استئناف وليس من خارجها مهما كانت انتماء المعين.
وأكد المحامي عمر الحميري أن قرار تعيين النائب العام يخالف أحكام المواد (56، 57، في فقراتها (ب، ج،)، 61، 62) من قانون السلطة القضائية.
وأشار إلى أن القانون يشترط على أنه من أجل مباشرة عمل القضاء الحصول على شهادة من المعهد القضائي ويمكن الاستغناء عن هذا الشرط لمن سبق له العمل كموظف في النيابة العامة بالإضافة إلى هذا الشرط قضاء فترة تدريب لا تقل عن سنتين في السلك القضائي وتسري الشروط السابقة على تعيين أعضاء النيابة وهو ما ليس متوفر في تعيين النائب العام، بالإضافة إلى اشتراط الكفاءة واعتماد معايير تقييم القضاة في الترقيات والتعيينات بناء على عملهم ومحاضر التفتيش القضائي وفق أحكام المادتين (61، 62) من القانون ذاته.
نعم، لكن: الحميري يقول إن القانون ينص على وجوب ترشيح شخص النائب العام من قبل مجلس القضاء قبل تعيينه من قبل رئيس الجمهورية كشرط يحد من تدخل الصلاحيات ويضمن تطبيقه مبدأ استقلالية السلطة القضائية، وهذا لم يثبت، الأمر الذي يقتضي من رئيس الجمهورية مراجعة هذا القرار وإصداره وفق القانون.
لكن ما ذهب إليه الحميري بقوله: “على الرئيس أن يراجع القرار ويصدره وفق القانون”، غير ممكن وفق القضاء الإداري الذي ميز بين الأشكال الجوهرية التي يترتب على إغفالها بطلان القرار الإداري، والأشكال غير الضرورية التي لا تؤدي إلى البطلان، وبشكل عام أوضح القضاء الإداري أن الشكل الأساسي هو الذي يؤدي إغفاله إلى المساس بالضمانات التي تحمي حقوق الأفراد، وفي هذه الحالة فأن الشكل المحدد في نص المادة (60) من قانون السلطة القضائية يعتبر أحد الأشكال الجوهرية ووفقًا لهذا التعريف، والتي يترتب على إغفالها بطلان ذلك القرار، وبالتالي لا يجوز للرئيس هادي الشروع في استكمال هذا النموذج المنصوص عليه في القانون بعد صدور القرار لأنه يعتبر تصحيحاً بأثر رجعي للقرار، وهذا غير جائز. “كل ما عليه أن يلغي القرار الإداري المعيب خلال المدة القانونية”.
مواقف: نادي قضاة أصدر بياناً وقال إنه “لا يخفى على أحد مدى فداحة مخالفة القرار الجمهوري بتعيين النائب العام لأحكام الدستور والقانون، وذكر أن هذه المخالفة ليست وليدة اللحظة بل هي تكريس للهيمنة على السلطة القضائية بسبب امتناع مجلس القضاء الأعلى عن القيام بواجباته وإلتزاماته القانونية والدستورية”.
وبحسب النادي، فشل مجلس القضاء في حماية إستقلال السلطة القضائية، وفي المدافعة عن هذه الاستقلالية، ومن ذلك صمتهم المطبق على مجمل التعينات المخالفة للدستور والقانون في السلطة القضائية بدء من تعيين عميد المعهد العالي للقضاء، مروراً بالتعامل مع الدرجات القضائية كهبات، ومكافآت.
مجلس نقابة المحامين في تعز وصف في بيان على صفحته في موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، قرار هادي بأنه بمثابة عزل للنائب العام للجمهورية بطريقة مخالفة للإجراءات والشروط القانونية ويشكل انتهاكاً صارخاً للدستور والقانون ومبادئ استقلال القضاء.
وأعلن المجلس تأييده لموقف نادي قضاة اليمن في البيان الصادر منهم.
وقال التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والحزب الاشتراكي اليمني في بيان مشترك صادر عنهما، إن صدور قرارات جمهورية بتعيين نائب عام للجمهورية من خارج أعضاء السلطة القضائية، يمثل خرقاً فاضحاً للدستور وانتهاكاً سافراً لقانون السلطة القضائية، كما يمثل انقلاباً على مبادئ التوافق والشراكة الوطنية وعلى مرجعيات الفترة الانتقالية.
خلفية: سادت سياسات المحاصصة بين المكوّنات السياسية للسلطة خلال المرحلة التي جات عقب المبادرة الخليجية، وإستحوذ حزب الإصلاح الإسلامي على نصف مقاعد مجلس القضاء عبر تعيين شخصيات قضائية لم يثنها عملها القضائي عن التلويح بانتمائها لتياره السياسي، وأُبقي على النصف الآخر من شاغلي رئاسة الهيئات القضائية كمحسوبين على النظام القديم، حزب المؤتمر، ومنح رئيس الجمهورية حق تسمية رئيس مجلس القضاء من القضاة المقربين إليه.
وقد نتج من ذلك انقسام حاد داخل المجلس أثّر سلباً على عمله وواجباته، وما أنفك الولاء السياسي المعيار الوحيد للترقيات والتعيين، وخضع المجلس للإملاءات وأصبح عاجزاً عن انتشال السلطة القضائية من واقعها، بل زاد في إضعافها وتدمير استقلالها. وضربت مدخلات معهد القضاء في مقتل من خلال قبول دارسين من جامعات أهلية حزبية لا تتوافر فيهم أبسط شروط القبول، ولم يسبق لهم دراسة مقررات القانون.
وقد نجحت المحاصصة في إجهاض الاتفاق الذي كان القضاة قد تمكنوا من تحقيقه تبعاً لحراكهم مع رئيس الجمهورية في 2012 على صعيد ضمانات الاستقلالية (اختيار إدارة مستقلة قوية وفقاً لمعايير الكفاءة والنزاهة ولا ترتهن لإملاءات أي سلطة أو جهة سياسية، ومنح القضاة الحق في ترشيح ثلاث شخصيات قضائية لكل منصب قضائي وفقاً لهذه الأسس).
أمل: علم فريق إدارة “IMF” من مصادر قضائية بأن نادي القضاة وعدد من المحامين والقانونين قرروا رفع عريضة دعوى للاعتراض على قرار رئيس الجمهورية مستمد من كونهم (مواطنين يمنيين يعنيهم في المقام الأول إحترام سيادة القانون قبل أن يكونوا أصحاب صفة ومصلحة)، وتتهم عريضة الدعوى المزمع رفعاً المدعى عليه، وهو رئيس الجمهورية، بإهدار قسمه بإحترام القانون وفق ما تقتضيه المادة (110) من الدستور التي تنص على أن (يعمل رئيس الجمهورية على تجسيد إرادة الشعب وإحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية …)، وتحديداً لمخالفته الآليات التي وضعها قانون السلطة القضائية المعدلة بالقانون ( 27) لسنة 2013 بشأن النقل والعزل والندب والتعيين في السلطة القضائية.
وترى العريضة أن رئيس الجمهورية تجاوز بهذا القرار سلطات السلطة القضائية، متعدياً عليها بشكل سافر، وبشكل ألغى حقها في ترشيح من يجب تعينهم في مناصب في الهيئات القضائية، علاوة على ما اعتراه من غموض بشأن مسار التعيينات الحاصلة بموجبه بحيث أن (القرار لم يبين ما المصلحة وما الأسباب الواقعية التي بمقتضاه تم تغيير النائب العام، بل أن قرار التعيين كان بمثابة عزل النائب العام ما يخالف نص المادة الدستورية رقم (151): “القضاة وأعضاء النيابة العامة غير قابلين للعزل