
| خاص: مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية
| في مشهد يعكس هشاشة الدولة وتفكك مؤسساتها، يبرز اسم شهاب عبدالله علي هزاع، كنموذج صارخ لشخص تجاوز سلطة القضاء، واختبأ خلف الحماية السياسية والعسكرية، متحدياً ثلاثة محافظين، وأربعة أحكام قضائية، وكمّاً من الوثائق الرسمية التي تدينه بجرائم فساد واضحة. لكن الرجل لا يزال حراً طليقاً، ويمارس مهامه كمدير لفرع الأوقاف في مديرية المخا، بقرار مباشر من وزير الأوقاف محمد عيضة شبيبة، رغم أنه مدان قضائياً ومحكوم عليه بالسجن 6 سنوات، والعزل من الوظيفة العامة.
في 20 فبراير/شباط 2014، أصدر محافظ محافظة تعز آنذاك، شوقي أحمد هائل، قراراً يقضي بتوقيف موظف يدعى شهاب عبدالله علي هزاع عن العمل، وكان حينها يشغل منصب نائب مدير مكتب الأوقاف لشؤون المديريات. جاء القرار في مذكرة رسمية حملت لهجة حازمة، ورد فيها: “لقد تقرر توقيفكم عن العمل حتى إشعار آخر”، وذلك نتيجة ما وصفته المذكرة بـ”الاختلالات والمخالفات” التي ارتكبها الموظف، وشملت ممارسات خارجة عن صلاحياته، تسببت بآثار قانونية سلبية على مصلحة العمل، وأدخلت مكتب الأوقاف والإرشاد في تعز في دوامة من الإشكاليات لا تزال قائمة حتى اليوم.
لكن قرار التوقيف لم يُكتب له التنفيذ الفعلي. فبعد أشهر قليلة، اندلعت الحرب في البلاد، وأدت إلى مغادرة المحافظ شوقي هائل لمنصبه، الأمر الذي استغله شهاب هزاع ليعود إلى واجهة العمل مجدداً، دون مساءلة، ليستأنف ممارساته التي وثّقتها لاحقاً تقارير رسمية ووثائق قضائية. وتشمل تلك الممارسات: اختلاس المال العام، تزوير أختام رسمية، والتصرف بأراضي الوقف وكأنها أراضٍ حرة، في تجاوز صارخ للقانون، وانتهاك سافر لمبادئ النزاهة والشفافية في إدارة المال العام.
قرارات متكررة…والنتيجة: الإفلات من العقاب
لم تتوقف محاولات السلطات لإيقاف شهاب هزاع عند قرار المحافظ شوقي هائل في 2014، ففي عام 2018، وبعد تولي الدكتور أمين أحمد محمود منصب محافظ محافظة تعز، صدر القرار الإداري رقم (47) للعام ذاته، والذي قضى بإيقاف هزاع عن العمل وإحالته إلى نيابة الأموال العامة، في خطوة بدت حينها كتصعيد جاد لمحاسبته قانونيًا.
لكن الملف ظل مفتوحًا، وفضائح شهاب هزاع عادت للظهور مجددًا بعد أعوام. ففي 4 يناير/كانون الثاني 2022، وجّه محافظ تعز الحالي، نبيل شمسان، مذكرة رسمية إلى رئيس نيابة الأموال العامة ومدير عام الشؤون القانونية في المحافظة، أشار فيها إلى أن شهاب هزاع لا يزال يمارس تجاوزات قانونية، أبرزها اختلاس المال العام باستخدام ختم مزور، حيث انتحل صفة مدير فرع مكتب الأوقاف في مديرية المخا.
وجاء هذا التحرك بعد صدور حكم قضائي من محكمة الأموال العامة في تعز، يقضي بفصل هزاع من الوظيفة العامة وسجنه لمدة ثلاث سنوات. رغم ذلك، ظل المتهم خارج القضبان، يواصل نشاطه كأن شيئاً لم يكن، وسط غياب تام لتنفيذ الأحكام القضائية.
على مدار أكثر من عقد، تعاقب على محافظة تعز ثلاثة محافظين، وعلى مكتب الأوقاف والإرشاد ثلاثة مديرين عموميين، جميعهم أجمعوا في مراسلاتهم وقراراتهم الرسمية التي اطلع عليها فريق إعداد التقرير، على تورط الموظف شهاب عبدالله علي هزاع في ممارسات فساد إداري ومالي متنوعة، من التزوير، إلى اختلاس المال العام، والتصرف غير المشروع في أراضي الوقف.
هذا التوافق النادر بين مسؤولي الدولة، رغم تغير المناصب والظروف السياسية، كان دافعًا رئيسيًا لفريق مركز الإعلام الحر (فري ميديا) للصحافة الاستقصائية، لفتح هذا الملف وتتبع الوثائق وتحقيقات الجهات الرسمية، بهدف تقصي الحقيقة أمام الرأي العام، ووضع اليد على واحدة من القضايا التي تهدد المصلحة العامة وتعرقل جهود الإصلاحات الإدارية في مكتب الأوقاف والإرشاد في محافظة تعز.
يأتي هذا التقرير ضمن سلسلة من التقارير المعمقة التي ينجزها المركز، حول الفساد في مكتب الأوقاف والإرشاد بمحافظة تعز، في إطار التزامه بالصحافة المسؤولة التي تسلط الضوء على التجاوزات في المؤسسات التي من المفترض أن تحمي الحقوق العامة، لا أن تُفرّط بها.



منطوق الأحكام: السجن سبع سنوات والعزل من ولاية الوقف
حصل فريق مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية على أربع أحكام قضائية صادرة عن محكمة الأموال العامة في محافظة تعز، في فترات متفرقة، بحق شهاب عبدالله علي هزاع، تضمنت إدانته بجرائم فساد واستغلال للوظيفة العامة.
الحكم الأول: صدر بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول 2020، وأُدين فيه شهاب هزاع بتهمة إهانة موظفين عامين، وقضت المحكمة بحبسه لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ.
الحكم الثاني: صدر في 3 يناير/كانون الثاني 2021، وقضى بحبسه سنة واحدة مع النفاذ، بعد إدانته بالتهم المنسوبة إليه في قرار الاتهام.
الحكم الثالث: صدر بتاريخ 21 فبراير/شباط 2021، ويعدّ من أبرز الأحكام، حيث قضت المحكمة بحبسه ثلاث سنوات، وعزله من ولاية الوقف، مع إلزامه بإعادة مبلغ 6 ملايين و600 ألف و239 ريالًا يمنيًا، تم اختلاسه من المال العام.
الحكم الرابع: وأدان المتهم بتهمة اصطناع ختم مزور باسم مكتب الأوقاف في مديرية المخا
واستخدامه لتحصيل الإيرادات، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وأمرت المحكمة بإتلاف الختم المصطنع.
بموجب هذه الأحكام، بلغ إجمالي مدة السجن المحكوم بها سبع سنوات، إلى جانب العزل الوظيفي واستعادة الأموال العامة، ما يعكس حجم التجاوزات المرتكبة وتعددها.
الهروب إلى المخا
عقب صدور سلسلة من الأحكام القضائية بحق شهاب عبدالله علي هزاع، باشرت نيابة الأموال العامة في محافظة تعز إجراءات تنفيذ تلك الأحكام، حيث أصدرت أمر قبض قهري بحقه. إلا أن المتهم كان قد غادر مدينة تعز متوجهًا إلى مدينة المخا، الواقعة على الساحل الغربي، والتي تُعد ضمن مناطق سيطرة قوات “المقاومة الوطنية” بقيادة العميد طارق صالح.
في المخا، وجد شهاب هزاع بيئة ملائمة للهروب من قبضة العدالة، مستفيدًا من ضعف نفوذ الأجهزة الرقابية في الحكومة الشرعية، التي من الواضح أنه من الصعب عليها فرض سلطتها في المخا.
ولشرعنة وجوده وممارسة نفوذه، تمكن شهاب هزاع في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 من الحصول على قرار من وزير الأوقاف والإرشاد، محمد عيضة شبيبة، المعيّن عن حزب الرشاد السلفي، يقضي بتعيينه مديرًا لفرع مكتب الأوقاف في مديرية المخا، رغم أن الوزير كان على دراية بالأحكام القضائية الصادرة ضده.
ويُعدّ هذا القرار انتهاكًا صارخًا للقانون والدستور، وتمرّدًا على السلطة القضائية، ما يطرح تساؤلات جدية حول شرعية القرار وتواطؤ الجهات التي ساهمت في تمريره، ويشكّل ضربة لهيبة القضاء في مواجهة الفساد.

تجاهل رسمي وتواطؤ إعلامي
قبل أن يصدر قرار تعيينه مديرًا لفرع مكتب الأوقاف في مديرية المخا، كان محافظ محافظة تعز، نبيل شمسان، قد وجّه مذكرة رسمية رقم (14) بتاريخ 4 يناير/كانون الثاني 2022، تحت عنوان “ضبط المدعو شهاب هزاع”، إلى قائد المقاومة الوطنية، العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح. طلب المحافظ في مذكرته التعاون في ضبط المتهم وإحالته إلى الجهات المختصة، تنفيذًا لأوامر القبض القهري الصادرة بحقه، وفرضًا لسيادة القانون.
غير أن الانقسام الجغرافي لمحافظة تعز بين أطراف النزاع، وحالة التفكك في مؤسسات الدولة، جعلت من تلك المذكرة حبرًا على ورق. فقد تم تجاهلها، وبقي شهاب هزاع طليقًا، يمارس مهامه كمدير لفرع مكتب الأوقاف في مديرية المخا، في تحدٍّ واضح لقرارات القضاء ومذكرات السلطة المحلية.
ولم يكتفِ هزاع بذلك، بل ظهر مرارًا على منصات التواصل الاجتماعي إلى جانب العميد طارق صالح، وشارك في برامج على قناة “الجمهورية”، وقدم محتوى توعويًا عبر إذاعة “المقاومة” في مدينة المخا، ما يكرّس صورته كشخص محصّن من الملاحقة، ويبعث برسالة سلبية عن غياب العدالة وتفشي ثقافة الإفلات من العقاب.

محاولة تواصل.. لم تكتمل
في إطار التزامه بالمهنية الصحفية، قام مركز الإعلام الحر (فري ميديا) للصحافة الاستقصائية بتحرير مذكرة رسمية موجهة إلى مكتب قيادة المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، يستفسر فيها عن أسباب تجاهل مذكرة محافظ محافظة تعز بشأن ضبط المدان قضائيًا شهاب هزاع، وعدم تنفيذ أوامر القبض القهري الصادرة بحقه.
ورغم الجهود المبذولة، لم يتمكن الفريق من إيصال المذكرة مباشرة إلى مكتب العميد طارق صالح. إذ تم إرسالها عبر وسطاء غير رسميين بينهم المستشار الإعلامي للعميد طارق الصحفي نبيل الصوفي، بسبب غياب قنوات تواصل مؤسسية واضحة. وبذلك، تبقى إمكانية وصولها إلى الجهة المعنية غير مؤكدة حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
مسارات
ولأننا في مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية نعمل على قضايا الفساد من خلال مسارين: المسار الأول: هو متابعة الجهات المعنية التي لها ارتباط وظيفي أو قانوني أو مسؤولية في الموضوع. أما المسار الثاني: فهو كتابة تقرير صحافي وفق منهجية الصحافة الاستقصائية الدقيقة.
ولذلك، واستناداً للقانون رقم (39) لسنة 2006، بشأن مكافحة الفساد، الذي تنص الفقرة رقم (5) من المادة رقم (3) منه على:” تفعيل مبدأ المساءلة وتعزيز الدور الرقابي للأجهزة المختصة، والتيسير على أفراد المجتمع في إجراءات حصولهم على المعلومات، ووصولهم إلى السلطة المعنية. وكذلك استناداً للفقرة رقم (6) من نفس المادة، التي تنص على: “تشجيع وتفعيل دور مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، للمشاركة الفاعلة والنشطة، في محاربة الفساد ومكافحته، بالإضافة إلى نص المادة رقم (24) من نفس القانون، التي تنص: ” على كل شخص علم بوقوع جريمة من جرائم الفساد الإبلاغ عنها إلى الجهة المختصة مع تقديم ما لديه من معلومات حولها”. كما نستند في إجراءات المتابعة التي نقوم بها كصحفيين تحقيقيين على نصوص القانون رقم (13) لسنة 2012 بشأن حق الحصول على المعلومة، وكذلك إلى نص المادة رقم (14) من قانون الصحافة والمطبوعات اليمني والتي تنص على: “”للصحفي الحق في الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات من مصادرها”، ونص المادة رقم (16) من نفس القانون، التي تنص على: للصحفي حق الاطلاع على التقارير الرسمية والحقائق والمعلومات والبيانات وتلزم الجهات بتمكينه من الاطلاع والاستفادة من ذلك”. استناداً لكل ذلك قمنا:
في تاريخ 4 أغسطس/آب 2024 بتحرير مذكرة إبلاغ رقم (17/2024) إلى مجلس القضاء الأعلى، وتسليم نسخة منها إلى النائب العام باعتبار هذه الجهات مسؤولة عن تنفيذ الأحكام القضائية تطبيقاً لسيادة القانون، وكان مجلس القضاء الأعلى قد تفاعل مع مذكرة مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية، من خلال قيام رئيس مجلس القضاء الأعلى بتحرير مذكرة رقم (81ص157) بتاريخ 18 أغسطس/آب 2024 ، خاطب فيها معالي وزير الأوقاف والإرشاد في الحكومة اليمنية وطالب منه التقيد بالأحكام القضائية المرفقة بالمذكرة التي أحالها إليه مجلس القضاء الأعلى.
ولأن توجيهات مجلس القضاء الأعلى كانت واضحة ومحددة ولا تحمل التأويل، ويجب على وزير الأوقاف تنفيذ هذه التوجيهات الأمرة بالتقيد بالأحكام القضائية، وسيكون وزير الأوقاف قد تقيَّد بالأحكام القضائية عندما يتراجع عن قرار تعيين المدعو شهاب هزاع، وعزله من ولاية الوقف، وتعيين بديلاً عنه في مكتب الأوقاف في مديرية المخا، ومخاطبة الجهات المختصة بالقبض على المدان وإيداعه السجن تنفيذاً للأحكام القضائية الصادر من محكمة الأموال العامة في محافظة تعز.

آليات المتابعة وتفاعل القضاء
انطلاقًا من آلية المتابعة الداخلية التي يعتمدها مركز الإعلام الحر (فري ميديا) لضمان تفاعل الجهات المعنية مع مذكرات الإبلاغ، قام فريقنا بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بتحرير مذكرة متابعة رقم (27/2024)، أُرسلت في 13 نوفمبر إلى وزير الأوقاف عبر البريد الإلكتروني الرسمي للوزارة:
(info@awqaf-ye.net)، والمُعلن على موقعها الإلكتروني.
وفي إطار تعزيز فرص التواصل، أُرسلت المذكرة أيضًا إلى:
مدير مكتب الوزير محسن مجمل عبر تطبيق واتساب على الرقم (00966537521715) بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
الوزير نفسه عبر واتساب على الرقم (00966542501718) في نفس التاريخ.
طالبت المذكرة الوزير بالإفصاح عن الإجراءات المتخذة لتنفيذ توجيهات مجلس القضاء الأعلى، المتعلقة بالأحكام القضائية الصادرة بحق شهاب هزاع. إلا أن الوزير تجاهل المذكرة ولم يُصدر أي رد رسمي، ما دفعنا إلى اتخاذ خطوة تصعيدية أخرى.
وفي هذا السياق، تفاعل مجلس القضاء الأعلى مجددًا، حيث قام بإصدار مذكرة رقم (87/ص159) بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2024، موجّهة إلى رئيس محكمة استئناف تعز، القاضي رزاز سيف فرحان. وقد كُلّف القاضي رسميًا بالتحقيق في البلاغ المقدم من المركز، والتأكد من سلامة الأحكام القضائية الصادرة بحق المدعو شهاب هزاع، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتنفيذها.
استمرارًا للجهود الصحفية القانونية، التقى فريق المركز برئيس محكمة الاستئناف ثلاث مرات لمناقشة الملف، حيث باشر القاضي إجراءات المتابعة فعليًا. وأصدر أولى مذكراته الرسمية برقم (193) بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 2025، ووجّهها إلى وزير الأوقاف، مؤكدًا فيها أن الأحكام الصادرة بحق شهاب هزاع تجرح عدالته، وتُوجب عزله من عمله، وتقديمه للعقاب.
وبحسب مصادرنا القضائية، فإن رئيس محكمة الاستئناف سيواصل إصدار سلسلة من المذكرات الرسمية إلى عدد من الجهات المختصة المعنية بالتنفيذ، أبرزها:
محكمة الأموال العامة بمحافظة تعز. والعميد طارق محمد عبدالله صالح، قائد المقاومة الوطنية. ومحافظ محافظة تعز. وجهات تنفيذية وأمنية أخرى ذات علاقة


تواصل مباشر مع النائب العام
في سياق جهود المتابعة المستمرة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق المدان شهاب عبدالله هزاع، قام فريق مركز الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية بالتواصل المباشر مع النائب العام في الحكومة اليمنية، القاضي قاهر مصطفى، وتم تسليمه نسخة من مذكرة المتابعة رقم (17/2024)، المحررة بتاريخ 4 أغسطس/آب 2024، والتي تطالب بتوضيح الإجراءات المتخذة من قبل النيابة بشأن تنفيذ الأحكام.
خلال نقاش عبر تطبيق واتساب، أكد النائب العام للفريق الصحفي أنه كلف رئيس نيابة الأموال العامة في محافظة تعز بالتصرف وفقًا للقانون، بما يضمن تنفيذ الأحكام. كما وجّه الصحفي المتابع للقضية بالتواصل مع المحامي العام الأول، القاضي فوزي علي سيف، الذي بدوره طلب متابعة الملف مع محامي عام نيابة الأموال العامة، القاضي نبيل جوبح.
وفي إطار متابعة التسلسل القضائي، أكد القاضي نبيل جوبح لـ”فري ميديا” أن نيابة استئناف الأموال العامة في محافظة تعز بدأت اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية، بما في ذلك التنسيق مع الجهات المختصة المعنية بالتنفيذ.
فساد بحماية الوزير
شكّل انتقال المدان شهاب هزاع إلى مدينة المخا عائقاً أمام الأجهزة الأمنية الحكومية المختصة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه. وبحسب أربعة مصادر مستقلة تحدثت إلى فريق فري ميديا للصحافة الاستقصائية، قام شهاب هزاع بتغيير مظهره وإطلاق لحيته فور في محاولة للظهور كأحد المنتمين للفصائل السلفية، رغم أن الصور المنشورة في صفحته على “فيسبوك” والمعلومات المؤكدة من المصادر تنفي أي صلة له بهم، بل وتؤكد أنه من أبرز المتورطين في ملفات الفساد داخل مكتب الأوقاف بتعز.
وخلال إعداد التقرير، حصل الفريق على تسجيل صوتي مدته 19 ثانية يوثق مكالمة بين شهاب هزاع ومدير الأوقاف السابق، خالد البركاني، يناقش فيها شهاب قرار إيقاف راتبه. ويؤكد البركاني صحة الإجراء، ليأتي رد شهاب بلغة بذيئة وغير لائقة تؤكد سلوكه المتعالي وغير المنضبط. وقد تحقق فريق التقرير من صحة التسجيل الصوتي باستخدام أدوات تحقق رقمية، وتبين أنه أصلي وغير مفبرك، كما زعم شهاب لاحقاً.

ورغم أن الملف الكامل للفساد قد رُفع إلى وزير الأوقاف، من قبل فريق إعداد التقرير، كما تم إحالته للوزير من قبل مجلس القضاء الأعلى، وتمت مناقشته معه بشكل مباشر، إلا أن الوزير تجاهل الأحكام والوقائع، واستمر في حمايته، مما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا الانحياز. وتشير المعطيات إلى أن شهاب حاول إقناع الوزير بأن قضاياه ذات خلفية سياسية، وهو ادعاء غير صحيح، حيث تؤكد الوثائق أنه كان على خلاف مع ثلاثة مدراء تعاقبوا على إدارة مكتب الأوقاف في تعز، وثلاثة محافظين منذ عام 2014.
وعلى نحو مفاجئ، قام وزير الأوقاف بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بتكريم شهاب هزاع رسميًا. ثم قام لاحقاً بتعيينه ضمن اللجنة الرقابية المرافقة للحجاج اليمنيين في موسم الحج للعام 2024، متجاهلاً تمامًا وجود أربعة أحكام قضائية صادرة بحقه.

وفي تطور لافت، ظهرت صور أخرى للوزير وهو يلتقي شهاب هزاع برفقة اثنين من موظفي مكتب الأوقاف المقالين بسبب الفساد، وهما:
عبده أحمد محمد بشر (مدير إدارة الإيرادات السابق في مكتب الأوقاف بتعز).
رشاد البعداني (مدير إدارة الأعيان السابق).
رغم أن لجنة التحقيق التي شكلها محافظ تعز أوصت بإحالتهما إلى نيابة الأموال العامة، فإن الاثنين غادرا إلى مدينة المخا للقاء شهاب، الذي رتب لهما اجتماعًا مع الوزير في عدن، حيث تم التقاط صورة توثق اللقاء.

وبحسب ثلاثة مصادر داخل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في كل من تعز وعدن، حاول الوزير التدخل لإيقاف التحقيقات بحق بشر، والبعداني، حيث طلب من رئيس جهاز الرقابة بعدن التدخل لدى فرع الجهاز في تعز، لإرسال ملف القضية، في محاولة واضحة لإنقاذهما من المحاسبة.
استكمالًا لمسار التحقيق، حرر مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية مذكرة إبلاغ جماعية موجهة إلى كل من:
رئيس الوزراء، ومجلس القضاء الأعلى، والنائب العام، وزير الأوقاف، ومحافظ محافظة تعز، والعميد طارق صالح، مدير مديرية المخا.
تضمنت المذكرة توثيقاً للتواطؤ، والمخالفات، والمعلومات المتوفرة حول حماية المدان شهاب هزاع ومن ساعده. ومع هذا البلاغ، ينتهي دورنا كصحفيين استقصائيين في كشف الحقائق، ويبدأ دور الدولة وأجهزتها المختصة في تحمّل مسؤوليتها وتنفيذ القانون.
| هذا التقرير جزءًا من سلسلة تقارير تهدف إلى كشف مظاهر الفساد في مكتب الأوقاف بمحافظة تعز، وذلك ضمن مشروع “تعز من الداخل” الذي ينفذه المركز بجهود ذاتية. ويركز المشروع على متابعة أداء المؤسسات والمكاتب الحكومية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني.