تفاصيل حقيقة أزمة الغاز في تعز.. صراع نفوذ؟

وثائق

إعداد: حمزة محمد

بينما تعاني مدينة تعز من أزمات متفاقمة في الخدمات، برزت مؤخرا معركة خفية تدور رحاها في منطقة الضباب جنوب غرب المدينة، ليس بين تجار الغاز فقط، بل استخدم فيها أطقم أمنية تابعة للدولة. تقريرنا يكشف تفاصيل حول ما يبدو أنه “هجوم منظم” تقوده جهات أمنية متورطة بشكل مباشر على مشروع استثماري في قطاع الغاز في تعز.

بداية القصة

بدأ عبد الله محمود أحمد سالم الصبيحي، مدير مؤسسة “ساسكو” لتموين كبار مستهلكي الغاز والمركبات، بإنشاء محطة جديدة لتخزين وتوزيع الغاز في منطقة المقهاهة بمديرية صبر الموادم – الضباب، الواقعة جنوب غرب مدينة تعز. اختار الصبيحي إشراك سكان قرى الضباب في مرحلة الإنشاء، موفّرًا لهم فرص عمل بالأجر اليومي. وبحسب ثلاثة مصادر متطابقة من الأهالي، في مرحلة الإنشاءات عمل ابناء المنطقة دون ظهور أي اعتراض.

ومع تقدم العمل ووصول الخزانات المركزية، التي كانت مصمّمة لتكون مقاومة للصدى ومطابقة لمعايير الأمان، وكان من المقرر بحسب مصادر تحدثت لـ “الإعلام الحر للصحافة الاستقصائية” يتم دفنها (الخزانات) على عمق 5 أمتار داخل الموقع، هذه الخطوة اعتُبرت بمثابة تهديد مباشر لاحتكار سوق الغاز في مدينة تعز.  وفق مصادر خاصة (نحتفظ بهويته لأسباب أمنية)، لم يمر هذا التوسع في المشروع بهدوء، حيث بدأ مهددًا لمصالح “كبار المحتكرين”، تحديدًا محطة “الأخوين” الواقعة في منطقة الضباب جنوب غرب المدينة، والتي يملكها نجل قائد شرطة النجدة في تعز، عبدالكريم محمد مهيوب، والتي تهيمن على تزويد المدينة ومديرية صبر الموادم بالغاز المنزلي.

بحسب مصادر متطابقة بدأ عبدالكريم محمد مهيوب بتحريض وجهاء محليين في المنطقة، بينهم الشيخ صادق الضباب، ومواطنين من المنطقة، محذرًا – حسب مزاعمه – من “مخاطر صحية وبيئية” للمحطة الجديدة. مصادر خاصة، بينها مسؤول في شركة الغاز بتعز، ومصادر محلية، أكدت أن مهيوب حرّك أيضًا مجموعات من مناطق عقاقة والحبيل جنوب غرب المدينة لتنظيم احتجاجات ضد المشروع، متذرعًا بـ”رفض الأهالي لبناء محطة في المنطقة”.

تحوّل خطير: من التحريض إلى السلاح

ومع شروع شركة ساسكو في استكمال بناء الخزان الثاني، شهدت المنطقة تحوّلًا خطيرًا. دفعت جهات أمنية – بحسب ما ورد في وثائق رسمية وشهادات حصل عليها مركز الإعلام الحر – بمسلحين بقيادة مدير قسم شرطة الضباب، مدعومين بأطقم من قوت شرطة النجدة التي يقودها العقيد محمد مهيوب، لتنفيذ اقتحام مباشر لموقع مشروع المحطة التابعة  لشركة ساسكو.

اندلعت اشتباكات بين المهاجمين وحراسة المحطة، أسفرت عن إخراج القاطرة المحمّلة بالخزان الثاني ونهبها بالكامل. كما نُهبت محتويات الموقع من كاميرات مراقبة، بطاريات، مضخات، ألواح شمسية، وأغطية غرف التفتيش، وتم تكسير الأبواب، إطلاق النار على الخزانات، وترويع الموظفين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم اختطاف اثنين من موظفي المحطة أحدهما محجوز في الشرطة العسكرية حتى كتابة هذا التقرير، الخميس 26 يونيو حزيران 2025.

بلاغات رسمية… وصمت مريب

في 1 يونيو/حزيران 2025، تقدم عبد الله محمود أحمد الصبيحي مدير شركة ساسكو إلى توجيه سلسلة بلاغات عاجلة إلى رئيس الوزراء ومحافظ تعز، ووزيري الدفاع والداخلية، دون أي رد فعل جاد.

اتهم فيها صراحة قوات شرطة النجدة وعناصر من قسم شرطة الضباب بتنفيذ الهجوم المسلح، وإحداث أضرار مادية ومعنوية فادحة.

وقال في بلاغه: “نحمل شرطة النجدة كامل المسؤولية عن هذا الفعل الإجرامي، وما ترتب عليه من أضرار مادية ومعنوية، بما في ذلك اختطاف اثنين من موظفي المحطة.”

لكن لم يصدر أي تعليق رسمي من الجهات الأمنية، ولم تُتخذ أي إجراءات فورية لفتح تحقيق أو إحالة القضية للنيابة.

الرفع إلى مجلس القيادة

في هذه الأثناء، رفع الصبيحي شكوى إلى نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي وعضو القيادة أبو زرعة المحرمي، اللذين كلفا القائد العسكري حمدي شكري بالتدخل. الأخير تواصل مع محافظ تعز وأبلغه بأن الموقع “نُهب وتم تكسيره”، لكن أكد أن القضية لم تُحال إلى النيابة.

ورد المحافظ بأنه سيتولى حل القضية واستعادة المنهوبات بنفسه، فيما طلب مهلة يومين من المحرمي، دون أن يطرأ أي تحرك فعلي على الأرض.

احتجاز مقطورات الأخوين

في محاولة للضغط من أجل معالجة تداعيات حادثة الاعتداء على محطة الصبيحي، قام القيادي حمدي شكري بإصدار توجيه إلى قسم شرطة رأس العارة باحتجاز مقطورات تابعة لمحطة “الأخوين”.

وردًا على ذلك، بادر عبدالكريم محمد مهيوب بتحريك وكلاء الغاز لتنفيذ إضراب أمام مبنى محافظة تعز، مما أدى إلى تصعيد الأزمة وتوسيع نطاق الضغط المتبادل بين الأطراف.

تسويات شكلية ومحاولات إنكار فاشلة

شكل المحافظ لجنة تحقيق ضمت ممثلين من شركة الغاز وطقمًا من الشرطة العسكرية، لكن اللجنة لم تنزل إلى الموقع. في اليوم التالي، حضر مدير قسم شرطة الضباب ومعه ثلاث كاميرات مراقبة لتسليمها دون الأجهزة، لكن شركة ساسكو رفضت استلامها، واشترطت استعادة جميع الممتلكات المنهوبة.

مدير القسم أنكر صلته بالحادث مدعيًا أنه لا يعرف من اقتحم الموقع، لكن شهود عيان قالوا: “كان معهم، وهو من اعترض طريق مقطورة الخزان، واشتبك مع الحراسة، وشارك في عملية النهب إلى جانب أطقم شرطة النجدة.”، فيما ظهرت أطقم مجموعات شرطة النجدة في داخل سور المحطة التابعة للصبيحي.

نهاية غامضة.. واتفاق مشبوه

مع استمرار الضغط من الوكلاء واحتجاز المقطورات، جرى في مساء 25 يونيو 2025 التوصل إلى اتفاق ينص على استئناف عملية تعبئة الغاز، مقابل وعد من شركة النفط بدراسة مطلب الوكلاء المتعلق برفع سعر الأسطوانة. بينما منح القيادي حمدي شكري السلطة المحلية في محافظة تعز فرصة من الوقت لإعادة كل المنهوبات وإصلاح الضرر الناتج عن الاعتداء، ووجه إدارة أمن رأس العارة بالإفراج عن المقطورات المحتجزة التابعة لمحطة “الأخوين”.

لكن السؤال الكبير الذي بقي بلا إجابة هو:
 لماذا لم تُحال القضية إلى النيابة؟ ولماذا لم يُحاسب المتورطون؟
 خاصة مع توفر صور توثّق الاقتحام، وبلاغات رسمية صادرة من الضحية، وشهادات تثبت تورط قيادات وعناصر أمنية في الجريمة.

 عندما يتحول الأمن إلى خصم

ما حدث في منطقة الضباب ليس مجرد نزاع تجاري، بل مؤشّر خطير على حجم تغوّل المصالح والنفوذ، عندما يصبح السلاح الرسمي أداة لحماية احتكار السوق، لا لفرض النظام. القضية ما تزال مفتوحة، والصمت الرسمي يزيد الشكوك.
 فهل سيتم فتح تحقيق جاد؟
 أم أن المحطة ستتحول إلى شاهد على “جريمة بلا عقاب”؟

ملاحظة توثيقية:

يستند هذا التقرير إلى وثائق رسمية، وشهادات شهود عيان، إلى جانب إفادات حصل عليها فريق التقرير من مسؤولين حكوميين في تعز، بما يعزز دقة المعلومات الواردة ويمنحها مصداقية مهنية عالية.

شارك