مع جائحة كوفيد-19، في اليمن، كان الدكتور عمار درويش،( 32عامًا)، يوثق الخسائر في مجتمعه المحلي من خلال عمله في تقديم الخدمات والاستشارات الطبية مجانا.
يعيش عمار في مدينة عدن جنوب اليمن، في الأشهر الأولى من الصراع عمل على علاج مرضى الصدمات من ضحايا الحرب المستمرة منذ أكر من سته أعوام، بعد أن شهدت مدينة عدن معارك شرسة بين القوات الحكومية المعترف بها دوليا، وقوات جماعة الحوثي التي اقتحمت معظم محافظات اليمن في أواخر2014.
الطبيب عمار درويش، سرد الوضع المرعب الذي عايشته عدن أثناء تفشي كوفيد-19، منذ إبريل/نيسان 2020، وكذلك ردة فعل الناس تجاه الجائحة.
تواصلنا مع الطبيب عمار درويش، بغرض إجراء مقابلة مرتبطة بجائحة كوفيد-19، فأحالنا إلى المذكرات، التي كتبها، عن عشرات الحالات ليتجلى جانب من المأساة التي عاشتها مدينة عدن.
حالة من الرعب والشك وعدم التصديق، ثم الموت والاستعانة بأصدقاء لحفر القبور وسط إمكانيات شحيحة، هذا ما يمكن تَلَمُّسه بشكل عام من خلال ما دونه درويش في مذكراته على امتداد شهر تقريباً، وتحديدا من 10رمضان، 3 مايو/أيار 2020، إلى منتصف شوال، 8 يونيو/حزيران2020 .
وفي المذكرات التي يسرد فيها الطبيب اليمني عمار درويش تفاصيل 36 يوما مرعباً لكورونا في عدن، وينشرها موقع المعهد اليمني لحرية الإعلام “IMF” كاملة وحصريا باللغة العربية.
قال درويش: «مات كثير من الناس في هذه المدينة (عدن)، ونجا آخرون وقالوا للموت: توقف. لا يزال لدينا حياة نعيشها».
وبدأت قصة الطبيب بملاحظة أعراض كوفيد-19، على أخيه، وانتهت، حسب اليوميات، بموت عمه الطبيب.
وقد كان درويش مترددا في تصديق المعلومات التي تنشر حول جائحة كوفيد-19، في البداية، وقال:
أحد الأشياء التي جعلتني مترددًا في تصديق ما كان يحدث حول العالم هو أن معظم المعلومات المتعلقة بالمرض تأتي من الحكومات؛ فقدنا الثقة في الحكومات في اليمن منذ وقت طويل
كان الوضع مخيفاً فيما بعد، أحد أشقائه، اسمه، عندما عاد من منطقة المنصورة، بعدما تناول الإفطار عند صديقه، وصف المنطقة بأنها مدينة «ووهان اليمنية». الجميع يتجولون مع وجود القُنيّة الطبية في أذرعهم، مياه الأمطار اختلطت بمجاري الصرف الصحي، والبعوض بأحجام كبيرة حسب الوصف الوارد في المذكرات.
وصلت الأعراض إلى شقيقي الدكتور درويش، فقدان الشهية والتهاب الحلق، كان الوضع غريبا بالنسبة للطبيب المتطوع، خرج واشترى الكثير من الإمدادات الطبية مثل القنيات الوريدية والسوائل ومثبطات الحمى، وكما يذكر: «سوف أساعد ليس فقط بالنصيحة، ولكن أيضًا بالإمدادات».
حالات عليها الأعراض، مصابون يقفون خارج منزل عائلة درويش، وأصدقاء يستدعونه إلى منازلهم، مشورات على الطريق، ونصائح على الأرصفة، كان الطبيب يرى الأعراض بطريقة غريبة غير أنه كان يقول للمرضى نفس الشيء: «فقط كل واشرب، وإذا شعرت بتوعك فاتصل بي في أي وقت». ويعطيهم بعض الأدوية، وينصحهم أن يستريحوا.
قال درويش: «إذا لم يكن هناك جائحة، فسأقول إن هؤلاء يعانون من أمراض مختلفة» وأكد: «لا يمكنني إحصاء عدد الأشخاص الذين أعرفهم ممن أصيبوا بالمرض في الأيام الأولى من تفشي جائحة كوفيد-19. لم يتوقف هاتفي عن الرنين مع الأشخاص الذين يطلبون المشورة، أو الأشخاص الذين يريدون مني القدوم لفحصهم»، تساءل الطبيب حينها: «إذا لم يكن هذا كوفيد-19، فكيف سيبدو كوفيد-19؟».
رصد درويش تخوف الناس من كورونا، وكيف كان بعضهم يخشى ذكر اسم الفيروس، فأثناء ما كان يقوم بتركيب خط وريدي لأحدهم: «تأتي جدة (س) وتسألني: “هل لديه الشيء؟” إنها لا تريد أن تقول اسم الفيروس. أقول: “تقصدين فيروس كورونا. لا تقلقي. يبدو أنه مجرد تسمم غذائي “. لا أصدق نفسي في تلك اللحظة، لا أريد إخافتهم؟».
انتشرت الأعراض وسط عوائل بأكملها، وطفق درويش يتنقل من منزل إلى منزل، ويفحص المرضى، وبما أن تفشي المرض كان في شهر رمضان والناس يصومون، فكان درويش ينصح من يرى أن حالته سيئة بدرجة كبيرة “ألا يفكر حتى في الصيام”، وكان درويش يعود إلى المنزل بعد الساعة 7مساءً، «وأنا مازلت صائمًا، على الرغم من أن الأذان كان قبل ساعة. أخلع كل ملابسي، وأضعها في دلو صغير مليء بالصابون والماء، وأغسل كل شيء».
ومع ذلك بدأت الأعراض تظهر على الطبيب الذي كان متردداً في تصدق معلومات الجائحة في البداية، عمار درويش بدأ يشعر بآلام في الحلق، وأصرت والدته التي تعمل في علم الأحياء الدقيقة، على أن التهاب الحلق ناتج عن بكتيريا، وأنه ينبغي على ابنها تناول المضادات الحيوية.
في منتصف رمضان وجد درويش صعوبة في الحصول على النوم، وتضاعفت آلام الحلق: «لم أشعر بهذا النوع من الألم من قبل» وأضاف: «لا يمكنني ابتلاع السوائل. شرب رشفة من أي شيء يشبه شرب الشفرات أو قطع الزجاج».
البقاء في المنزل ليس خيارًا
بان الناس كان يقبلون أخبار وجود الوباء وانتشاره ولكن «ليس لديهم خيارات، من المستحيل على الناس في اليمن أن يكونوا في حالة عزل في ظل هذه الحرارة الشديدة، بدون خدمات توصيل أو دعم أو خدمات حكومية أو حتى تحديثات منتظمة من الحكومة.
كان من الصعب أن يتقيد الناس بالتعليمات، نزل الدكتور عمار درويش في العشرين من رمضان (13مايو/أيار) إلى السوق: «إنه مزدحم.. ومزدحم كما هو الحال دائمًا في رمضان» وأكد:
من سيحضر لهم الطعام؟ من سيوفر لهم دخلًا إذا لم يُسمح لهم بالعمل؟ كيف سيطعمون عائلاتهم؟ البقاء في المنزل ليس خيارًا».
استمر درويش في عمله؛ تقديم الخدمات والمشورات والنصائح للمرضى وأقاربهم، وأثناء ذلك كان يتلقى الأخبار تلو الأخبار عن موت أصحابه وأبناء حارته وبعض المعاريف، أو نقلهم إلى المستشفيات.
وفي يوم واحد: «في فترة ما بعد الظهر، أخبرني معاذ أن الرجل العجوز الذي يعمل حارسا في مقسم الهاتف بالقرب من منزلنا توفي. كان يحب مشاهدتنا نلعب كرة القدم. أفتقد بالفعل كل الأيام التي كان يسأل فيها: “أين الرجال؟ ألا يلعبون اليوم؟» وأردف الدكتور في مذكراته: «بعد ساعة، رأيت منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي يفيد بوفاة والد صديقي “م.ق”». وتابع: «أرى تدوينة أخرى تفيد بأن أحد أساتذتي من كلية الطب توفي».
العشرات التي صادفها درويش وحملها في ذكرياته الوجيعة، تحكي قليلا من تفاصيل عدن إبان الجائحة، ما حدث كان مرعباً، مع أخبار الموت هناك حالات الإصابة: «عماد يقول إنه يشعر بالغثيان. جاء جار آخر وأخبرني أنه يتقيأ ويسعل ويشعر بالضعف والتهاب الحلق. الرجل الذي يدير مقهى إنترنت في شارعنا يقول إنه مصاب بالحمى ويشعر بالضعف. أعطي للجميع نفس النصيحة تقريبًا: الراحة، تناول مثبطات الحمى، وعزل أنفسهم، وبالطبع لا تصم».
في 17مايو، 24رمضان، حسب مذكرات درويش كان معدل الوفيات في عدن هو الأعلى في ذلك اليوم: 89 حالة وفاة حسب السجل المدني، رجل الانترنت، بائع السمك، الأصدقاء، نائب الوزير، والكثير من الحالات الموجودة في يوميات درويش، إنها مؤلمة للغاية، كان يعطيهم مقياس التأكسج النبضي، إذا لم يتمكنوا من شرائه، فإنهم يتداولون به.
وهناك من لم يصدق المرض
يوم عيد الفطر، ذهب الطبيب درويش مع شقيقيه إلى المصلى: «في البداية لم أكن أخطط للذهاب، لكن بعد ذلك رأيت أسامة يستعد، ثم رآنا معاذ، وتحمسنا جميعًا. آخذ معي وشاحًا لأضعه على الأرض فوق السجادة، وبالطبع رذاذ الكحول»، وتابع: «هناك الكثير من الناس، جميعهم تقريبًا يرتدون أقنعة. لكنهم يجلسون بالقرب من بعضهم البعض، وما زالوا يتصافحون ويعانقون ويقبلون مثل العيد العادي».
كانت روح العيد مفقودة، رغم أن الشاطئ كان مزدحماً بالناس عندما ذهب الطبيب للسباحة في المساء، سمع درويش عن وفاة امرأتين، أمهات أصحابه، كان العيد سيئا للناس العاديين، كيف بمن يموت قريبه بهذا اليوم، تساءل الطبيب: «ما مدى سوء ذلك على أسرهم؟ ولا يزال هناك بعض الناس هنا لا يؤمنون بهذا المرض. ما الذي يجب أن يحدث ليصدقه الناس؟».
المتابعة عن بُعد
تواصلت إحدى الاعلاميات من صنعاء مع الطبيب، تطلب مساعدة عاجلة لشقيق زوجها الذي يسكن في قرية نائية في محافظة إب: «مريض منذ خمسة أيام، ويسعل ويواجه صعوبة في التنفس» بينما كانت جميع العيادات والمستشفيات مغلقة. ظل الطبيب على تواصل مع ربيع، ابن المريض، يتابع حالته عبر الهاتف، في القرية ليس لديهم أي صيدليات، وهناك كما ذكر ربيع للطبيب “ممرضة واحدة يمكنها فحص ضغط الدم”.
كان درويش حريصاً في التعامل مع ربيع وحالة والده، لأن الوضع الصحي بائساً، قال الطبيب: «لا أريد أن أخيفه أو أفقده تركيزه. لذلك أعتقد أن أفضل طريقة لمساعدة المريض هي عدم إخباره بما أفكر به حقًا، وهو أن والده مصاب بـ كوفيد-19».
وفي هذه الأيام، كان أصدقاء إخوة درويش يأتون يطلبون المساعدة في حفر قبور لأقرباء اصدقائهم الذين توفوا، حتى أن أسامة شقيق الطبيب قال: «إننا أصبحنا مثل الرجال في النعش الراقص، حاملو النعش في غانا الذين يرقصون في الجنازات. يشارك الجميع مقاطع الفيديو الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي الآن – إنها مزحة قاتمة حول كيفية وصول فيروس كوفيد-19، لنا جميعًا».
ورغم المأساة، إلا أن كثيرين تمكنوا من الانتصار على الفايروس، بمن فيهم والد ربيع، الحالة التي ظل الدكتور عمار درويش يتابعها عن بعد، فبعد يومين، الساعة الثالثة صباحا، أرسل ربيع رسالة نصية للدكتور: « “والله إني مدين لك بحياة”. والده يشعر بتحسن. أقول له إنه لا يدين لي بأي شيء، لا تقل ذلك أبدًا».
الدموع في عيني
«مات عمي سالم، الرجل الذي علمني الطب، الرجل الذي لم أره غاضبًا. الرجل الذي كان يبتسم دائمًا، يلكمني على كتفي ويضحك. سالم الذي يعرف الكثير عن الطب لدرجة أنه عندما يتحدث لا أستطيع استيعاب كل شيء. لقد مات. أصرخ وأنا غاضب والدموع في عيني».
كان كوفيد-19يقترب أكثر من عائلة الطبيب، ويتحين لأخذ عمه. بتاريخ 6 يونيو/ حزيران، تلقى عمار درويش رسالة بعد منتصف الليل، من عمته، أستاذة علم الأمراض: «تقول إن زوجها، عمي سالم صالح، مريض، ولا تعرف ما إذا كانت مشكلة في الكلى (كان يعاني منها منذ سنوات)، أو حمى الضنك، أو ماذا».
الدكتور سالم يبلغ من العمر 68 عاما، وهو أستاذ الطب الباطني منذ السبعينيات، ومؤسس قسم الطب الباطني بجامعة عدن وله فضل بتعليم الطبيب عمار، وكذلك أمه ووالده.
صلاح، ابن سالم، عم الطبيب، كان معه مقياس تأكسج نبضي، كانت أمه قلقة عليه لأن مصاب بـ كوفيد-19كما كان يعتقد، يروي الطبيب بأنه أخبر عمته «أن تضع بعض الكمادات الباردة على عمي لخفض درجة الحرارة، واستعادة مقياس الأكسجة من ابنها حتى تتمكن من مراقبة حالته».
وفي اليوم التالي كما يسرد درويش، «عمي سالم أصبح متعبًا فجأة»، وأعطته ممرضة سوائل وريدية، كما قامت بتجهيز إسطوانة أكسجين كإجراء احتياطي.
الكثير من الأطباء الذين يعرفون سالم، أبلغوا عمار درويش أنهم أعدوا مكانًا لعمه في وحدة العناية المركزة في المستشفى الجمهوري، أحد أكبر المستشفيات الحكومية في عدن، والتي تعمل بها منظمة أطباء بلا حدود. لكن لم يتمكن عمار من الاتصال بخالته، وخرج لشراء العشاء، وأثناء إعداد الطعام، عند الساعة 10مساءً تقريبا: «تتلقى أمي رسالة تقول: سالم قد مات».
وعلق الطبيب على هذا النبأ:
ملاحظات من الجائحة
“منذ أن بدأ كوفيد-19، في الصين ثم استمر في مهاجمة الكثير من البلدان الأخرى، بقيت في حالة إنكار، على الرغم من أنني اتخذت بعض الإجراءات الاحترازية البسيطة. أنا لا أخفي ذلك. رؤية جميع البلدان الأخرى تسقط عندما تواجهها الجائحة، وعدم تسجيل حالات في بلدي، جعلني أفكر “أوه، ربما نستنا الجائحة”، ولكن هذه المرة كان من الجيد أن يُنسى اليمن. اعتقدت أن عزلة اليمن ستنقذنا. أو ربما لدينا حالة مناعة أفضل لأننا نتعامل مع الكثير من الأمراض الأخرى التي ربما لم يسمع بها الناس في الدول الغربية”.
لم أتوقع أن أرى ما يحدث هنا في عدن. الوضع مخيف. الناس يسقطون، واحدا تلو الآخر، مثل قطع الدومينو. خاصة كبار السن ومتوسطي العمر. يبدأ بالحمى، ثم سرعان ما يأتي بصعوبة في التنفس، ثم الموت المفاجئ. لا يزال الناس خائفين ويكرهون سماع اسم الفيروس. حتى بعض الطاقم الطبي لن يقول ذلك علنًا، وكأنه عيب”
“مات كثير من الناس في هذه المدينة (عدن). ونجا آخرون وقالوا للموت: “توقف. لا يزال لدي حياة أعيشها “.
لم أفكر أبدًا في أنني سأكتب شيئًا كهذا، ولم أكن أخطط لنشره. لم أعتقد أبدًا أن ملاحظاتي ستحدث فرقًا لأي شخص. مازلت أعتقد أنهم قد لا يهتمون. لكني أريد مشاركة هذه التجربة. ربما بعض الناس يهتمون بما دونته؟
التحضير للوباء
3مايو/أيار 2020
في العاشر من رمضان، يوم الأحد، يلعب أخي الأصغر أسامة مباراة في دوري كرة القدم الرمضاني على الشاطئ. تنتهي المباراة حوالي الساعة السادسة مساءً. يشعر أسامة بالتعب قليلاً ويعاني من سعال خفيف وجاف بشكل متقطع. ينام لبضع ساعات ويشعر بتحسن، لكني مازلت أعتقد أنه يجب أن يستريح، لذلك أخرج إلى البقالة لشراء بعض الحاجات المنزلية لأسامة.
بينما كنت في الخارج للتسوق، رأيت جاري وصديق العائلة المقرب حسين، وأخبرني أن والده يشعر بالمرض ويحتاج إلى المساعدة. ذهبت إلى منزلهم. في الداخل، يوجد كيس بلاستيكي كبير مليء بالأدوية التي وصفها له طبيب آخر. ألقيت نظرة على نتائج بعض اختبارات الدم التي أجراها، ويبدو أن كل شيء طبيعي. استنتج أنه ربما يكون مصابًا بالأنفلونزا، أو ربما يبالغ قليلاً: “إنفلونزا الرجل”، كما يسميها أحد أصدقائي.
لفهم كيف وصلنا إلى هنا – قبل أن أبدأ في كتابة هذه الملاحظات – دعنا نعود بالزمن إلى الوراء قليلاً. في اليوم الخامس من رمضان، 28أبريل/نيسان2020 ، قبل يوم واحد من الإعلان عن أول حالات إصابة رسمية بفيروس كوفيد-19، في عدن، بدأ وجدي البالغ من العمر 56 عامًا يشعر بتوعك، ويعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. رأى طبيباً يشكو من الحمى والتعب وبعض آلام العضلات في الأطراف السفلية. اعتقد الطبيب أن وجدي قد يكون مصابًا بنوع من العدوى التي ينقلها البعوض، مثل داء الشيكونغونيا أو حمى الضنك (كلاهما شائع إلى حد ما في اليمن، وقد تعرضت عدن مؤخرًا لفيضانات مفاجئة لذلك هناك الكثير من البعوض حولها).
ثم في الثامن من رمضان، 1 مايو/أيار2020، لعب أسامة كرة القدم. بعد انتهاء المباراة، ذهب لتناول الإفطار في منزل صديقه أحمد في حي المنصورة، إحدى مديريات محافظة عدن. أثناء تناول الطعام، أخبر أحمد الآخرين أنه كان يشعر بالمرض في الأيام الخمسة إلى السبعة الأولى من رمضان، مع ضعف عام وإرهاق وحمى. قال إنه بخير الآن، لكن والده لم يكن على ما يرام.
عندما عاد أسامة، وصف مدينة المنصورة، التي تزدحم أكثر من منطقة البريقة، حيث نعيش في عدن ـ يوجد في المنصورة الكثير من المستشفيات والعيادات الخاصة ـ قال: “إنه أمر مخيف حقًا”. أعتقد أنها مدينة ووهان اليمنية. الجميع يتجولون مع وجود القُنيّة الطبية أو الكانيولا في أذرعهم. هناك مياه في الشوارع (من السيول) ومجاري. البعوض بحجم الطيور. إنها مدينة مصابة بشدة. يشعر بالعدوى. تنبعث منه رائحة ملوثة. يبدو أنه مصاب”.
في اليوم التالي، اصطحب أحمد والده إلى مركز الأمل الطبي، وهو مركز طبي متخصص لعلاج السرطان. حولته الحكومة إلى مستشفى لمرضى كوفيد-19.
لسوء الحظ، توفي والده بعد ساعات قليلة.
4 مايو/أيار2020
في اليوم الحادي عشر من رمضان، يوم الاثنين، بعد ثلاثة أيام من لقائه بأحمد، يشعر أسامة بتوعك مرة أخرى. إنه منهك تمامًا، مع ألم في ركبتيه وحمى خفيفة وإرهاق وصداع شديد. الأعراض محيرة بعض الشيء. يمكن أن يكون داء الشيكونغونيا بسبب آلام الركبة الشديدة. ولكن قد يكون أيضًا كورونا، حيث كان في منزل أحمد، وتوفي والده للتو بأعراض تشبه كوفيد-19.
أسامة لا يفطر في رمضان. بدلا من ذلك قبل الفجر يتناول مسكنات وبعض الفيتامينات وينام ولا يصلي في المسجد. لكن أنا افعل.
في حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، توجه حسين إلى منزلي قائلاً إن والده يحتضر. ارتديت قناع N95، وقابلت حسين في سيارته. يسألني حسين ضاحكا: لماذا القناع؟ هل من أجل الكورونا؟ ” قلت له: “لا”. “لأن أسامة مريض وربما أنا مصاب بالمرض الذي يعاني منه. والدك مريض بالفعل، ولا أريد أن أنقل له شيئًا آخر عندما يكون شديد الضعف “.
نحن نقود السيارة إلى منزلهم. يبدو والد حسين مريضا. إنه لا يأكل أو يشرب. عادة، كان يمزح ويبتسم ولا شك أنه يسخر من قناعي. بدلاً من ذلك، يستمر في القول، “أنا عجوز، سأموت. هذه هي النهاية.. هذه نهايتي”. أشعر بالحزن الشديد عليه. أخبر حسين بما يجب أن يفعله، وكيف يعطي والده الدواء الذي وصفته. أخبرته أنه يحتاج إلى قياس ضغط الدم ومستويات السكر في الدم قبل إعطائه أي سوائل عن طريق الوريد. أعطيته المزيد من الأدوية للحمى وآلام العضلات.
في الخامسة مساءً، أصطحب كاميرتي لمشاهدة كرة القدم على الشاطئ، لأنني أحد المشرفين على البطولة الرمضانية ونضع صورًا ومقاطع فيديو للمباريات على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول أخي الأكبر معاذ إنه متعب نوعًا ما، لكنه يواصل اللعب على أي حال. عندما وصلنا إلى المنزل، كان معاذ منهكًا حقًا، ولديه حمى وصداع شديد. قررت أنا وأمي أن يأخذ شيئًا ما لخفض الحمى.
في المساء، آخذ أسامة لإجراء فحص دم (من السهل الوصول إلى المختبرات إذا كان لديك المال اللازم لدفع ثمنها في العيادات والمستشفيات الخاصة، ولا تحتاج عادة إلى طبيب لطلبها أو إلقاء نظرة عليها)، جميع النتائج ضمن المعدل الطبيعي الذي كنت أتوقعه.
5 مايو/أيار2020
في الثاني عشر من رمضان، يوم الثلاثاء، معاذ في وضع سيء. ظهرت عليه بعض الأعراض الجديدة: فقدان الشهية والتهاب الحلق. يفطر بمضادات الحمى وبعض الماء. اسامة مريض ايضا ولكن أفضل من معاذ.
في حوالي الساعة 2 مساءً، يأتي حسين مرة أخرى، ويسأل عما إذا كان بإمكاني زيارة والده، الذي رأيته بالأمس. أرتدي قناعي وأقود السيارة، حالة والد حسين ليس سيئا جدا. متعب، لكن لا يختلف عن اليوم السابق. أقول للعائلة أن تشجعه على الأكل والشرب أكثر، وأقول له ألا يصوم رمضان. ينظر إليّ المريض، وهو قريب جدًا من البكاء لدرجة أنني أستطيع رؤية الدموع في عينيه. توفي صهره قبل ساعات قليلة فقط. يقول: “أنا متعب جدًا. أنا مريض جدا. لم أتوقف عن الصلاة منذ أن كنت طفلاً. الآن لا أستطيع حتى الوقوف للصلاة “. لا أستطيع أن أنسى كلماته.
أقول له ألا يفكر حتى في الذهاب إلى جنازة صهره، ثم أعود إلى المنزل وأغسل كل ملابسي.
لاحقًا، أقف عند البوابة خارج منزلي، منتظرًا الأذان، هذا يعني أن وقت الإفطار قد حان. أثناء انتظاري، أرى صديقي المقرب عماد، الذي يعيش في الجوار ويبلغ من العمر 32 عامًا، مثلي. نتحدث عن فيروس كورونا وأقول يجب إلغاء بطولة كرة القدم. أخبرته عن مرض وجدي. ثم يمر أنور، جار آخر، ويسمعنا نتحدث. أخبرني أن الأشخاص الذين لديهم مهارات طبية يجب أن يساعدوا الآخرين في الوقت الحالي. لا أحب الطريقة التي يقولها، مثل الأمر. لكن كلماته عالقة في رأسي.
بعد غروب الشمس، حوالي الساعة30 :7 مساءً، أذهب إلى المسجد لأداء صلاة العشاء، لكن أي سعال خفيف داخل المسجد يشتت انتباهي عن تفكيري الذي يفترض أن يكون في الصلاة فقط. أرتدي وشاحًا على وجهي، لكن عندما أجثو على ركبتي، أشعر بالقلق بشأن نظافة السجادة التي أصلي عليها، لذا لا أضع يدي على الأرض. هذا عندما قررت التوقف عن الصلاة في المسجد. الصلاة إذا لم تقام في هدوء ولا خوف فهي ليست صلاة.
في وقت لاحق، أخرج وأشتري الكثير من الإمدادات الطبية مثل القنيات الوريدية والسوائل ومثبطات الحمى. أشتري العشرات من كل منها (يمكنك الحصول على الأدوية من الصيدليات والمعدات من متاجر المستلزمات الطبية في عدن، لكنها غالية الثمن).
اعتقدت أنه إذا طلب شخص ما المساعدة في الأيام القادمة، فعندئذ على الأقل سيكون لدي بعض الإمدادات الجاهزة. لذلك سأفعل أكثر مما قاله أنور، وسوف أساعد ليس فقط بالنصيحة، ولكن أيضًا بالإمدادات. قمت بإعداد خط وريدي لأخي لإعطائه السوائل، لأنه مازال لا يأكل أو يشرب.
توفيت والدة وجدي الليلة.
أعراض غريبة
6 مايو/أيار 2020
في اليوم الثالث عشر من رمضان، وهو يوم أربعاء، ألعب كرة القدم، لكن أثناء المباراة لدي شعور غريب بأنني سأمرض لاحقًا. لا اعرف لماذا.
عندما أصل إلى المنزل، أفحص حلق معاذ ولاحظت بعض آثار الالتهاب والقيح. نحاول إجراء فحوصات الدم في المختبر القريب من المنزل، في حوالي الساعة 9 مساءً، لكنه مزدحم للغاية. أعتقد أن الناس يجرون الكثير من الاختبارات لأنهم خائفون من فيروس كورونا. (في الحي الذي أعيش فيه، وهو ميسور الحال إلى حد ما، يستطيع بعض الناس تحمل تكلفة القيام بذلك، ورؤية الأطباء من القطاع الخاص. في أجزاء أخرى من عدن، ربما لا يستطيعون). بدأ معاذ في تناول المضادات الحيوية بناءً على ما رأيته في حلقه، واحتفظ به بالسوائل ومثبطات الحمى. يتحسن قليلا.
أقف خارج بوابة منزلي أتحدث مع بعض الأصدقاء ليلاً عندما يأتي صديقي سامي ويسألني إن كان بإمكاني تركيب خط وريدي له، لأن درجة حرارته مرتفعة قليلاً، مع التعب والإسهال. أقول له، “فقط كل واشرب، وإذا شعرت بتوعك فاتصل بي في أي وقت وسوف آتي إلى منزلك في أي وقت من الأوقات.” أعطيته بعض الأدوية، وذهب إلى المنزل ليستريح. بعد بضع دقائق، جاء إليّ، بسام، جار آخر. لديه نفس الأعراض. اقول له نفس الشيء.
لا أعرف ماذا أقول عن هذا المرض، كوفيد-19. تختلف الأعراض التي أراها بطريقة غريبة. إذا لم يكن هناك جائحة، فسأقول إن هؤلاء الناس يعانون من أمراض مختلفة. على سبيل المثال، يعاني وجدي من آلام شديدة وإرهاق وحمى منذ بداية شهر رمضان. جار آخر يتقيأ. لا يمكنني إحصاء عدد الأشخاص الذين أعرفهم ممن أصيبوا بالمرض في الأيام القليلة الماضية. لم يتوقف هاتفي عن الرنين مع الأشخاص الذين يطلبون المشورة، أو الأشخاص الذين يريدون مني القدوم لفحصهم. هناك الكثير.
إذا لم يكن هذا كوفيد-19، فكيف سيبدو كوفيد-19؟ أعتقد أنه فيروس كورونا. والله وحده يعلم.
7 مايو/أيار 2020
في اليوم الرابع عشر من رمضان، الخميس، بدأت أشعر بالإرهاق: صداع خفيف، ألم عضلي، بعض السعال الذي بدأ الليلة الماضية. ألم خفيف في حلقي. أنا لا أفطر. خلاف ذلك، أحاول أن أستمر كالمعتاد وأقاوم المرض.
أسامة بخير. معاذ مازال مريضا. طرأ عرضين جديدين: فقدان حاسة التذوق والشم. في وقت لاحق من ظهر ذلك اليوم، اتصل سامي طالبًا المساعدة. عند غروب الشمس تقريبًا، أرتدي قناع N95 وأحضر أجهزتي وأقود سيارتي.
عندما أصل إلى هناك، أجد سامي مستلقيًا على الأريكة في غرفة بلا كهرباء. (قبل بدء الحرب، وخلال عام 2020تقريبًا، كانت السلطة منتظمة إلى حد ما في عدن. لكن البنية التحتية والحوكمة انهارتا بالفعل في المدينة، والآن أصبحت الطاقة غير متوفرة، وغالبًا ما تكون نادرة.)، يقول سامي إنه كان يتقيأ، ويعاني من الحمى، ولا يستطيع تناول الطعام. أبدأ بتركيب خط وريدي لإعطائه السوائل، وفي الوقت نفسه، يضع شقيقه أحمد الطعام ورائي لأنه حان وقت الإفطار. يستمر في القول، “كل، كل، افطر”، أخبره أنني بحاجة لإنهاء تركيب الخط الوريدي، أولاً، لكني فقط أسوف. أنا لا أفكر حتى في تناول الطعام معهم، لأنني أخشى أن يكون لدي فيروس كوفيد-19، يمكنني نقله إليهم.
تأتي جدة سامي وتسألني: “هل لديه الشيء؟” إنها لا تريد أن تقول اسم الفيروس. أقول: “تقصد فيروس كورونا. لا تقلقي. يبدو أنه مجرد تسمم غذائي “. لا أصدق نفسي في تلك اللحظة، لا أريد إخافتهم.
أترك منزلهم دون طعام وأذهب للاطمئنان على عمهم نديم الذي يعيش في منزل منفصل في نفس الفناء. يبدو بشكل عام على ما يرام، لكنه يقول إنه يعاني من بعض آلام الظهر والتعب والحمى التي تأتي وتختفي. أقول له ألا يفكر حتى في الصيام، وأن يتصل بي إذا تفاقم وضعه الصحي.
أعود إلى المنزل بعد الساعة 7 مساءً، وأنا مازلت صائمًا، على الرغم من أن الأذان كان قبل ساعة. أخلع كل ملابسي، وأضعها في دلو صغير مليء بالصابون والماء، وأغسل كل شيء.
يصر الجميع في المنزل، وخاصة أمي، التي تعمل في علم الأحياء الدقيقة، على أن التهاب الحلق ناتج عن بكتيريا، وأنه ينبغي عليِّ تناول المضادات الحيوية. لكنني لا أعتقد أن تناول المضادات الحيوية سيساعد، لأن هذا المرض، مهما كان، يبدو أنه ينتشر بسرعة كبيرة وينتقل من شخص إلى آخر في وقت قصير. لا يبدو مثل البكتيريا أو الطفيليات أو شيء ينتقل عن طريق البعوض. أختار عدم تناول المضادات الحيوية، فقط سأتناول الطعام ومحاولة الراحة ووقف الحمى عندما تظهر. حتى الآن، لم تكن مرتفعة للغاية، فوق 38 درجة مئوية ولكن ليس أكثر من39.5.
8 مايو/أيار 2020
في اليوم الخامس عشر من رمضان، يوم الجمعة، أجد صعوبة في الحصول على بضع دقائق من النوم. ربما بسبب الكافيين في مسكن الآلام الذي تناولته عند الفجر، مع آخر وجبة نتناولها قبل الصيام. أو ربما يكون عرضًا غريبًا آخر لهذا المرض. أشعر بالغباء، كطبيب، لا أعرف ما إذا كان هذا عرضًا أم لا. في حوالي الساعة30 :10 صباحًا، أنهض من الفراش، باحثًا عن أي شيء يساعدني على النوم. لا يمكنني العثور على أي شيء في المنزل بخلاف مضادات الهيستامين. أحقن نفسي به، لكنه لا يفعل الكثير.
اليوم بطيء جدا، بطيء جدا. أنا في مكان ما بين التعب واليقظة حقًا. أنا لا أفطر. أعراضي هي نفسها. ليس أفضل، ولا أسوأ.
حوالي الساعة 7:30مساءً، اتصل بي حسين، وطلب مني الحضور لرؤية شقيقه أنس، الذي مرض منذ يومين، وأعراضه أكثر اعتدالًا مقارنة بوالدهم وجدي. يسألني عن بعض النصائح عن والده أيضًا.
أخبرته أنه ليس من الجيد أن أذهب إلى هناك، وأن علينا أن نحاول إبقاء العلاج بعيدًا. أنا لا أتجنبهم، لكن في الوقت الحالي لا أعرف ما إذا كان ما لدي هو ما لدى وجدي، وما إذا كان كوفيد-19. كما أنني لا أريد إعطاء وجدي أو أي شخص آخر شيئًا جديدًا.
في وقت لاحق، أشعر بتحسن قليل، لذلك أذهب للجلوس بجوار بوابتنا لمشاهدة اللاعبين وهم يلعبون الكرة الطائرة، حيث توجد شبكة في منتصف الشارع. أغطي معظم وجهي بوشاح. أرى صديقي عماد الذي يلعب في نفس فريق كرة القدم مثل معاذ. يقول عماد إنه خلال مباراتهم اليوم كانت الشمس شديدة الحرارة وشعر وكأنه يمرض.
بحلول نهاية اليوم، يكون البلع مؤلمًا جدًا. سمعت أن الأخ الأكبر لصديقي بديع توفي ليلة أمس. كان عمره أكثر من 50عامًا، وذهبت إلى مدير المدرسة الإعدادية. كان يعاني من مشاكل في القلب، لكن من يدري ما إذا كان ذلك مرتبطًا بوفاته.
9 مايو/أيار 2020
في اليوم السادس عشر من رمضان، يوم السبت، مازلت مريضًا، والحلق يزداد سوءًا. لكنني خرجت لشراء مقياس التأكسج بنبض الإصبع، والذي أوصي به كأداة لمراقبة كمية الأكسجين التي يحملها جسم الإنسان. يُعد انخفاض نسبة الأكسجين في الدم علامة على الإصابة كوفيد-19، الشديدة التي أراها كثيرًا.
في الليل، أذهب لرؤية وجدي في منزله. يفتح ابنه حسين الباب ويقول: الحمد لله أتيت، أردت الاتصال بك. يقول إن شقيقه الأكبر أنس لا يستطيع التنفس الآن. أنس موجود في غرفة الضيوف، مستلقيًا على الأرض، متصل بخزان أكسجين بواسطة قناع. أربعة أصدقاء يجلسون حوله. من الفحص الذي أجريته، بدا على ما يرام، مع ضيق في التنفس. وضعت مقياس التأكسج على إصبعه. إنه مرتفع، 98في المائة، كما ينبغي، ولكن بعد ذلك مرة أخرى سيجعل القراءة طبيعية.
ثم أذهب لرؤية والد وجدي. إنه يبدو أفضل، لكنه أخبرني أنه مازال يشعر بالدوار عندما يحاول المشي أو الذهاب إلى الحمام. وضعت مقياس الأكسجة عليه، وكان تشبعه بالأكسجين بين 82-85٪، وهي نسبة منخفضة جدًا. أشعر بالخوف وأقول لحسين أن يسرع ويحضر الأكسجين من غرفة أنس. والدهم يحتاجها أكثر. أغير القناع، وأضعه على الأكسجين، وأبقى لبضع دقائق حتى ترتفع مستوياته.
10 مايو/أيار 2020
في اليوم السابع عشر من رمضان، يوم الأحد، أحاول الحصول على قسط من الراحة. أشعر بتحسن. معاذ أيضا كذلك. حوالي الساعة 11 مساءً، رأيت ثلاث مكالمات فائتة من محمد كيو، الذي أسميه الصديق متعدد المواهب. إنه الشخص الذي أستشيره في جميع المشاكل الميكانيكية. عندما اتصلت به مرة أخرى، قال إنه متعب وحلقه يؤلمه، لكنه ذهب بالفعل إلى عيادة قريبة وأعطوه بعض الأدوية. لا تقلق، كما يقول. أخبرته أن يبلغني إذا كان هناك أي شيء يمكنني القيام به، لكنه يقول إن كل شيء على ما يرام الآن.
11 مايو/أيار 2020
في اليوم الثامن عشر من رمضان، يوم الإثنين، من المفترض أن ألعب مباراة كرة قدم على الشاطئ. أعود إلى المنزل قبل الساعة 5 مساءً بقليل بعد الخروج طوال اليوم لزيارة المرضى في منازلهم، ولا يزال هناك متسع من الوقت لتحقيق ذلك، لكنني مرهق جدًا. أرسل قائد الفريق رسالة إلينا قائلاً، “كل من يريد الذهاب واللعب فهو حر في القيام بذلك، لكنني لن أذهب. لدي عائلة: أبوين وأخوات وزوجة..
بالنسبة لي، مازلت أعاني من التهاب في الحلق. لم أشعر بهذا النوع من الألم من قبل، على الرغم من تاريخ طويل من التهابات الحلق. يمكنني الحصول على الطعام، لكن لا يمكنني ابتلاع السوائل. شرب رشفة من أي شيء يشبه شرب الشفرات أو قطع الزجاج.
بينما كنا نتناول الإفطار اليوم، مع العائلة معًا، أخبرت أمي أن لدي رائحة دائمة لشيء غريب، مثل الطلاء. يقول معاذ: “حقا؟ لم أتمكن من شم أو تذوق أي شيء منذ أن بدأ هذا المرض”. ثم أقول لهم إنني أحيانًا أشعر أنني أغرق أو أن هناك ماء في أنفي، مثل الماء الذي يدخل في أنفك أثناء السباحة، ويقول معاذ: “حقًا؟ أشعر بذلك أيضًا! ” لذا أعتقد أن هذا الشيء المائي ربما يكون من أعراض كوفيد-19، وليس خيالي. حتى الآن، كنت أعتقد حقًا أنني كنت أهذي.
بينما نحن نأكل يسأل معاذ هل سمعنا عن عبد الرحمن؟ مات، كما يقول. لقد كان أحد ألطف الناس في الحي، سائق تاكسي اعتدنا الركوب معه كثيرًا. سأفتقد ابتسامته. آخر ذكرياتي عنه كانت عند رؤيته في السوق في الصباح، يقف بجانب سيارته، يمزح مع سائقي سيارات الأجرة الآخرين، ويضايقهم دائمًا.
12 مايو/أيار 2020
في اليوم التاسع عشر من رمضان، يوم الثلاثاء، ما زلت مريضاً. أحاول أن أرتاح معظم اليوم. حوالى الساعة 7:30 مساءً، راسلني حسام، وهو جار يبلغ من العمر 15عامًا، قائلاً إنه يعاني من الحمى والتعب، ويسألني عما يجب عليه فعله. أسدي له بعض النصائح ثم أخرج لأقوم ببعض الأعمال، والشوارع في وسط عدن مزدحمة. كل متجر تقريبًا مفتوح، على الرغم من أنه من المفترض أن يكون هناك حظر تجول وإغلاق. لا يتم فرضه، وهو حقًا بالاسم فقط.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، نشر الناس على وسائل التواصل الاجتماعي أن إمام مسجد معروف في عدن، والذي تجاوز الستين من عمره، نُقل إلى المستشفى مصابًا بالحمى. مات بعد أن وصل هناك.
13 مايو/أيار 2020
في العشرين من رمضان، يوم الأربعاء، ما زال حلقي يؤلمني. لا أصدق أن هذا لن يزول. إنه الآن مؤلم للغاية ولا يتوقف.
بعد الإفطار، وضعت بعض رذاذ الكحول في جيبي، وارتديت قناعي، وذهبت إلى السوق بالقرب من منزلي. إنه مزدحم ومزدحم كما هو الحال دائمًا في رمضان. أحاول أن أبتعد عن الناس، لكن هذا صعب. أحاول تجنب ملامسة أبواب المحلات التجارية، وأحيانًا أدفعها بمرفقي أو قدمي.
يقبل الكثير من الناس أن الوباء موجود هنا الآن وأن هناك مرضًا ينتشر. لكن ليس لديهم خيارات. من المستحيل على الناس في اليمن أن يكونوا في حالة عزل (حجر منزلي) في ظل هذه الحرارة الشديدة، بدون خدمات توصيل أو دعم أو خدمات حكومية أو حتى تحديثات منتظمة من الحكومة. من سيحضر لهم الطعام؟ من سيوفر لهم دخلًا إذا لم يُسمح لهم بالعمل؟ كيف سيطعمون عائلاتهم؟ البقاء في المنزل ليس خيارًا هنا.
بعد السوق، أذهب للاطمئنان على وجدي. إنه يشعر بتحسن، وأشعر أنني قمت بعمل جيد في معاملته. جلست معه حوالي 15 دقيقة، وهو يبتسم ويمزح كما فعل قبل أن يمرض. أطفاله من حوله. إنه يجعل قلبي سعيدا.
فيما بعد، سمعت أن جارنا سليم، الذي تجاوز الخمسين من عمره، قد مات.
14 مايو/أيار 2020
في اليوم الحادي والعشرين من رمضان، الخميس، أنام بضع ساعات بعد وجبة الفجر. أغادر المنزل حوالي الساعة الثامنة صباحًا للقيام ببعض الأعمال، لكن حلقي ما زال يؤلمني. لا يمكنني الابتلاع على الإطلاق الآن، ولا حتى لعابي.
بعد حوالي ساعة ونصف من العمل، أقضي معظم اليوم في محاولة للراحة والتعافي. لكن لا يوجد يوم ينتهي الآن دون بعض الأخبار المأساوية. في حوالي الساعة 9 مساءً، وصلتني أخبار عن وفاة والد صديقي حسن، الذي كان في الخمسينيات من عمره. بعد ساعتين، توفي والد صديق آخر مصاب بالسكري. هذا مؤلم جدا
الأيام تزداد قتامة
15 مايو/أيار 2020
في اليوم الثاني والعشرين من رمضان، يوم الجمعة، مازلت أشعر بالألم في حلقي. لا تزال شديدة، لكنها ليست مستمرة كما كانت من قبل. إنه عرض غريب. ذهب ألم معاذ تمامًا، لكنه مازال لا يستطيع تذوق أو شم أي شيء.
في فترة ما بعد الظهر، أخبرني معاذ أن الرجل العجوز الذي يعمل حارسا في مقسم الهاتف بالقرب من منزلنا توفي. كان يحب مشاهدتنا نلعب كرة القدم. أفتقد بالفعل كل الأيام التي كان يسأل فيها: “أين الرجال؟ ألا يلعبون اليوم؟ ” لن يأتي ويشاهد مرة أخرى.
بعد ساعة، رأيت منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي يفيد بوفاة والد صديقي محمد قاهر. لا أستطيع حتى أن أذهب لتقديم تعازي. هذه الأيام المظلمة تزداد قتامة.
في الليل، بينما أكون في متجر الزاوية أشتري بعض الحاجات، أوقفني أحد الجيران لطلب بعض المساعدة. بدا قلقاً وطلب مني أن أنظر إلى الفحوصات المخبرية لزوجته. (من السهل حقًا إجراء الفحوصات هنا إذا كان بإمكانك دفع ثمنها، ولكن لا يفهم الجميع النتائج أو لا يستطيع تحمل تكاليف مراجعة الطبيب لها)، كانت تشكو من ارتفاع درجة حرارة الجسم، وآلام في العضلات، وبعض الصعوبات في التنفس. بناءً على تاريخها وأعراضها والاختبارات – التي كانت جميعها في المعدل الطبيعي – لست قلقًا جدًا. أصف لزوجته بعض الأدوية.
بعد ساعات قليلة، رأيت عماد، والآن يعاني من نفس الأعراض التي كنت أعاني منها، وخاصة التهاب الحلق المؤلم.
أرى تدوينة أخرى تفيد بأن أحد أساتذتي من كلية الطب توفي. كان ذكيًا جدًا. إنها خسارة فادحة.
16 مايو/أيار 2020
في اليوم الثالث والعشرين من رمضان، يوم السبت، أنام طوال اليوم تقريبًا، ويختفي الألم في حلقي فجأة. أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أشبه بنشرة نعي. مات شخص آخر، رجل لطيف عمل في مصفاة النفط القريبة.
لا توجد كهرباء لمعظم اليوم، وأخرج في حوالي الساعة 6:30 مساءً للحصول على بعض الثلج من متجر الزاوية. يقول الناس هناك أن عامل المصفاة توفي في عيادة خاصة. جاء المزيد من الجيران وقالوا إن سائقهم مريض – تشير الاختبارات المعملية إلى الإصابة بالملاريا ولكنه الآن يواجه صعوبة في التنفس. أعتقد أن هذا لا يبدو مثل الملاريا.
في ذلك المساء، مات السائق. ثم يتصل عماد ويقول إنه يشعر بالغثيان. جاء جار آخر وأخبرني أنه يتقيأ ويسعل ويشعر بالضعف والتهاب الحلق. ثم الرجل الذي يدير مقهى إنترنت في شارعنا يقول إنه مصاب بالحمى ويشعر بالضعف. أعطي للجميع نفس النصيحة تقريبًا: الراحة، تناول مثبطات الحمى، وعزل أنفسهم. وبالطبع لا تصم.
17 مايو/أيار 2020
في الرابع والعشرين من رمضان، يوم أحد، يمرض أخي الأصغر أحمد. يعاني من إرهاق عضلي ويمكن أن يشعر بالحمى.
ظن أحمد أنه محصن من كل هذا، وكان يخرج عندما يكون بقيتنا مرضى في المنزل. لست قلقًا جدًا لأنه يبلغ من العمر 20عامًا وقويًا. لقد وضعته في نفس النظام مثل بقيتنا، وأحاول إخافته قليلاً بشأن الفيروس.
حوالي الساعة 6:40 مساءً، أرسل جاري خضر رسالة نصية ليقول إن والدته مصابة بدوار وحمى. يقول إنه سيأخذها إلى المختبر لإجراء بعض الاختبارات – لقد أجروا بالفعل جولتين من الاختبارات – وهو يتطلع لشراء مقياس تأكسج، لكنه لا يستطيع العثور على واحد. أقول له ألا يأخذها إلى المختبر. يتضح من الأعراض التي وصفها أنها ربما تكون مصابة بـ كوفيد-19.
لذلك أحضرها إلى منزلي، وأراها من خارج السيارة. أتحقق من الأكسجين وتبدو الأشياء جيدة، على الأقل في الوقت الحالي. لكنهم غير مقتنعين، ويذهبون لإجراء المزيد من اختبارات الدم. في وقت لاحق، أخبرني أن لديها خط وريدي، لأنها لم تكن تأكل.
حوالي الساعة 11مساءً، بينما كنت أشاهد اللاعبين يلعبون الكرة الطائرة، كان صديقي “العربي” يمر بجوارنا. إنه قلق على والدته أيضًا. أخبرته ببعض الأشياء التي يمكن أن تساعد في حمايتها من هذا الوباء، مجرد نصيحة عامة. يسأل لماذا لا أصنع فيديو بهذه النصيحة وأضعه على الإنترنت. أنا متأكد من أن الكثير من الناس لا يعرفون الأشياء التي قلتها له – كثير منهم جدد بالنسبة لي أيضًا – لكني أخبره أنه في هذه الحالة، في هذا البلد عديم الجنسية، لا أفعل أي شيء علنًا. ولكن، إذا طلب أحدهم المساعدة، فأنا هنا. وإذا سأله أحدهم، فهو يعرف أين يجدني.
الليلة، توفي شقيق أحد أصحاب مطعم السمك المحلي. كان في الخمسينيات من عمره. وبحسب السجل المدني، فإن معدل الوفيات في عدن اليوم هو الأعلى حتى الآن. كان هناك 89 حالة وفاة.
قراءة الأشعة السينية بضوء القمر”
يلاحظ الدكتور درويش اتجاهًا مثيرًا للقلق في صور رئتي مرضاه، ويحاول إخافة الابن لرعاية والده.
“سأخبرك بثلاثة أشياء، وعليك أن تفعلها بالضبط كما قلت، وإلا، عندما تشرق الشمس صباح الغد، لن يكون والدك على قيد الحياة”.
18مايو/أيار 2020
في اليوم الخامس والعشرين من رمضان، يوم الإثنين، حوالي الساعة الواحدة صباحًا، أرى مكالمات متعددة فائتة من رقم لا أعرفه. ثم تأتي رسالة نصية. وهي من صديقي العربي الذي يقول اتصل. يقول إنه أمر عاجل.
عندما اتصلت به مرة أخرى، أخبرني العربي أن جاره، وهو نائب وزير في الحكومة، يعاني من الحمى والتعب لبضعة أيام. اسمه عشال ويعاني من صعوبة في التنفس وعائلته قلقة للغاية. أخذوه لإجراء فحص بالأشعة المقطعية، لكنهم لا يعرفون كيف يفسرونها. أطلب منه إحضارها لي، لكنه يقول إنه بالفعل خارج منزلي.
أخرج واللاعبون يلعبون الكرة الطائرة بجوار البوابة كما يفعلون دائمًا في ليالي رمضان. عربي ينتظر على بعد أمتار قليلة في سيارة دفع رباعي جديدة مع رجل لم أره من قبل في مقعد السائق. أعطوني مظروفًا كبيرًا مع الصور والتقارير، والتي تقول: “التهاب رئوي غير نمطي (كوفيد-19)؟”
عربي يجلس في السيارة مع الرجل الآخر الذي علمت أنه ابن عشال. لذلك أقول له، “انظر، لن أخفي هذا عنك… والدك مصاب بفيروس كورونا. عليك أن تأخذه إلى مركز الأمل الآن”، حيث تتولى منظمة أطباء بلا حدود الآن مسؤولية مركز كوفيد-19.
يبدو قاسياً: “لا، لا، لا، لا يمكننا فعل ذلك. سوف يموت من الخوف”. أتوقف لبضع ثوان، أفكر بسرعة فيما سأقوله، وكيف أقول ذلك. أعتقد أنني يجب أن أكون حازمًا وأخيفه، وإلا فلن يأخذني على محمل الجد.
“سأخبرك بثلاثة أشياء، وعليك أن تفعلها بالضبط كما قلت، وإلا، عندما تشرق الشمس صباح الغد، لن يكون والدك على قيد الحياة.” أستطيع أن أرى الخوف والحزن في عينيه وأنا أقول هذا. أخبره أنني سأعطيه مقياس التأكسج النبضي أولاً وقبل كل شيء، وعليه أن يذهب إلى المنزل ويفحص قراءات والده، ويرسلها إلي. ثانيًا، عليه أن يلتقط الصور والتقارير التي لديه إلى مركز الأمل ويطلب منهم خطة علاج لمتابعته في المنزل. ثالثًا، ابحث عن الأكسجين الآن، واحصل عليه من أي مكان. أعطيته مقياس الأكسجة وأقول: “عليك أن تعتني به. ابذل قصارى جهدك.” (يمكنك شراء عبوات الأكسجين من متاجر المستلزمات الطبية، ثم يتعين عليك دفع مبلغ إضافي لملئها.)
عندما يأتي الصباح، لا يزال أحمد مريضًا لليوم الثاني. إنه متعب والحمى تأتي وتذهب. يرسل لي صديق رسالة يطلب مني النصيحة بشأن زوجته التي تعاني من التعب والحمى.
19مايو/أيار 2020
في اليوم السادس والعشرين من رمضان، يوم الثلاثاء، يمرض أحمد لليوم الثالث. ذهبت الحمى والتعب، فظن أنه يستطيع الصيام، وقد فعل، ولكن الآن يعاني من التهاب في الحلق. يبدو هذا النمط نموذجيًا، وفقًا لمعظم الأشخاص الذين عانوا منه، بمن فيهم أنا.
أنام تقريبًا حتى فترة ما بعد الظهر، ثم أستيقظ وأرى الكثير من المكالمات الفائتة ورسالة من صديقي سامي. تقول الرسالة “من فضلك اتصل بي عندما تستيقظ. أبي يبكي بسبب الصداع وألم عضلاته”.
اتصلت بسامي يأتي ليأخذني، أرتدي قناع N95، وأضع رذاذ الكحول في جيبي، وآخذ معي جهاز قياس ضغط الدم الرقمي. أولاً، توقفنا عند منزل العربي للحصول على مقياس التأكسج الخاص بي، وأخبرني أنهم عثروا على أكسجين لعشال، نائب الوزير، وهو الآن في غرفة منفصلة عن بقية أفراد العائلة.
يسألني العربي: “هل تظن أنني يجب أن أبتعد عنه أيضًا؟ لأنني قبلته للتو على جبهته “. أقول له أن يبتعد عن عشال وعائلته. من المحتمل أنه ناقل الآن. عندما أستعيد مقياس الأكسجة، أغطيه والبطاريات بالكحول، أفركه بيدي مثل قطعة من الصابون.
في منزل سامي، يبدو والده منهكًا. إنه في الخمسينيات من عمره وعادة ما يكون قاسيا ومضحكا. أتحدث معه لفترة من الوقت، وحيويته تبدو طبيعية. يعاني من آلام شديدة في الظهر، والصداع، وهو محروم من النوم. ليست الحمى عالية. أقول له ألا يصوم، وأعطيه بعض النصائح والأدوية الأساسية، وكذلك نصف حبة من العقاقير المضادة للقلق متوسطة القوة.
بعد ساعات قليلة، اتصل بي محمد كيو، وقال إنه خارج باب منزلي. إنه يحمل صورة بالأشعة السينية لصدره، وقد قام بذلك لأنه كان يشعر بالقلق منذ وفاة والده.
الكهرباء وأضواء الشوارع مطفأة، لذا أحاول أن أجد أي نوع من الضوء لأشاهد الفيلم. مما يمكنني رؤيته، يبدو صدره مليئًا بالضباب، وهو أمر ينذر بالخطر. يقول إنه يعاني من السعال فقط، لكن فني الأشعة السينية أخبره أن يرى الطبيب. محمد كيو مدخن، وليس لديه أي أعراض حقيقية لفيروس كورونا، لذلك أخبره ألا يقلق وأكتب له وصفة طبية لبعض شراب السعال.
لكنني أفكر في الأمر طوال اليوم، في البحث عبر الإنترنت. قد تكون عدوى فيروسية مثل فيروس كورونا تشبه في صورة الصدر بالأشعة السينية للمدخن الشره. لكن ما الهدف من إخافته؟ لقد كان مريضا بالفعل. مات والده للتو. جميع أفراد عائلته بالتأكيد أصيبوا بالفعل، أو مصابون الآن. لست متأكدًا مما إذا كنت على صواب أم خطأ في طمأنته.
20مايو/أيار 2020
في اليوم السابع والعشرين من رمضان، أي الأربعاء، ما زال أخي الأصغر أحمد مريضًا ولكنه صائم كما فعل بالأمس. لا يزال يشكو من التهاب في الحلق، لكن يبدو أفضل.
حوالي الساعة الثامنة مساءً، ظهر شقيق محمد خارج منزلي، حاملاً أشعة إكس على صدره، تمامًا كما فعل أخوه بالأمس. يقول إنه شعر بالمرض منذ أيام قليلة، وهو الآن على ما يرام، لكنه أجرى أيضًا الأشعة السينية لأن والده توفي. أقول، “لا تقلق، صدرك على ما يرام تمامًا”. لكنه ليست كذلك. يبدو تمامًا مثل أخيه. يبدو الأمر كما لو أنني أنظر إلى نفس الصورة أو مشهد في فيلم يعيد نفسه. أعتقد أن هذا هو ما تبدو عليه الأشعة السينية لشخص يتعافى من كوفيد-19.
بعد نصف ساعة، سمعت أن جارتنا، وهي ممرضة أعتقد أنها كانت في أوائل الخمسينيات من عمرها، قد ماتت. تعيش في شقة في المبنى الواقع على الشارع الرئيسي، وكل من في المبنى في حالة حزن. قالت لي إحدى جاراتها، “ماتت أم بنايتنا”.
في حوالي الساعة 10:30 مساءً، بينما أنتظر دوري في الصيدلية، كان أمامي شخصان يتحدثان. شخص واحد لا أعرفه يقول إنه لا يجب أن تستسلم أبدًا للمرض، يجب أن يتحرك الناس وليس الراحة. يقول الآخر، وهو جار يدعى حامد، “كل
ليالي رمضان الطويلة
22مايو/أيار 2020
في اليوم التاسع والعشرين من رمضان، يوم جمعة، انقطع التيار الكهربائي. يُصدر مولدي الصغير القديم الكثير من الضوضاء. عندما اشتريته قبل سنوات، قال البائع، “لا تجعله يعمل لأكثر من ست ساعات متواصلة، عليك أن تمنحه ساعتين للراحة على الأقل “. لكن لا رحمة في قلوبنا لهذا المحرك الصغير الجميل. نحن نحبه، لكن لا يمكننا تركه يرتاح. أبقيه يعمل حتى يفرغ خزان الوقود، ثم أتوقف لإعادة ملئه مرة أخرى.
أخي أحمد يشعر بتحسن. واليوم، يذكر إحساس الغرق الذي شعرت به أنا ومعاذ. يقول إنه غريب للغاية. “نعم نعم” قلت له، ويضحك معاذ، ويقول إن الأمر جنوني. أمي لم تفهمه، ولا أعتقد أنني سأصدق أن هذه الأعراض كانت موجودة إذا لم تكن لديّ.
بعد الإفطار، خرج أحمد ليحضر بعض الشوكولاتة والمكسرات بمناسبة عيد الفطر الذي يبدأ بعد غد. ربما تكون هذه عادة سخيفة، شراء هذه الأشياء، لكنها على الأقل تساعدنا على الشعور بالعطلة.
يعود محمد في الليل مرة أخرى، ومعه مظروف في يده، يحتوي على صور الأشعة المقطعية لعمه والتقرير. وضعت التقرير جانبًا ونظرت إلى صور رئتي عمه. قلت له: “انظر، لقد عرفت هذا بالفعل، ولكن الآن هناك تأكيد إضافي”. “عمك كان لديه كوفيد-19.” يقول إن عمه بخير الآن، لكني أخبره أن يجهز بعض الأكسجين كإجراء وقائي. يبدو أنه قلق.
لاحقًا، رأيت بعض الأضواء في شارعنا. إنه تجمع من الفنيين والمهندسين العاملين على الكابلات الكهربائية لدينا. الكثير من الجيران يراقبونهم بالخارج. أعتقد أنهم في الغالب بالخارج بسبب الحرارة الشديدة داخل منازلهم.
بالقرب من الكابل أرى شقيقين أعرفهما، نوار وماجد، ويقولان إنهما مريضان. أعمارهما 44 و38 سنة. يقول نوار إنه يعتقد أن والدته ستموت. أخبروني أيضًا أنهم سمعوا أن والدة صديقي عماد مريضة.
23مايو/أيار 2020
في آخر يوم من رمضان، يوم سبت، تصل الكهرباء عند الساعة الثانية صباحًا ولمدة ساعتين فقط.
بعد الإفطار، أذهب لشراء بعض لحم الخروف للعيد. في السوق أطلب نصف خروف، لكن الجزار يسأل، “لماذا، والدك دائمًا يأخذ خروفًا كاملاً!” أقول له نصف يكفي. بدون كهرباء، سوف يفسد كل شيء في ثلاجتنا، والتي هي في الأساس مجرد خزانة الآن.
في طريق عودتي إلى المنزل، رأيت عارف، فني كمبيوتر لديه متجر بجوار مقهى الإنترنت في شارعنا. أخبرني أن والدة عماد مريضة للغاية. حتى ذلك الحين كنت أعتقد أن مرضها كان خفيفًا جدًا.
عند الساعة 11 مساءً، عاد محمد قاهر إلى منزلي، وهذه المرة يرتجف. يقول إنه لم يستطع النوم الليلة الماضية، كان قلقا على زوجته وعائلته، وجميعهم على اتصال بعمه المريض، الشخص الذي فحصت صدره الليلة الماضية. “ماذا علينا ان نفعل؟” سأل.
أقول له أن يهدأ، ولا داعي للقلق: “فقط اتخذوا الاحتياطات، اغسل يديك، ويجب أن تفعل زوجتك نفس الشيء. ولا تتواصل مع عمك إلا إذا كنت حذرا. لا تقلق”. يغادر، لكن يمكنني أن أرى أنه خائف.
بعد بضع دقائق، تحدثت مع عربي، الذي يتحسن جاره عشال. يشكرني على ما فعلته، لأنه عندما أخفت ابن عشال نقل والده إلى المستشفى على الفور، لأنهم عندما جاءوا إلى منزلي في الليلة الماضية كانوا يخططون للذهاب للجلوس على الشاطئ ولعب بعض الألعاب عبر الإنترنت. كانوا سينتظرون ويأخذون عشال لرؤية الطبيب في اليوم التالي، يقول: “أعتقد أننا لو فعلنا ذلك فسيكون قد مات الآن”.
عطلة لا مثيل لها
24مايو/أيار 2020
في أول أيام عيد الفطر، يوم أحد، انتهى شهر رمضان أخيرًا. في الشهر الماضي، سمعت الكثير من الناس يقولون إنهم يرغبون في أن ينتهي الشهر. عادةً ما يحب الجميع رمضان، لكن ما حدث هذا العام جعله مختلفاً، لقد كان مخيفًا وفقد الناس التواصل الاجتماعي المعتاد والمرح.
الآن هو صباح عطلة العيد، ولأول مرة منذ فترة طويلة لدينا الكهرباء لمدة ست ساعات متواصلة. هذا عيد سعيد. أذهب للصلاة في المسجد مع أسامة ومعاذ. في البداية لم أكن أخطط للذهاب، لكن بعد ذلك رأيت أسامة يستعد، ثم رآنا معاذ، وتحمسنا جميعًا. آخذ معي وشاحًا لأضعه على الأرض فوق السجادة، وبالطبع رذاذ الكحول.
لكن عندما أصل إلى مصلى العيد، يا إلهي، يبدو المسجد وكأنه حاوية كبيرة ملوثة. السجادة تبدو نظيفة، لكنني أعلم أنها نفس السجادة القديمة. هناك الكثير من الناس، جميعهم تقريبًا يرتدون أقنعة. لكنهم يجلسون بالقرب من بعضهم البعض، وما زالوا يتصافحون ويعانقون ويقبلون مثل العيد العادي. هذا ليست طبيعيا. عندما يأتي الناس لتحيتي، أرفع مرفقي. وعندما أفعل ذلك، يقول لي أحدهم: “حقًا، هل أنت جاد؟”
في طريقنا إلى المنزل، نتوقف للحظة للحصول على بعض الخبز من المخبز، ثم نتجمع لتناول الفطور سعيد. الحمدلله أننا جميعًا ما زلنا هنا، عائلة كاملة.
بينما نجلس أمام التلفاز لمشاهدة بعض العروض الكوميدية، أُرسل رسائل تهنئة بالعيد إلى كل من أعرفه. أرسلت واحدة إلى عماد، وأرسل لي أطيب تمنياته، لكنه طلب مني أيضًا تعليمات حول كيفية استخدام الأكسجين لوالدته.
أذهب إلى الشاطئ لأسبح عند الساعة 5:45 مساءً، وهو مليء بالناس. أرتدي نظارات واقية وقبعة السباحة وأقفز فيها، على الرغم من أن جميع القوارب السياحية تسير بسرعة كبيرة في جميع أنحاء المنطقة التي يسبح فيها الناس. ذهبت إلى عمق مئات الأمتار في البحر. أشعر أنني بحالة جيدة حقًا بعد ذلك، خاصة مع كل ما يحدث، وكل التوتر. لا أقوم بأي اتصال مع الناس أثناء السباحة، لذلك لا أعتقد أنني أعرض حياة أي شخص للخطر.
فيما بعد توفي ياسر وهو في أواخر الثلاثينيات من عمره. إنه شقيق عبد الرحمن، سائق التاكسي، الذي توفي في وقت سابق من هذا الشهر. سمير، الشقيق الآخر لمالك مطعم السمك – مات أيضًا.
24مايو/أيار 2020
في اليوم الثاني من عيد الفطر، يوم اثنين، كانت الكهرباء سيئة كما هي من قبل، ساعتان ونصف، أو ثلاث ساعات ونصف في اليوم. نستيقظ جميعًا مبكرًا ونتناول إفطار العيد الثاني معًا. منذ أن كنت طفلا صغيرا، كنا نذهب في اليوم الثاني من العيد إلى منزل جدتي، لكن هذا العام لا يمكننا ذلك لأنها في الثمانينيات من عمرها وتعاني من الربو. كنت قد أخبرت أمي أن تخبر جدتي من أننا لن نأتي، لكن هذا صعب لأنها تعيش بمفردها، وهي وحيدة منذ أن توقفت بناتها عن تجمعهن الأسبوعي يوم الخميس بسبب فيروس كوفيد-19.
أقود السيارة مصطحبا والدتي لرؤية جدتي، لكني أخبر والدتي أنهن لن يستطعن العناق أو التقبيل، يمكنها فقط مصافحة والدتها وربما تقبيلها، وبعد ذلك يتعين على الجميع غسل أيديهم. أبقى في غرفة منفصلة وألقي التحية على جدتي من مسافة بعيدة، وهذا أمر غريب. روح العيد مفقودة حقا هذا العام.
عند الساعة 8 مساءً، بدأ خضر بمراسلتي يسألني عن بعض الأدوية التي وصفها الطبيب لأمه التي كانت تعاني من مشاكل في التنفس. يأتي إلى منزلي مع تصوير صدرها بالأشعة السينية، ويبدو الأمر مألوفًا. أقول لنفسي: “هذا ليس جيدًا”. يقول خضر إنه يحاول شراء مقياس تأكسج نبضي منذ أيام، لكنه مكلف للغاية.
أخبرته أنني أشك في أن والدته مصابة بـ كوفيد-19، ويمكنه استخدام مقياس التأكسج الخاص بي، أو من الممكن الحصول عليه من أي شخص في الحي تعافى، أخبرته أنه قد يحتاج أيضًا إلى الأكسجين.
أنا ومعاذ وأسامة وبعض الأصدقاء الآخرين نذهب للعب كرة القدم. معاذ يرتدي قناعا عندما نلعب. أنا لا أفعل ذلك.
في وقت لاحق من تلك الليلة، سمعت أن والدة شقيقين توفيا هذا الشهر، ياسر وعبد الرحمن (سائق التاكسي)، قد توفيت هي الأخرى. إذا اعتقدت أن العيد سيء، فما مدى سوء ذلك على أسر المتوفيين؟ ولا يزال هناك بعض الناس هنا لا يؤمنون بهذا المرض. ما الذي يجب أن يحدث ليصدقه الناس؟
26مايو/أيار 2020
في اليوم الثالث من عيد الفطر، يوم ثلاثاء، اتصل خضر وطلب مني الحضور إلى منزله لشرح كيفية إعطاء والدته الدواء. لا أريد أن أذهب، لأنهم حقًا لا يحتاجون إلى الحضور الجسدي لطبيب، لكن يبدو أنه قلق ومربك حقًا.
لذلك أخبره أنني سآتي، لكن علينا أن نأخذ سيارات منفصلة. لا أريد أن أركب سيارته. ارتديت بدلة المواد الخطرة لأول مرة، وقناع N95، وأخذت رذاذ الكحول، وذهبت إلى منزلهم. أنا لا أرتدي القفازات لأن لدي الرذاذ.
داخل المنزل، أرى عم خضر، وخمسة أكياس بلاستيكية مليئة بالسوائل الوريدية، والحقن، والمضادات الحيوية، وأدوية الملاريا والربو، ومثبطات الحمى، والفيتامينات، وحبوب فقر الدم. كل هذا وصفه طبيب خاص. أعتقد أن هذا مبالغ فيه، وأخبروهم أنه يجب عليهم الذهاب إلى مركز أطباء بلا حدود وطلب مشورتهم. أقول “لا تعترف بها”. “فقط اسأل عن نظام العلاج، لأن هذا الدواء كثير”.
يصرون على أن أجلس، لكني أرفض. أبقى واقفا ولا ألمس أي شيء. يسأل والد خضر عن سبب الصرامة الشديدة، وأقول له هذا من أجل سلامتهم.
أغادر بعد حوالي ساعة. أخلع بدلة المواد الخطرة خارج السيارة، وأقلبها من الداخل للخارج، وأضعها في كيس بلاستيكي في صندوق السيارة. أرش يدي بالكحول، وفي المنزل أضع كل ملابسي في دلو من الماء بالصابون. أعلقهم، مع البدلة والقناع، على حبل الغسيل بالخارج انتظارًا لشمس الصباح.
رسائل يائسة من قرية نائية
غالبًا ما يهتم أفراد الأسرة بأقاربهم دون مساعدة، ويتساءل الدكتور درويش ما كان يجب أن يقول لهم الحقيقة.
“أعتقد أن أفضل طريقة لمساعدة المريض هي عدم إخباره بما أفكر به حقًا، وهو أن والده مصاب بـ كوفيد-19”.
27مايو/أيار 2020
في اليوم الرابع من شوال، يوم أربعاء، أقضي معظم اليوم في ترديد ما قلته لخضر وعمه عبر الهاتف. يتصلون ويرسلون كل ساعتين أو نحو ذلك.
28مايو/أيار 2020
في الخامس من شوال، يوم خميس، أرسل لي شقيق خضر الأصغر رسالة في الساعة 12:20 صباحًا بمزيد من الأسئلة حول أدوية والدته. في المساء، أحضر خضر مقياس التأكسج النبضي. يقول إنه حصل على مقياس من مريض آخر تعافى.
29مايو/أيار 2020
في اليوم السادس من شوال، يوم جمعة، كان الصباح هادئا. جاء خضر وطلب استعارة مقياس التأكسج النبضي لأن المقياس الذي حصل عليه لا يعمل. ألعب بعض كرة القدم في وقت لاحق، وفي حوالي الساعة العاشرة مساءً، أخرج لشراء الفاكهة. أرى علوي الذي يقود سيارته ويتوقف للحديث. يسألني عن والده الذي يقول إنه يعاني من حمى خفيفة وتعب وفقد حاسة الشم والذوق. أسدي له بعض النصائح وأطلب منه منع والده من الخروج، خاصة من الذهاب لرؤية جد علوي.
30مايو/أيار 2020
في اليوم السابع من شوال، يوم سبت، بعد حوالي ساعتين من منتصف الليل، ترسل لي امرأة أعرفها، رسالة من صنعاء تطلب فيها المساعدة العاجلة. المرأة تعمل في مؤسسة إعلامية دولية ولست متأكدًا من سبب اتصالها بي – ربما أكون الطبيب الوحيد الذي خطر ببالها في تلك اللحظة – لكنها تقول إن شقيق زوجها في قرية نائية في محافظة إب، مريض منذ خمسة أيام، ويسعل ويواجه صعوبة في التنفس. ذهب إلى القرية للعيد، ومرض هناك، وجميع العيادات والمستشفيات مغلقة. أخبرهم أن يحاولوا إجراء بعض الفحوصات المخبرية، وأقول إنني سأتابع حالة المريض عن بعد.
لاحقًا، اتصل بي ربيع، ابن الرجل، المريض في إب، شرحت له كيف يعتني بوالده. جميع الاختبارات المعملية تقريبًا طبيعية، ولكن من وجهة نظري، مع هذا التفشي وكل هذه الأعراض المختلفة، من الأفضل افتراض أن المريض مصاب بـ كوفيد-19، خاصةً عندما نستبعد كل شيء آخر. يقول ربيع أن والده لم يأكل منذ ثلاثة أيام. أعطيته قائمة بالسوائل الوريدية والأدوية والفيتامينات التي ينبغي أن تساعد، لكنه يقول إنه ليس لديهم أي صيدليات في القرية أو البلدة المجاورة. يقول إن هناك ممرضة واحدة يمكنها فحص ضغط الدم.
في وقت لاحق من تلك الليلة، رأيت جارًا يخبرني أن شقيقه الأكبر مريض ويعزل في المنزل. ويقول أيضًا إن جارنا حامد وشقيقه، اللذين فقدا والدتهما قبل عشرة أيام بسبب فيروس كورونا، موجودان في مركز العزل التابع لأطباء بلا حدود.
أقضي الليل كله في الرد على رسائل ربيع في إب. إنه قلق على والده، وهو وحيد معه.
31مايو/أيار 2020
في اليوم الثامن من شوال، يوم أحد، أقضي معظم الليل، حتى حوالي الساعة 4:30 صباحًا، على الهاتف مع ربيع في إب، وأتحدث معه في كل شيء وأحاول السيطرة على حمى والده. يسألني باستمرار، “ما رأيك في والدي؟” أقول إنه على الأرجح مجرد إنفلونزا. ربيع يبلغ من العمر 21عامًا فقط، وهو يعيش في قرية نائية، ولا أريد أن أخيفه أو أفقده تركيزه. لذلك أعتقد أن أفضل طريقة لمساعدة المريض هي عدم إخباره بما أفكر به حقًا، وهو أن والده مصاب يـ كوفيد-19. ربما سأخبره لاحقًا، عندما يكون مستعدًا بشكل أفضل.
في فترة ما بعد الظهر، أرسل لي رسالة تفيد بأن والده يشعر بتحسن قليل ويشرب السوائل.
عند الساعة 11:30 مساءً، رأيت مكالمة فائتة من صديقي في الحي، محمد، الذي يبحث عن مقياس تأكسج النبض لوالده، الذي يقول إنه مريض. في النهاية يجد واحدًا.
يونيو/حزيران 2020
في اليوم التاسع من شوال، الاثنين، الساعة 12:30 صباحًا، أرسل لي محمد، موضحًا أن والده وجدته مريضان. توقفت جدته عن الأكل وفقدت حاسة الشم والتذوق. لقد عرضوها على طبيب متخصص، وصف لها الأدوية التي يتم اعطاؤها للمرضى، لما يشبه أعراض كوفيد-19.
يسأل عن رأيي في الأدوية، وأقول له إن الطبيب الذي وصفها هو أكبر مني، لذا حتى لو لم أشعر بالراحة تجاهها فهو لا يزال الخبير. لكنني قلق بشأن كيفية تعامل أجسام والده وجدته مع كل تلك الأدوية، والتي تشمل بعض الأدوية المضادة للملاريا.
أطلب من محمد أن يصف كيف بدأ الأمر بوالده البالغ من العمر 56عامًا. يقول إنه بدأ بالحمى في آخر يوم من رمضان، ثم في اليوم الخامس بعد العيد أصبحت الحمى أقوى، والآن هو منهك ولا يستطيع شم أو تذوق الطعام. لديه بالفعل مشاكل في القلب. قال لي محمد إنه خائف.
أقول “انظر، سأخبرك بالحقيقة”. “من الممكن أن يكون والدك مصابًا بفيروس كورونا. لذلك دعنا نفترض أنه مصابا، ونحاول دعم جسده ونظامه المناعي، ونراقبه عن كثب “. أخبره أن يحصل على الأكسجين. نقضي ما يقرب من ساعتين في الحديث. تنتهي المحادثة بقولي: “افعلوا أفضل ما لديكم. كل شيء سيصبح على ما يرام. اتصل بي في اي وقت.”
بحلول الظهيرة، كانت مستويات الأكسجين لدى والده غير جيدة (كان لدى محمد O مقياس تأكسج نبضي حتى يتمكن من التحقق)، لكن لديه خزان أكسجين جاهز وأخبرته أن الوقت قد حان لارتدائه. ينام والده، وأطلب منه أن يصور له فيديو حتى أتمكن من حساب تنفسه. أحصي: إنه 48 نفسًا في الدقيقة. هذا ليس جيدا. لن أخفيه: شعرت بالخوف.
بعد ظهر ذلك اليوم، جلست مع أمي، وأخبرها بما يحدث مع والد محمد. أقول لها إنه بهذه العلامات يجب أن يكون في العناية المركزة. أنا قلق حقًا إنه لن ينجو.
خلال النهار، أتواصل مع ربيع في إب بشأن والده وخضر بشأن والدته. كلاهما يتحسن. لكنني سمعت أيضًا عن رجل آخر، وهو صديق مقرب من عائلة خضر، نُقل إلى المستشفى.
أذهب مع أسامة ومعاذ وبعض الأصدقاء الآخرين للعب كرة القدم في مدرستنا القديمة، لكننا لم نبدأ حتى عندما جاء خضر متسلقًا من فوق الجدار طالبًا المساعدة في حفر قبر لصديق عائلته الذي توفي للتو. أتذكر النظرة على وجوه الجميع. جاؤوا للعب كرة القدم، لكنهم لم يستطيعوا الرفض.
أرى عماد في الشارع، ونتحدث عن والدته، التي هي أفضل الآن، وكيف أشعر بالقلق على والد محمد، وأخبره عن هذا المرض: يصيبك بشدة، فأنت تمرض بسرعة، وبعد ذلك هناك يومين أو ثلاثة أيام حرجة. إذا حصلت على رعاية جيدة خلال ذلك الوقت، يمكن للمريض البقاء على قيد الحياة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الفرص منخفضة.
لاحقًا، في المساء، أخبرني أسامة أن جد صديق آخر قد مات، وأنهم بحاجة للمساعدة في حفر قبر له.
2يونيو/حزيران 2020
في اليوم العاشر من شوال، الثلاثاء، أخبرني محمد أن والده كان أفضل اليوم. أخذت نفسا عميقا وأقول في نفسي: “الحمد لله”. لكن حالة جدته أسوأ. أعطيته بعض التعليمات وأطلب منه إبعاد جدته عن والده.
مازلت أتابع مع ربيع في إب. أصبح والده غير مستجيبا للعلاج، وهو أمر طبيعي. أحاول تشجيعه على أن يكون لطيفًا، وأخبره أن هذه الأيام القليلة ستكون صعبة، لكن بعد ذلك ستتحسن. أخبرته أن يحصل على مقياس التأكسج النبضي من أي مكان، ويرسل لي بعض الأشعة السينية الي أخذها لصدر والده، أخبرهم شخص ما في المركز الصحي الذي ذهبوا إليه أن الأشعة السينية تظهر بداية فيروس كوفيد-19.
أقول له أن يحاول الهدوء، لأنه يبدو أنه يفقد عقله. لم يرد على رسالتي الأخيرة.
عند الساعة 7 مساءً، من تلك الليلة توفي ابن جارنا في حادث سيارة، ودعا خالد أسامة وصبري والآخرين ليأتوا للمساعدة في حفر قبره.
يقول أسامة إننا أصبحنا مثل الرجال في النعش الراقص، حاملي النعش من غانا الذين يرقصون في الجنازات. يشارك الجميع مقاطع الفيديو الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي الآن – إنها مزحة قاتمة حول كيفية وصول فيروس كورونا لنا جميعًا.
3يونيو/حزيران 2020
في اليوم الحادي عشر من شوال، الأربعاء، أخبرني محمد أن والده بخير، لكن جدته تعاني من الجفاف لدرجة أنها لا تستطيع التبرع بالدم لإجراء الفحوصات المخبرية. ترفض الشرب، حتى أنه تلقى مكالمة من عمه من الخارج لتشجيعها على التعاون. يبدو أن هذا قد ساعد قليلاً.
في محافظة إب، أخذ ربيع والده إلى مستشفى يعالج حالات كوفيد-19، حيث أجروا المزيد من الفحوصات والمسح الضوئي. لم أكن لانصحه بالذهاب إلى هناك لأنه من الواضح بالفعل أن والده مصاب بفيروس كورونا. أرسل لي صورة للأدوية التي قدموها له، بما في ذلك نوعان من المضادات الحيوية، والتي ستكون منطقية إذا كان يعاني من عدوى بكتيرية في الصدر. لا أعتقد أنه كذلك. أخبرته مرة أخرى أنه يجب عليه أن يحاول العثور على مقياس تأكسج النبض حتى يتمكن من مراقبة والده، وأن أفضل علاج الآن هو الراحة.
في حوالي الساعة 5 مساءً، يرسل لي كابتن فريقنا الرمضاني لكرة القدم نتائج المختبر وتقرير من الأشعة السينية على الصدر التي أجراها لوالده. الكثير من الناس يأتون إليّ بهذه الأنواع من الصور ونتائج الاختبارات لأن الأطباء يجرون اختبارات دون الاستماع أولاً إلى مرضاهم أو سماع قصصهم. يجب على الأطباء استخدام هذه الأدوات كطريقة واحدة لتفسير ما لدى المريض، وليس الطريقة الوحيدة.
أطلب من الكابتن أن يرسل لي ما لديه على أي حال، وعلى الرغم من أن شخصًا ما في المستشفى أخبره أن والده قد يكون مصابًا بالملاريا، فإنني أشك أنه مصاب بفيروس كورونا. يقود سيارته إلى منزلي ويطلب مني ركوب سيارته لأن فيها مكيف هواء فيما الجو حارًا بالخارج، أخبرته أنها ليست فكرة جيدة. من الأفضل ألا أركب سيارة ربما استخدمها والده، لأنني قد أصيب العديد من الناس بالعدوى.
يصر على سماع ما أعتقده، لذلك أخبره مباشرة بما أشك فيه. أعطيته مقياس التأكسج النبضي، وأطلب منه استخدام هاتفه لالتقاط صورة له على إصبع والده، وإرسالها لي برسالة نصية. أكتب وصفة طبية لسعال والده، وأطلب المزيد من الفحوصات، وأقول له أن يكون على اتصال.
4يونيو/حزيران 2020
في اليوم الثاني عشر من شوال، الخميس، بعد منتصف الليل ببضع دقائق، أتحدث إلى ربيع الذي يعيش في محافظة إب وأحاول تشجيعه. أطلب منه التمسك ومحاولة التحلي بالصبر على والده، لمدة يوم أو يومين فقط.
يبدأ المطر عند الساعة 2 صباحًا، بدءًا ببضع قطرات ثم بغزارة، كما لم أرها من قبل. أخرج على سطح غرفة الضيوف، المنفصلة عن المنزل الرئيسي، لأنني أريد التأكد من عدم دخول الماء إلى النافذة. أقف هناك، أجرف المياه من السطح، بينما تدعوني أمي للحضور. أواصل الكنس، لكن الماء لا يتوقف. انقطعت الكهرباء، ومازال وميض البروق تجتاح السماء وأستطيع رؤية الحي كله. أنا متعب وبارد.
ذهبت إلى الداخل الساعة 3 صباحًا وأرى رسالة من ربيع. يقول: “والله إني مدين لك بحياة”. والده يشعر بتحسن. أقول له إنه لا يدين لي بأي شيء، لا تقل ذلك أبدًا.
أتحدث إلى محمد؛ يقول إن والده وجدته بخير الآن، لكن شخصًا آخر نعرفه، وهو ياسر، مريض. إنه في الخمسينيات من عمره، وقد أصيب بالحمى لمدة أسبوع تأتي وتختفي. إنه يشعر بالدوار ولا يمكنه تذوق الطعام. إنه متعب. أعطيه بعض النصائح وأطلب الفحوصات المخبرية. في وقت لاحق، أرسل لي صورة بالموجات فوق الصوتية لجدته، والتي تظهر الكثير من المشاكل في كليتيها. أخبره أنه بحاجة لرؤية متخصص لهذا.
5 يونيو/حزيران 2020
في اليوم الثالث عشر من شوال، يوم الجمعة، حوالي الساعة الواحدة صباحًا، أرسل لي محمد نتيجة اختبار ياسر. كلها طبيعية، باستثناء ارتفاع الجلوكوز. قد يكون السبب هو أنه مصاب بالسكري ولا يعرف، أو ربما تكون المستويات مرتفعة بسبب التوتر. أقول لمحمد أن يضع ياسر على نفس النظام الذي اتبعناه مع والده. عائلة ياسر تريده أن يخضع لأشعة إكس لكن أنصحهم بعدم فعل ذلك. أقول إننا على الأرجح نتعامل مع فيروس كورونا وأي حركة أو مجهود إضافي قد يعرضه للخطر.
في وقت لاحق من الصباح، أرسل لي شخص آخر رسالة نصية لطلب النصيحة بشأن ما يجب فعله حيال زوجته التي لا تأكل، والتي تعاني من الصداع، والتعب، والدوار طوال الوقت. نتحدث لمدة 30 دقيقة.
حوالي الساعة 5:30 مساءً، أرسل لي محمد رسالة تفيد بأن جدته مريضة جدًا مرة أخرى، ويعتقد أنها قد تموت. أرسل لي قراءات مقياس التأكسج النبضي، وأقول له أن يبقيها على الأكسجين في جميع الأوقات. أحاول الاتصال به أكثر من 20 مرة، لأن القراءات تشير إلى أنها تحتضر. لا يجيب. بعد ساعتين ونصف أرسل لي رسالة يقول فيها إنه يعتقد أنها ماتت. أسأله إذا كان يريدني أن آتي وأتفقد. لكنه لا يستجيب حتى حوالي الساعة 11 مساءً، عندها قال فقط “انتهى الأمر”. أعتقد أنه يعني أنهم دفنوها بالفعل.
عمي سالم
6يونيو/حزيران 2020
في اليوم الرابع عشر من شوال، يوم سبت، بعد حوالي 30 دقيقة من منتصف الليل، أرى رسالة من عمتي إيمان، أستاذة علم الأمراض. تقول إن زوجها، عمي سالم، مريض، ولا تعرف ما إذا كانت مشكلة في الكلى (كان يعاني منها منذ سنوات)، أو حمى الضنك، أو ماذا. سالم يبلغ من العمر 68 عاما، وهو أستاذ الطب الباطني منذ السبعينيات. لقد علم والدي وأمي وأنا.
تبدو جميع نتائج مختبر عمي طبيعية، باستثناء كليتيه. سألت إيمان بعض الأسئلة عن تاريخ سالم الطبي، تقول إنه يأكل ويشرب الماء. أخبرتني إيمان أن لديها مقياس تأكسج نبضي لكنه مع ابنها صلاح لأنه يعتقد أنه مصاب بفيروس كورونا. إنها قلقة على صلاح، لكنني لست كذلك، لأنه يبلغ من العمر 30 عامًا فقط. أخبرها أن تضع بعض الكمادات الباردة على عمي لخفض درجة الحرارة، واستعادة مقياس الأكسجة من ابنها حتى تتمكن من مراقبة حالته. الأكسجين.
قبل التاسعة مساءً بقليل يرسل محمد نتائج مختبر ياسر. أعطاه أحد المتخصصين الكثير من الأدوية المختلفة التي رأيت أشخاصًا آخرين يتناولونها، بما في ذلك المضادات الحيوية ومضادات التخثر، وبعد ذلك تدهورت صحتهم. أنا لا أحب النظام، لكن في نهاية المطاف، أنا ممارس عام ولست متخصصًا. أوعز إلى ياسر أن يستريح، وربما يمشي مرة في اليوم داخل غرفته للحفاظ على تدفق الدم.
عند الساعة 10:30 مساءً، تقول عمتي إن عمي سالم أصبح متعبًا فجأة، لذا حصلوا على ممرضة أعطته سوائل وريدية. وتقول إن الممرضة جهزت خزان أكسجين لكنها قالت ألا تستخدمه والاحتفاظ به هناك كإجراء احتياطي. الآن، سالم نائم، لكنه يصدر أصواتًا وكأنه يتألم.
أطلب منها أن ترسل لي صورة لمقياس التأكسج الموجود بإصبعه، وهو 72 بالمائة للأكسجين، و102 للنبض. هذا يخبرني أنه يعاني، وأن قلبه يحاول التكيف مع انخفاض الأكسجين بمحاولة ضخه بشكل أسرع. أطلب منها أن تحاول حساب عدد الأنفاس التي يتنفسها في كل دقيقة، لكنه يرفض ويقول إنه يريد النوم.
7 يونيو/حزيران 2020
في اليوم الخامس عشر من شوال، اليوم أحد، حوالي الساعة الواحدة صباحًا أتحقق مع محمد بشأن والده وياسر. والده بخير ولكن ما زال يعاني من السعال، وجاره ياسر لديه قراءات منخفضة على مقياس التأكسج، لذلك طلبت من محمد أن يحضر خزان الأكسجين الذي لديه من منزله إلى ياسر، وأعلمه كيفية استخدام الخزان. أقول له إن عليه أن يشجع ياسر على التنفس بعمق وببطء.
ينقطع التيار الكهربائي في الساعة الثالثة صباحًا، لذلك نحافظ على تشغيل المولد. ضجيجه أصبح بالنسبة لي أجمل سيمفونية. جميع المراوح تعمل بفضل المولد لكن المنزل لا يزال يغلي؛ إنها مثل الساونا بالداخل.
أجلس مع أمي وأسامة وأحمد في الخارج في الفناء ونتحدث عما يحدث مع عمي سالم. أقول لأمي ألا تطبخ أي شيء، الجو حار جدًا بشكل لا يصدق. لذلك خرجت لشراء الغداء، وعندما أعود مع الطعام، قبل الساعة الثانية مساءً بقليل، أوقفني جاري هاني وقال إن زوجته مريضة ولديها مكرفس، وهو اسم محلي للشيكونغونيا. أحاول أن أشرح له أن هذا ربما ليس ما هو عليه، وقد صُدم.
يمر جار آخر في سيارته ويمكنني رؤية الرطوبة على النوافذ مع تشغيل مكيف الهواء. يعرض على توصيلة، لكني أقول، “لا تقلق، يمكنني المشي، إنها قريبة.” إنه ليس قريبًا والحرارة لا تطاق، لكن لا يمكنني أن أكون في سيارات الآخرين الآن. ماذا لو أعطيتهم شيئًا؟
عند الساعة 4:30 مساءً، أخبرتني أمي أن عمتي تقول إنهم يفكرون في أخذ عمي سالم لإجراء بعض فحوصات الدم والأشعة المقطعية، لكنني قلق من أن أي حركة يمكن أن تقتله إذا لم يكن هناك أكسجين في السيارة. أقول لأمي أنني أعتقد أنه سيموت.
لاحقًا، اتصل طبيب أعرفه، وقال إن الكثير من الأطباء يعرفون عمي سالم، وقد أعدوا له مكانًا في وحدة العناية المركزة في المستشفى الجمهوري، أحد أكبر المستشفيات الحكومية في عدن، والتي تعمل به منظمة أطباء بلا حدود. لكن لا يمكننا الاتصال بخالتي أو عمي لإخبارهم بذلك، لذلك أخرج لشراء العشاء، وأثناء إعداد الطعام لنا لتناوله، عند الساعة 10 مساءً أو نحو ذلك، تتلقى أمي رسالة تقول: سالم قد مات.
مات عمي سالم، الرجل الذي علمني الطب، الرجل الذي لم أره غاضبًا. الرجل الذي كان يبتسم دائمًا، يلكمني على كتفي ويضحك. سالم الذي يعرف الكثير عن الطب لدرجة أنه عندما يتحدث لا أستطيع استيعاب كل شيء. لقد مات. أنا أصرخ وأنا غاضب والدموع في عيني.
يتحقق خضر عدة مرات على مدار اليوم من زوجته التي تعاني الآن من الإسهال والحمى، ويتصل بعد حوالي ساعة من وفاة سالم ليقول إنه فحص ضغط دمها كما طلبت، وأنه منخفض. لذلك أطلب منه أن يعطيها السوائل.
8يونيو/حزيران 2020
في اليوم السادس عشر من شوال، يوم اثنين، بعد منتصف الليل ببضع دقائق، دخل معاذ وقال إن جارنا حامد قد مات أيضًا. كان عمره 37 عامًا. توفيت والدته قبل أقل من ثلاثة أسابيع. بعد ساعة، أخبرني معاذ أن الدكتور أحمد، صديقي وفي نفس عمر حامد، في حالة حرجة وفي مركز الأمل التابع لمنظمة أطباء بلا حدود.
لم أنم منذ خبر وفاة عمي. الساعة 3:30 صباحًا. يقول أخي أحمد إنه يخطط للذهاب إلى المقبرة. قلت له: “حسنًا، سأذهب معك”.
“ما هي خطة الصلاة؟” نريد تجنب الذهاب إلى المسجد الكبير في عدن للصلاة، لأنه ضخم وكان الكثير من الناس يذهبون إليه للصلاة على الموتى. يقول أحمد إنه سيصلي في المسجد هنا في حينا. “ماذا عنك؟” سأل؛ “إنني سأصلي في المنزل”، وعندما ينتهي من الصلاة في المسجد يمكنه اصطحابي وسنذهب معًا إلى المقبرة. يمكننا أن نصلي من أجل الموتى معًا هناك، وسيكون الأمر على ما يرام لأننا لا نحتاج إلى الركوع أو الاقتراب من الأرض كما نفعل مع الصلوات الأخرى.
الدفن يحدث دائمًا بعد الصلاة مباشرة، لذلك نقود السيارة إلى المقبرة عند الساعة 4:45 صباحًا، أنا وأحمد وصديقنا صبري. في البداية، لم يكن هناك أحد، لكن بعد حوالي 20 دقيقة نرى المصابيح الأمامية للسيارات قادمة. توقفت السيارات وخرج الناس حاملين نعش عمي سالم.
أرى مروان، ابن عمي سالم، وهو طبيب أسنان يبلغ من العمر 36 عامًا، يرتدي قناعا ويقف بالقرب من حفرة في الأرض. إنه يراقب الناس وهم يحاولون الحصول على الشكل الصحيح للقبر قبل أن يضعوا والده، عمي، بالداخل.
يوجد الكثير من الناس هناك، لذا أحاول أن أبتعد عنهم. يرتدي معظم الناس أقنعة، وبعض القفازات، لكن أحمد وأنا لسنا كذلك. على الرغم من كل شيء، فإن الناس يقبلون ويعانقون ويصافحون. أضغط على مروان برفق على ظهر كتفه لأقدم له التعازي.
بينما نحن لا نزال هناك، يصل موكب جنازة صديقي حامد. أرى بعض الأشخاص الذين أعرفهم، وأحييهم من مسافة بعيدة أيضًا. ثم أذهب لأقدم التعازي لأخ حامد الأكبر، وهو يحاول مصافحتي، لكني أقول له إنه من الأفضل لكلينا ألا نفعل ذلك. هز رأسه بالموافقة. بعد بضع دقائق نصلي معًا: أنا وأحمد وصبري وعدد قليل من الرجال الآخرين. بعد ذلك سأذهب إلى البيت، أنام لبضع ساعات، وعندما أستيقظ بعد الظهر بقليل، كانت أمي ترتدي ملابس سوداء، وتستعد لزيارة أختها إيمان، زوجة سالم. شغلت السيارة وأقودها مصطحبا والدتي إلى منزل أختها، الذي يقع في مجمع سكني جنوب عدن، بالقرب من الساحل. أوقف المحرك ونسير معًا إلى البوابة، لكنني قررت العودة إلى السيارة. لماذا أذهب إلى الداخل على أي حال؟ أمي تريد لحظة بمفردها مع أختها.
بعد خمس دقائق، بينما أكتب هذه الملاحظات على هاتفي، يأتي ابن عمي مروان ويطرق على نافذة السيارة. أخبرني أن أتخذ جميع الاحتياطات الممكنة مع أمي، ليطلب منها أن تغسل يديها ولا تلمس وجهها.
عندما خرجت أمي بعد ساعتين، قمت برش السيارة بالكحول ثم أطلب منها أن تفتح يديها وتضع بعضًا منه عليها. ثم أطلب من أمي أن تخلع عبايتها. أقول لها أن تقلبها من الداخل للخارج. “هنا، في الشارع؟” تسأل. الشارع فارغ لذا أقول “نعم”. القيام بذلك هو أحد ضرائب زيارة الناس أثناء الوباء. تقوم بذلك، وتضع عباءتها في الجزء الخلفي من السيارة، وتدخل. عندما نصل إلى المنزل، تنظف أمي كل شيء، حتى حقيبتها.
أغير ملابسي أيضًا، وأجري إلى الشاطئ للسباحة. أعتقد أنني بحاجة إلى بعض التمارين أو سأصاب بالجنون. أنا أسبح لمدة 30 دقيقة فقط، لكني أشعر بتحسن قليل.
نبذة على الكاتب
رسم | عدلي ميرزا
فنان وأستاذ للغة العربية مقيم في هاواي