أصبح تسييس التعليم في اليمن بمثابة إجراء روتيني للسلطات المتعاقبة على الحكم، إذ سرعان ما تقوم بتحويل مناهج التدريس إلى حلقة من حلقات التوجيه الإعلامي، وأداة قهر إيدلوجية تأمل بوقف التحولات الإجتماعية أو توجيهها وفق رؤى السلطة.
منذ لحظة إنقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لم تكتف الجماعة بدس أفكارها في مناهج التعليم المدرسي، بل قامت عبر وزارة التعليم العالي التابعة لها بفرض مادة على التعليم الجامعي تحت مسمى ” الصراع العربي الإسرائيلي”؛ المادة لا تهدف إلى بث أفكارها فحسب، إنما تفعل أكثر من ذلك بكثير، حيث تبرر اندلاع الحرب، وإستمرارها، ضد الخصوم الذين تمنحهم شتى الأسماء.
تفتتح المادة مواضيعها بشيطنة اليهود، وتكرس جهودها في إستعادة صراعات الماضي،
ومن ثم تستحضر آل البيت عبر الخلفية البيولوجية التي يدّعون إرتباطها بصاحب النبوة؛
كي تُذكِّر بالنوايا التي انكشفت قبل ١٤ قرناً من الزمن، والتي ما تزال قائمة حتى اليوم.
تقسم المادة المجتمع إلى قسمين: مسلمين ويهود، ومسلمين ومؤمنين، وتطرح تقسيم جديد لليهودية وهو يهود الدم و”يهود الروح”، بعد أن تعرض مطولاً تاريخ العداوة القريب والبعيد بين الديانتين، حتى يتسنى لها إتهام خصومها من المسلمين باليهودية، كونها هجرت يهود الدم من البلاد. وتقترب في خطابها من إستخدام (نحن) و(هم) في التقسيمات الجديدة.
حيث تطلق على خصومها من المسلمين بيهود الروح كإدانة تامة، ومن ثم تشير بخفة إلى أفضلية “المؤمنين الحقيقين” عند الله عن بقية المؤمنين؛ أي أن الإيمان قد ارتبط مسبقاً بسلالة معينة تورثه قبل أن تكتسبه
تقول جماعة الحوثي إن حقوق الإنسان مفهوم ناتج عن الإحتلال الثقافي وذلك يعارض كتاب الله وسنة رسوله.
تقوم مادة “الصراع العربي الإسرائيلي” بإعادة تقديم الحوثي دينياً، وترسخ فيما بعد خلاف بين القرآن وحقوق الإنسان، بالقول إن حقوق الإنسان نتاج الإحتلال الثقافي، ويعارض كتاب الله وسنة رسوله، حيث يُوصف الذين ينادون بحقوق الانسان بآية من القرآن (اللذين يؤمنون بالجبت والطاغوت)، كما تستنكر إعطاء الحيوان حقوق، وهو أدق ما يمكن قوله عن جماعة انسلخت عن جميع القيم الإنسانية.
تؤسس جماعة الحوثي بنية جديدة لثقافة الموت، إبتداءاً من اللغة حيث تحيل بعض المفاهيم مثل “المثابرة” و”الكفاح” إلى مفردة “الجهاد”، إنتقالاً إلى تعنيف كتب المدرسة، وإصدار مجلة شهرية للأطفال (مجلة جهاد) التي تمجد الموت والشهادة، إنتهاءاً بتحويل مأساة الموت إلى فعل طبيعي وقدر مشروع في سبيلها.
وهو جزء من جهود جماعة الحوثي بتحويل المجتمع إلى معسكر، كونها تحتاج إلى مقاتلين لا مواطنين.
يعود الماضي في مادة الصراع العربي الإسرائيلي كمشروع واجب، حيث تنطلق منه المادة بدراسة الحاضر واستشراف المستقبل، إذ تكتسب جماعة الحوثي قدسيتها المزعومة من الماضي، عبر دعوات الإرتباط البيولوجي بالنبي محمد. ومن ثم تستعرض شكل الحكم الذي تحتاجه الأمة الإسلامية، وهو أقرب إلى المديح لسلطة الحوثيين. وتوجه لاحقاً في الفصل الرابع من المادة خطابها إلى المواطنين بتوضيح واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه رسالة النبي، بعد أن تحيط بهالة من التقديس حَمَلَة رسالة النبي، بحيث يصبح النفور من هذه الدعوة شكل من أشكال إستهداف الأمة.
جميع ممارسات الحوثي خلال سنوات الإنقلاب منذ العام 2015 سبقتها تنظيرات ورؤى فكرية، صادرة عن أفراد الجماعة ودُعاتها. وبعد سنوات من الإنقلاب،
إذ لا تكتفي المادة بتمجيد سلطة الحوثي، بإغفال الكيفية التي صعدت بها الجماعة إلى الحكم، أو منحه المشروعية الدينية، بل إنها تسعى إلى تبرير الحرب، وتأهيل الجيل القادم لها، وفصل جميع القيم الإنسانية عن القرآن الذي تدعي أنها صوته، من أجل تبرير أي ممارسة إجرامية محتملة في المستقبل.
حولت منظومة التعليم إلى منصة من منصاتها الدعائية، ودفعت بها إلى هاوية بلا قرار.