محسن عثمان الجرافي والد محمد

صدمة محرقة ساحة الحرية في تعز كما يعيشها محمد

سياق القصة

يقطع محسن عثمان الجرافي، مسافة 75 كيلومتراً، من منطقة قدس الواقعة في الضواحي الجنوبية من محافظة تعز، وذلك من أجل الوصول إلى مركز رعاية الصحة النفسية الكائن في مدينة النور وسط المدينة، للحصول على أربعة أصناف من الدواء الذي يمنحه المركز مجاناً لمدة ستة أشهر لنجله المصاب بحالة نفسية. للأسف، لم يجد محسن كل الأصناف التي يحتاجها ولده، وعليه أن يتحمل تكاليف الدواء للنصف الثاني من السنة.

“ابني الوحيد أصيب بحالة نفسية حيث تعرض لصدمة عندما تعرضت ساحة الحرية في تعز في 29 مايو/أيار 2011 للحريق، منذ ذلك الحين وحالته النفسية معقدة”

محمد (33عاماً) لم يكن متواجدا في مركز الصحة النفسية مع والده الذي التقيناه هناك وبيده حزمة من التقارير الطبية ووصفات الأدوية وكرت العلاج المجاني لمدة محددة، يصعب على والده البالغ من العمر”70عاما” اصطحاب ولده المريض في كل زيارة إلى مركز الرعاية النفسية للحصول على الأدوية، وذلك بسبب حالة الخوف التي وصل لها محمد، يقول عثمان: “عندما طلب الأطباء حضور محمد من القرية لغرض الفحص الطبي، انتقلت العائلة بالكامل معه، لأنه يرفض الخروج من المنزل إلا برفقة العائلة، والدته وزوجته”.
في حديثه لنا، قال عثمان: “للضرورة انتقل مرة في الشهر من القرية إلى المدينة، للبحث عن علاج محمد خوفاً من تدهور حالاته، على الأقل يهدأ من التشنجات، ويتوقف عن ضربنا وزوجته وأطفاله الأربعة، ويتحرر من الخوف”.
يحصل محمد، منذ مارس/آذار 2020، على الأدوية المجانية من مركز الصحة النفسية وهو مركز غير حكومي متخصص في علاج المرضى النفسيين في تعز بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، لكن ليس كل الأدوية، في الغالب يشتري والد محمد ما لم يوفره المركز، قبل ذلك كان يواجه كامل تكاليف علاج ابنه الوحيد من خلال بيع أشياءه الثمينة، حتى أنه باع قطعة أرض لمواجهة تكاليف علاج ولده.
لم يكن عثمان يعرف بحالة نجله، حتى لاحظه منطوٍ على نفسه، وبدأ يعيش في خلوة داخل المنزل، ويرفض الاختلاط بأفراد الأسرة. يقول بنبرة حزينة: “شارك محمد مع الشباب في ساحة الحرية خلال فترة الثورة اليمنية في 2011، وبعد محرقة ساحة الحرية في تعز في 29 مايو/أيار، 2011، التي شهدها محمد، بدأ ينعزل، ولا يريد أحد”. شك والده في أمره في البداية، وقرر تزويجه على أمل أن يخرج من الحالة التي يمر بها. لم يكن الزواج حلا، إذ استمرت حالته كما هي، وبدأ محمد يرفض وجود زوجته في نفس المنزل.

اعتقد عثمان أن ابنه مصاب بالسحر، فقرر زيارة عدد من المشعوذين، قطع أكثر من 300 كيلو متراً وصولا إلى محافظة عمران شمالي اليمن، بغرض الوصول إلى رجل يهودي هناك يعتقد عمان أنه سيعالج محمد من السحر، “ابنك يعاني من حالة نفسية وأنصحك بزيارة طبيب نفساني”، قال له اليهودي.

أخذ عثمان بهذه النصيحة وتوجه ومعه محمد إلى المختص في الطب النفسي الدكتور ماجد الحمادي في مستشفى الأمراض النفسية في تعز، وهناك مكث شهرين ثم غادر المستشفى، لكن محمد تعرض إلى انتكاسة مرة أخرى خلال فترة الحرب الدائرة في تعز، فنقله والده إلى مركز الاستشاري في الصحة النفسية، الدكتور محمد المحمدي، في مدينة التربة جنوب المدينة، ومكث هناك أيضاً شهرين وعاد إلى المنزل وحالته في تحسن، وبسبب انقطاع الأدوية تعرض لانتكاسة مرة ثالثة.
حالة محمد تحت المراقبة العلاجية منذ خمس سنوات، وهو أب لثلاثة أطفال تحت رعاية جدهم عثمان، الذي يكابد الحياة في علاج نجله ورعاية أحفاده، وفي سبيل ذلك باع كل شيء لديه “جنبيه”، (خنجر يرتديه العرب وبدو شبه الجزيرة العربية خصوصا في اليمن كجزء من زيهم اليومي ولها مكانة تاريخية في التراث اليمني وهناك أنواع تصل أسعارها إلى عشرات الآلاف من الدولارات) وكلاشنكوف، وقطعة من الأرض”.
في مارس/آذار2020، وصل عثمان إلى مركز رعاية المرضى النفسيين، بعد نصيحة أحد الأشخاص الذين يعرفون عن خدمات المركز الذي لم يعلن عن خدماته للناس بالطرق الممكنة، تكفل المركز وإن بشكل متقطع بتوفير أصناف الأدوية المتعددة لحالة محمد، في ظل عجز مستشفى الأمراض النفسية الحكومي في المدينة عن توفير الأدوية لمثل حالة محمد. المستشفى بالأساس يواجه نقص في الميزانية التشغيلية ويعتمد على جهات غير حكومية في توفير الأدوية والتغذية للمرضى في قسم الرقود البالغ عددهم 120مريضاً نفسياً، حسب إحصائية في أغسطس/آب2020.

شارك