استشاري يمني في الطب النفسي: وباء الصحة النفسية في اليمن تجاوز حدوده وملايين اليمنيين بلا مساعدة

سياق التقرير

قال أحد كبار الاستشاريين في مجال الصحة العقلية والنفسية في اليمن، أن أزمة الصحة العقلية والنفسية الحادة، هي المشكلة الأقل إبلاغاً والأقل تقديراً في الحرب اليمنية التي تدور في عامها السادس، محذراً بأنه سيكون لها عواقب وخيمة على مدى عقود قادمة.
الدكتور طالب غشام، مسؤول في الجمعية الطبية اليمنية للأمراض العقلية والنفسية، ومدير سابق في مستشفى الأمراض العقلية والعصبية الحكومي بمحافظة تعز؛ قال أيضاً إن “ضمان الحصول على الرعاية الصحية يكاد يكون مستحيلاً مع البنية التحتية الطبية اليمنية التي تعرضت للانهيار في أكثر من النصف من بنيتها أصلاً”.
وأكد غشام إن “وباء الصحة النفسية في اليمن تجاوز حدوده، بينما يفتقر ملايين اليمنيين إلى الموارد أو الوسائل لطلب المساعدة في قضايا صحتهم العقلية. وإن عدم وجود وسائل مساعدة فعلية في الواقع لمن يعانون من الاضطرابات العقلية والنفسية، يؤدي إلى اليأس والقلق والاكتئاب، وتصاعداً في العنف المنزلي، بين الزوجات والأزواج، والآباء ضد الأطفال، وبين الأطفال أنفسهم”.
وفي مقابلة مع المعهد اليمني لحرية الإعلام “IMF” تحدث غشام ــ ضمن ملف صحفي يتناول الرعاية الصحية النفسية في مدينة تعزـ عن الأمراض النفسية والتأثير النفسي الذي تركته الحرب على اليمنيين، وتأثير الصدمة على الأطفال وكيفية معالجة أزمة الصحة النفسية في البلاد بشكل عام.

IMF: كيف كانت حالة الصحة النفسية في اليمن قبل الأزمة؟

طالب غشام: الرعاية الصحية النفسية ليست متطورة في اليمن، الدولة غير مهتمة بهذا التخصص ودورها ضعيف جداً في هذا الجانب، ويكاد يكون منعدماً ولا يوجد أي اهتمام بهذا الجانب حتى في فترة ما قبل الحرب. نحن نواجه ندرة في الأطباء النفسيين.

وفي مدينة تعز ذات الكثافة السكانية العالية يوجد خمسة أطباء متخصصين يعملون في العيادات الخارجية، لعدد ما يقارب من خمسة مليون مواطن بواقع طبيب لكل مليون شخص.

قبل الأزمة اليمنية التي اندلعت في 2015، كان هناك حوالى 50 طبيب نفسي ممارس في اليمن لـ 30مليون شخص، وكان هناك عدد قليل جداً من علماء النفس وأخصائيو الصحة النفسية المجتمعية. وتوجد ثلاث مستشفيات حكومية متخصصة للأمراض النفسية في كل من تعز والحديدة وعدن، تعالج الأمراض العقلية في اليمن؛ لكن المستشفيات الحكومية، تعاني من عدم توفر الميزانية التشغيلية، ونقص في السعة السريرية، وعجز في الكادر الطبي.
وموضوع المرض العقلي والنفسي يعتبر وصمة عار والمريض العقلي يواجه رفض اجتماعي شديد، والأشخاص الذين يعانون من حالات أمراض نفسية وعقلية شائعة مثل القلق أو الاكتئاب يرفضون طلب المساعدة أو تناول الأدوية بسبب وصمة العار التي يتلقونها من أفراد أسرهم ومجتمعهم الذي يطلق عليهم اسم “مجنون”، وللأسف يتعامل الجميع الحكومة والمجتمع مع قضية الأمراض النفسية بفكرة العصور الوسطى.
ومن الناحية الثقافية، يُنظر إلى الصحة العقلية على أنها مرتبطة بالشيطان. إذ يعتقد البعض أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية، قد تملكهم شيطان، وبالتالي يلتمس الناس العلاج عن طريق الذهاب إلى رجال الدين المحليين أو المشعوذين، حيث يتم تنفيذ الطقوس الدينية أو يتم إعطائهم الأدوية العشبية.
وفكرة أن الصحة النفسية تحتاج إلى معالجة بالأدوية مثل الصحة العامة، ليست فكرة معرفة شائعة؛ هذا هو السبب في أن الأشخاص لا يسعون للعلاج المبكر ويرفضون تناول الأدوية؛ وأدت هذه الوصمة أيضاً إلى نقص التمويل لبرامج الصحة النفسية أو تدريب الأشخاص ليصبحوا مستشارين أو أخصائيين نفسيين، لذلك لم يكن هناك متخصصين على المستوى المحلي للمدن اليمنية.
وغالباً ما يتم تقديم مشاكل الصحة العقلية كمرض جسدي، لذلك بدلاً من القول إنهم يعانون من القلق أو الاكتئاب، سيشكو المرضى لمقدم الرعاية الصحية من آلام الظهر أو الرقبة أو البطن ويقوم الطبيب بمعالجة هذه الأعراض بدلاً من المشكلة الأساسية للقلق أو الاكتئاب. وهذا لا يعالج مشاكل الصحة العقلية.

 IMF: هل زادت مشاكل الصحة العقلية مع الأزمة اليمنية، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف أثر ذلك على الرعاية الصحية؟

غشام: أولاً؛ أن نتائج الصراع المستمر منذ أكثر من ست سنوات في اليمن، كانت كارثية وسجل اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم في العصر الحديث، حيث سقطت كل مؤسسات الدولة وانهيارات كل النظم السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية البلد، واتسعت رقعة البطالة والفقر والعوز وانقطعت الرواتب. ومن أبرز النتائج الكارثية للصراع في اليمن إنهيار كلي أو شبه كلي للمنظومة الصحية في البلد.

ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية ما يقارب من 55 في المائة من المنشآت الصحية في حالة انهيار كامل، 45 في المائة منها تعرضت لضرر جزئي أو أنها غير مستعدة لتقديم الرعاية الصحية بكامل طاقتها.

نحو 5.5 مليون شخص يعانون من شكل من أشكال مختلفة من الاضطرابات النفسية، وأن 19.5 في المائة من الأفراد يعانون من الاضطرابات النفسية أي أن 195 من كل 1000 فرداً من الشعب اليمني يعانون من أمراض عقلية ونفسية.

هذه المعطيات تؤكد أن وباء الصحة النفسية في اليمن تجاوز حدوده، بينما يفتقر ملايين اليمنيين إلى الموارد أو الوسائل لطلب المساعدة في قضايا صحتهم العقلية، وعدم وجود وسائل مساعدة فعلية لمن يعانون من الاضطرابات العقلية والنفسية، يؤدي إلى العنف المنزلي بين الزوجات والأزواج، والآباء ضد الأطفال، وبين الأطفال أنفسهم.

وفي المجمل هناك أزمة مزمنة في الصحة العقلية والنفسية في اليمن سواءً كانت قبل الحرب أو أثناء الحرب، لكن الفارق كبير جداً، لأن الناس خلال الحرب يمرون بتجارب مؤلمة سواء كانت فردية أو جماعية، فعلى سبيل المثال: المجتمع في محافظة تعز وهي المدينة التي أعمل فيها، تعد أكثر المدن اليمنية تضرراً من الحرب وتعيش تحت الحصار وتجدد المواجهات المسلحة فيها بشكل مستمر منذ خمس سنوات على التوالي؛ وجعلت منها مدينة يصعب على سكانها المسالمين الشعور بحالة الأمان والسكينة على أنفسهم وأطفالهم وممتلكاتهم وجعلتهم يعيشون في كرب وألم؛ واجبرتهم قوى النزاع على أن يكونوا جزءاَ من الصراع، وهكذا دخل المجتمع فردياً أو جماعياً، في صدمات مختلفة، بالإضافة إلى أن بعضهم كانوا ينتظرون فقط تجربة مؤلمة للدخول في مرض عقلي أو نفسي، وخلال عملي في مستشفى الثورة الحكومي في تعز بداية الحرب لاحظت زيادة مرعبة في الأمراض العقلية لدى الأفراد وخاصة الأطفال، والعديد من الاضطرابات النفسية جراء الانفجارات واستهداف الأحياء السكنية وفقدان أفراد الأسرة، وفقدان منازلهم، ونقص الغذاء والنزوح، ما أفقدهم الأمن النفسي وعززت لديهم المخاوف.

ومن الجوانب المهمة في زيادة الحالات النفسية: الأحوال المعيشية للناس، لأن الجانب الجسدي والاجتماعي من العوامل المهمة في الشفاء أو المرض، والحالة العامة تنعكس على الناس، وهناك الآلاف من الأشخاص الذين يستعدون للمرض، وبمجرد انعدام الأمن الغذائي وانعدام الأمن العام، يصبح الأمر مثيراً ويسبب زيادة في الحالات النفسية.

وإضافة إلى ذلك، تعرضت الحالات المرضية السابقة لانتكاسة مرضية لانعدام توفر الأدوية، كما نزح الكثير من كوادر القطاع الصحي، خصوصاً قطاع الرعاية النفسية ولم يتبق إلا طبيبين في هذه المدينة لتقديم خدمات الرعاية النفسية، ولا يوجد في المدينة إلا مرفق واحد يقدم الرعاية النفسية ممثلاً بمستشفى الأمراض العقلية والنفسية الحكومي، والذي يفتقر إلى جميع مقومات تقديم الرعاية النفسية اللازمة من كادر علاجي وأخصائيين وممرضين وكذلك سلامة المبنى ونظافته وتوفر الأَسِرّة وكذلك توفير احتياجات المرضى من التغذية والأدوية، وهذا الأمر يُعقِّد على القائمين تقديم الخدمة في حدها الأدنى للمحافظة على كرامة المريض وعلاجه بطريقة سوية، كما أن موقع هذه المستشفى القريب من نقاط الاشتباك بين المتحاربين يهدد سلامة المرضى.

IMF: ماهي الأمراض النفسية والعقلية الأكثر شيوعا خلال الحرب؟

غشام: في الحروب، هناك أمراض يسمونها إجهاد ما بعد الصدمة، على سبيل المثال، القلق بجميع أنواعه، سواء كان القلق العام أو الرهاب مختلف الأنواع، والاكتئاب والخوف أكثر شيوعاً أيضاً، بالإضافة إلى ما سبق؛ الأطفال أكثر ما يظهر لديهم التبول اللاإرادي والتغوط اللاإرادي ويدخلون في حالة من الرهاب والاكتئاب، خاصة أولئك الذين عانوا من الحرب بشكل مباشر عن طريق إصابة أو قتل أحد الأقارب أو انفجار في محيط الطفل، أو تعرضه للعنف الأسري. كما يتعرض العديد من اليمنيين لضغوط مؤلمة كل يوم وينشأ الأطفال في بيئة بمستويات عالية من التوتر والصدمات؛ ومع ذلك يتمتع الناس بمرونة لا تصدق لمقاومة الضغوط النفسية والوقوف على أقدامهم. ولكن عندما تصمت المدافع، ستظل الجروح العاطفية موجودة وقد تمنع الناس من التعافي وإعادة بناء حياتهم. يحتاج المجتمع الإنساني للوقوف معهم ومساعدتهم على الشفاء.

IMF: كيف تقيم برامج منظمات المجتمع المدني التي تعمل في الصحة العقلية والنفسية؟

غشام: برامج الدعم النفسي التي تنفذها منظمات المجتمع المدني أو المنظمات العاملة في البلد وتحديداً في مدينة تعز، لا تعالج المشكلات النفسية الشديدة ولا تتعمق في مواجهة الأمراض العقلية والنفسية؛ ومعظم البرامج في تعز عبارة عن مبادرات ودورات تدريبية غير مخطط لها، ولا يوجد تدخلات حقيقية، وهناك برامج في ظاهرها الدعم النفسي وفي الحقيقة هي خارج هذا المجال أو تكون سطحية، ولم نشهد لها أي نتائج على أرض الواقع.

 أصبحت برامج الصحة العقلية والنفسية جزءاَ من التجارة المعروفة في الحرب، حيث تم استغلالها فيما يسمى بمشاريع الدعم النفسي التي ينفذها تربويون في مجالات التاريخ والجغرافيا والرياضيات واللغة العربية بعيداً عن إشراف المتخصصين، وتهدف العملية إلى الربح السريع للمنظمات المحلية، وللأسف وقعت بعض المنظمات الدولية في هذه المعضلة وقدمت الدعم لبرامج غير مصممة بشكل مهني.

على سبيل المثال برامج الدعم النفسي للأطفال، والتي تتكون من أرجوحة الأطفال والبالونات والألوان، ويتم عمل دعاية إعلامية لهذه المشاريع، في حين ما يحتاجه الواقع هو العمل من خلال تنفيذ مشاريع مستدامة تتعمق في واقع الصحة العقلية والنفسية وتستطيع الوصول للفئات الضعيفة والخاصة، وتشخيص المرض وتقييم حالة المريض، وتقديم العلاج وفق خطة علاجية بناءً على تشخيص أخصائي أو استشاري في الطب النفسي، الذي يحدد طريقة العلاج سواء للأطفال أو الكبار، سواء العلاج بالعقاقير فقط أو العلاج بالعقاقير والجلسات النفسية أو جلسات دعم المختص الاجتماعي، وتأتي الألعاب كجزء من العلاج النفسي أو الجلسات النفسية، ولكن الذهاب للقيام بجلسات ترفيهية على أساس أنها جلسات الدعم النفسي، هذا خطأ مهني شائع.
إضافة إلى ذلك، فإن برامج المنظمات المحلية والمبادرات والأسماء المختلفة العاملة باسم الدعم النفسي لم تصمم على أسس علمية ومهنية ولم تخضع لضبط جودة المختصين؛ لأن من يعمل معها غير متخصص في المقام الأول، فقط أشخاص يخضعون لدورات تدريبية لمدة أسبوع أو خمسة أيام على الكثير ثم يلجأ للعمل في برامج الصحة النفسية؛ يمكن أن تكون بعض التدخلات النفسية على هذا النحو ضارة عند إجرائها من قبل مساعدين مدربين لا يخضعون لرقابة مهنية.

IMF: ما الذي يحتاجه واقع الصحة العقلية والنفسية برأيك؟

من الناحية العلمية والمهنية واستناداً إلى ما يحتاجه الواقع لكي نستطيع تقليل الفجوة بين واقع الصحة العقلية والنفسية والخدمات الخاصة في هذا المجال؛ نحتاج إلى توفير العديد من المتطلبات لتنفيذ برنامج متكامل، والتي يمكن أن تقدم حلولاً ولو بشكل جزئي وتعمل بشكل تكاملي على تنمية الموارد البشرية والبنية التحتية على مستويات عدة في مجال الصحة العقلية والنفسية؛ ونحن كمتخصصين بحاجة لمناقشة هذه المشاريع مع جهات مانحة ومع الدولة؛ لأن مناقشتها في الإعلام عديم الجدوى لسبب واضح هو قيام منظمات محلية غير متخصصة بالاستفادة من ذلك وتقدم مشاريع لجهات داعمة بحكم علاقتها وتذهب إلى تنفيذها بالطريقة نفسها القائمة الآن، ويتكرر هدر الدعم المقدم لدعم الصحة العقلية والنفسية.

نحن بحاجة بأن تنظر السلطات المحلية إلى الأمراض العقلية والنفسية برؤية حقيقية مبنية على الواقع، والعمل على وضع استراتيجية محلية للتخفيف من معاناة المريض النفسي، من خلال الاهتمام بالتنمية؛ بمعنى أن هناك علاقة بين المرض النفسي والتنمية، عندما يبقى الشخص في المنزل ويصبح معالاً ويتحول إلى بطالة مقنعة، مثل هؤلاء كان عليهم مسؤولية الاهتمام بأسرهم وبالتالي تتأثر أسرهم بتأثرهم، ليس فقط عاطفياً بل يتأثرون في الجانب المادي، ويجب أن تكون هناك برامج للصحة النفسية مصحوبة بالاندماج الاجتماعي للأفراد الذين وصلوا إلى مرحلة الشفاء، وإلا سيعود المريض إلى مرحلة ما قبل العلاج إذا عاد إلى نفس البيئة.

بالنسبة للمنظمات المانحة، يجب ألا تدعم ما يسمى بالشريك المحلي، إلا إذا كان لديه مشروع حقيقي يخضع لإدارة ورقابة متخصصة لتنفيذ هذا البرنامج. وإلا فإن العملية ستكون ترويجاً إعلامياً لالتقاط الصور وتنتهي بهذه الطريقة. ما الذي يفيد الطفل المبتور من أرجوحة في الشارع على سبيل المثال؟!

ما أتحدث عنه هنا ليس له أي غرض شخصي ولا نستهدف أي طرف معين بقدر ما أقول الحقيقة ونحن مستعدون لأن نكون شهوداً حقيقيين وليس شهود زور والغرض من شهادتنا هو النصيحة والتوجيه.

IMF: ما تأثير حرب السنوات الست على الصحة العقلية وتطور الدماغ لدى الأطفال؟

غشام: هناك عوامل متعددة تؤثر على تطور وظائف المخ والصحة النفسية لدى الأطفال في اليمن. هناك ضغط شديد يتعلق بالعنف وفقدان أفراد الأسرة ومعايشة العديد من حلقات الدمار في المنزل والجوار. أكثر من 2 مليون طفل خارج مدارسهم، التي تعتبر المكان الطبيعي لوجودهم، لأنها مكان للقاء الأصدقاء والتركيز على الدراسة بدلاً من التركيز على التفجيرات التي تحدث حولهم.
الأطفال الذين يعيشون تحت الحصار لا يفتقرون فقط إلى التعليم، ولكن يفتقرون أيضاً إلى الغذاء المناسب. في تعز، هناك نحو ثلاثة ملايين شخص يعيشون تحت الحصار، ويمثل الأطفال نصف هؤلاء السكان؛ لا يحصلون على الغذاء المناسب، لذلك تلاحظ حالة تسرب من التعليم وانتشار واسع للتسول في أوساط الأطفال أو العمل في الشوارع كبائعين متجولين، وهناك أطفال يأكلون بقايا الطعام على طاولات المطاعم وهذا أمر صادم، ولكن ليس لديهم خيار آخر. كل هذه الأشياء تضيف وتسبب مشاكل في النمو العقلي والصحة العقلية. أشك أننا سنشهد حوادث واسعة النطاق لمشاكل الصحة العقلية تتطور في المناطق التي يشهد فيها الأطفال التفجيرات والعنف.
بالنسبة للأطفال، يمكن أن يكون لهذا تأثير دائم على حياتهم؛ لأنه إذا تُرِكت دون علاج يمكن أن تؤثر مشاكل الصحة العقلية على كيفية تفاعلهم مع الناس: يمكنهم زيادة العنف المنزلي والإدمان وفقدان الوظائف، وجعل هؤلاء الأطفال أرضًا خصبة للتجنيد في العصابات والجماعات الإرهابية التي تستغل ظروف الصحة العقلية.

IMF: كيف يمكن معالجة أزمة الصحة العقلية والنفسية في عموم اليمن؟

غشام: إنها مسألة موارد وأولويات، وفي ظل الظروف التي تعيشها اليمن ستكون المشكلة التي ستواجه رعاية مرضى الصحة العقلية بعد وقف الحرب، وربما يكون معظمهم متماسكاً نسبياً في الوقت الراهن ويركزون على الوصول إلى الأمن الغذائي..

ولكن عندما تتوقف الحرب وتبدأ الحياة في التطبيع، سيظهر آلاف المرضى النفسيين بشكل غير متوقع. إذا لم نتعامل مع أزمة الصحة العقلية مبكرًا، فستظل الندوب لفترة طويلة وسيكون من الصعب علاجها، خاصة عند الأطفال

من المهم جداً أنه عندما تكون هناك تفجيرات وعنف وحزن على فقدان أفراد العائلة المباشرين، يتم تقديم المساعدة النفسية والاستشارات النفسية على الفور.
منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة لديها وكالات لتحديد أولويات الصحة العقلية بين اليمنيين، والشيء نفسه ينطبق على الحكومة اليمنية وعلى سلطات الأمر الواقع (الانقلابين)، الذين يسيطرون على بعض أجزاء من اليمن. وعندما تكون البلد في حالة حرب، تكون الصحة النفسية هي الأولوية الأخيرة بالنسبة للحكومة والمنظمات الدولية والمحلية. هذا خطأ كبير وشائع.
ما يجب القيام به في الوقت الحالي، هو تقييم البرامج والمشاريع والأنشطة التي يجري تنفيذها في مجال الصحة النفسية من قبل المنظمات المحلية والدولية لفهم ما يجري على أرض الواقع، ومن ثم محاولة اكتشاف الأدوات الأكثر فعالية لمعالجة ذلك.
وفي الواقع نحن بحاجة إلى خطة مارشال لكيفية معالجة الصحة النفسية في اليمن، ويمكن أن نبدأ بمعالجة الفجوة المزمنة الموجودة منذ عقود المتمثلة بنقص المهنيين في مجال الصحة العقلية وذلك من خلال الحصول على مزيد من المنح الدراسية وحث خريجي كليات الطب على ممارسة الطب النفسي، وتفعيل برامج البورد في الطب النفسي، ويعد هذا أمراً حيوياً لحل النقص المزمن في طاقم الطب النفسي، إضافة إلى تدريب وتأهيل خريجي علم النفس و استيعابهم في وظائف مهنية، ثم يصبح من الأسهل وضع برنامج مصمم من قبل متخصصين لتدريب العاملين الصحيين ومتطوعي الصحة المجتمعية، على تقنيات اكتشاف الحالات والتعرف على قضايا الصحة العقلية. إضافة إلى تصميم برامج لزيادة الوعي بالصحة النفسية في المجتمعات اليمنية وتفكيك وصمة العار المتعلقة بالأمراض النفسية عند الأسرة والمجتمع. يمكن أن تكون برامج مثل هذه مفيدة إذا تم تنفيذها بإشراف متخصصين من أطباء الأمراض النفسية وأكاديميين وخبراء في الصحة النفسية.

شارك