قتلوه وحاولوا اختطاف جثته ومنعوا المساجد من الصلاة عليه واعتقلوا المعزين “أمجد.. القتلة النافذون لم يحاسبهم أحد”
سياق القصة مايو 14, 2024
أمجد عبدالرحمن
زمان الانتهاك: ١٤ مايو 2017.
مكان الانتهاك: عدن
نوع الانتهاك: اغتيال/قتل
مرتكب الانتهاك: الحزام الأمني/ معسكر عشرين
قبل مقتله بأشهر، نظم أمجد عبدالرحمن مع زملائه وقفة ترفض عملية هدم لمسجد أثري في عدن. وبعد مقتله، منع القتلة أئمة المساجد من الصلاة عليه بحجة أنه علماني يسعى لنشر الإلحاد والفجور. كانوا منزعجين من الظهور القوي والتأثير الذي صنعه أمجد، بتزعمه لحراك ثقافي في فترة حرجة ومعقدة كانت تعيشها عدن سنة 2017.
لم يكن عمر الشاب قد تجاوز ٢٤ سنة، في ذلك الوقت، وكانت عدن تعيش أجواء صراع ساخن بين المكونات والفصائل المسلحة التي تمكنت من طرد مسلحي جماعة الحوثي بدعم من التحالف العربي. في تلك الفترة، أدت سياسة الاستقطاب إلى تقوية المسلحين المتطرفين على أرض أقدم مدن الجزيرة العربية، واختلطت الأجندة السياسية بالحسابات العسكرية بالأيديولوجيا المتطرفة، واستطاعت أن تحضر وبالعلن في مراحل الاستهداف الثلاث التي طالت أمجد عبدالرحمن: قبل القتل، وأثناء القتل، وبعد القتل ولم يحاسبهم أحد.
استند مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية، على مصادر مختلفة على علاقة وثيقة بالأحداث التي سبقت مقتله، من بينهم أحد أصحابه الذين تعرضوا للمطاردة، أما الأحداث التي حصلت بعد اغتيال أمجد، فتتبعناها من أحد الصحفيين الذين تعرضوا للاعتقال من بعد زيارة والد أمجد وتقديم واجب العزاء، واستطعنا الوصول لشاهد عيان على قتل أمجد.
***
كان أمجد ناشطًا مدنيًا. يتذكر والده بعض أعماله: شارك في ثورة 11فبراير/شباط سنة 2011، وفي أنشطة الحراك السلمي الجنوبي وأنشطة عدد من منظمات المجتمع المدني سنة 2012، وسنة 2013 التحق بالحزب الاشتراكي اليمني، وفي عام 2014 أسس منظمة طلابية تحت اسم رابطة الطلبة المدنيين، وفي نهاية 2015 أسس مع مجموعة من زملائه نادي ثقافي تحت اسم «الناصية» وظل يمارس عمله الثقافي الحقوقي والسياسي حتى استشهد عصر الأربعاء الموافق ١٤ مايو/أيار 2017.
تقول إحدى الإفادات ـ نتحفظ على اسم صاحبها لأسباب أمنية ـ أن مجموعة مسلحة تابعة للحزام الأمني في كريتر كانوا في حراسة عملية هدم مسجد الحامد ذو الطابع الأثري المقرر أن يتم تشييد محلات تجارية مكانه، ومنعوا القيام بأية عملية احتجاجية أو عملية التصوير، فنظم أمجد وزملائه وقفة رافضة لهذا التصرف، وشنوا حملة إلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي لإيقاف عملية الهدم. وإثر ذلك جرى تكليف «إمام النوبي» ـ كان يقود معسكر20ـ بالإشراف على عملية الهدم وإيقاف الشباب المحتجين. أرسل النوبي تهديداته لأمجد، بالفعل، وقبل فترة وجيزة من مقتله، اعتقله إلى المعسكر وعذبه هناك.
يوم الأربعاء ١٤ مايو/ايار 2017، كان أمجد في مقهى الإنترنت الذي يعمل فيه، بالشيخ عثمان، توقفت دراجة نارية أمام المحل، وبعد لحظات سمع مرتادو المقهى الطلقة الأولى، حين التفتوا رأوا القاتل أمام أمجد، كان يرتدي ثياباً مدنية، بنطلون جينز وفانيلة تقريباً، وعلى وجهه قناعًا، يؤكد الشاهد، أن القاتل أطلق الطلقة الثانية تجاه أمجد، ثم الثالثة في مناطق حساسة من جسده، الرأس، الصدر، الرقبة، قبل أن يوجه مسدسه نحو الزبائن: لا أحد يتحرك، أي أحد يتحرك سوف اطلق عليه النار. ثم خاطب أمجد بكلام غير مفهوم، وأطلق عليه طلقة أخيرة بكل برود، ثم خرج وغادر بالدراجة النارية بكل ثقة.
كان الشارع فارغاً، رغم أنه وقت الذروة بالنسبة لحي الشيخ عثمان، وكأنه كان مخططاً لإفراغ الشارع من أجل قتل أمجد والترتيب للهروب بعد ارتكاب الجريمة، وبالرغم من إبلاغ مركز الشرطة فور الجريمة، إلا أنها وصلت بعد ساعتين، مع أنهم لا يحتاجون أكثر من خمس دقائق ليصلوا إلى المكان.
***
فور وصول خبر مقتل أمجد إلى أصدقائه، ذهبوا إلى مستشفى الجمهورية بعد نقل أمجد إلى هناك، وفي المستشفى تفاجؤوا بطقم عسكري تابع لمعسكر 20 الذي يقوده إمام النوبي، يريدون أخذ جثة أمجد، قالوا: إكرام الميت دفنه، حسب ما أكده الصحفي هاني الجنيد بشهادته لمركز فري ميديا. في تلك الأثناء، كان الكثير من الشباب يتوافدون إلى المستشفى: «القتلة رأوا أن الوضع تعقد ولم يستطيعوا أخذ الجثة».
في اليوم التالي ذهب مجموعة من الناشطين إلى منزل عائلة أمجد، يقول مصدر من اعضاء نادي الناصية، طلب عدم نشر هويته، لأسباب أمنية، إن مجموعة من الأشخاص المدنيين: «كانوا ينادوا لنا بأصحاب المنظمات» ملمحين إلى أن أمجد وأصحابه يتلقون الدعم من منظمات خارجية لنشر الإلحاد والفجور، وهي التهمة التي روج لها قتلة أمجد، وفي المنزل «لم نجد أحد من جيرانهم لأنهم كانوا يقولوا عنه ملحد».
في ذلك الطريق المؤدي إلى منزل عائلة أمجد، توزع المسلحون الذين يبتعون إمام النوبي قائد معسكر عشرين «انتشروا حول الحارة ومنافذها بالكامل».
بعد خروج ثلاثة صحفيين من أصدقاء أمجد من منزل العائلة، تفاجؤوا باستحداث نقطة مسلحة لأفراد معسكر النوبي بالقرب من المنزل، الصحفيون هم هاني الجنيد، وماجد الشعيبي، وحسام ردمان. حسب شهادة هاني فالمسلحين: «وجهوا الأسلحة نحونا» وأضاف: «بعد ثواني شاهدنا طقم عسكري فوقه سلاح ٧-١٢ مصوب نحونا» ثم «أنزلونا من فوق السيارة وتم صعقنا بأدوات كهرباء وأدوات تعذيب غريبة» وعقب ذلك اقتادوا الثلاثة، كانوا متباهين «أطلقوا النار في الشارع حتى وصلنا معسكر ٢٠».
في المعسكر، حضر إمام النوبي شخصياً، باحثاً عن هاني الجنيد، انهال عليه بالضرب وجاء أحد أفراده أيضاً وضربه بهراوة على رأسه حتى سال الدم. أحد أفراده الذين أرادوا أخذ جثة أمجد من المستشفى، كان حاضراً، عرفهم، أشار ناحية حسام: «هذا من رفض إخراج الجثة وقال لا يمكن أن تأخذوا الجثة إلا بعد إجراء تحقيق ومعرفة منهم القتلة ومن خلفهم»، حينها أخرجوا حسام واستمروا بالتعذيب يؤكد الجنيد أنه أثناء تعذيبه سمع أحدهم يقول: «لا نقتله هنا نأخذه الى الأعلى ونقتله» وأوهموه بالقتل ثلاث مرات.
أحد الأسماء الذين مارسوا التعذيب بقسوة، اسمه ياسين، جاء مرة أخرى إلى الجنيد: «كنت مضرج بالدم والجروح من كثر الضرب، ومع ذلك كان بيده ماسورة وضربني بها ثم أخرج المسدس ووضعه على رأسي. قال لي سوف نقتلك مثلما قتلنا أمجد».
أحد المحققين أيضاً، سأل هاني عن الإلحاد: «قلت له: نحن لسنا ملحدين. قال: “ربوبيين”. قلت له: أول مره اسمع هذه الكلمة. قال: كيف تقول أنك صحفي؟. قلت له: نعم صحفي. قال: إذن أنت ملحد؟ وأضاف: انتم تنشروا البلاء. ثم ضربني. ووضع المسدس على رأسي».
كان محققو معسكر عشرين وبقية أفراد النوبي، يريدون معرفة عناوين السكن لمجموعة من الناشطين والناشطات الذين نظموا مع أمجد بعض الفعاليات والأنشطة، كانوا يرددون تهماً من قبيل التمويل من منظمات خارجية، ونشر الإلحاد، نادي “الناصية الثقافي الذي أسسه أمجد، نفى التهم جملة وتفصيلا، أمجد ورفاقه نظموا بعض الفعاليات التي بدأت بالذيوع، منها تشجيع الناس على القراءة.
يؤكد هاني الجنيد أنهم، وأثناء التعذيب عرضوا عليه قائمة أسماء «يحتفظ فري ميديا بالأسماء التي ذكرها الجنيد» كان هاني يعرفهم بالفعل، لكنه لم يكن يعرف عناوين سكنهم. حضر إمام النوبي مرة أخرى، وتوعد الجنيد: «سوف نصل إلى اصحابكم واحد واحد.. ذكرهم بالاسم».
أحد القائمين على المعتقل جاء إلى الزنزانة وقال لهاني: «أصحابك خرجوا.. أنت الوحيد الذي تبقى في السجن وانت رافض تتجاوب معي.. حسام أخرجه العيدروس ـ يقصد عيدروس الزبيدي رئيس المجالس الانتقالي حالياً ـ وماجد أخرجه شلال ـ يقصد شلال شائع مدير الأمن السابق لعدن ـ وأنت الوحيد لا يوجد معك أحد؟» وقدم له عرضاً: «قال كلمني بكل شيء وسوف أخرجك من السجن». لكن هاني كما يقول، لم يكن لديه شيء ليقوله.
شهد أحد الشباب الذين كانوا في منزل عائلة أمجد لتقديم العزاء، حادثة اعتقال الصحفيين، أثناء خروجهم من المنزل، فأبلغ بقية زملائه بالخبر الذي سيتحول إلى رأي عام، ويشكل حملة ضغط على الانتقالي “الأحزمة الأمنية” والشرعية أيضاً وكذلك التحالف العربي المتواجد في عدن.
بعد إطلاق سراحه، ليلاً، تواصل المسؤول الإعلامي الخاص بالقيادي شلال شائع، بهاني الجنيد: «قال لا تقلق أنت في حمايتنا» وأبلغه: «التحالف طلبكم». بالفعل ذهبوا إلى مقر التحالف، يؤكد هاني: «أخبرناهم بكل ما حدث.. وقلنا لهم أنهم أخبرونا ـ يقصد منتسبي معسكر عشرين ـ أخبرونا أثناء التعذيب بأنهم قتلوا أمجد. قلنا لهم أنتم من تدعمون هؤلاء الرجال بالمال والسلاح وأنتم تتحملون المسؤولية. قالوا سوف نحاصر المنطقة لكنهم لم يفعلوا شيء».
في اليوم الثاني جاء مختار النوبي، وهو قيادي عسكري في الانتقالي بعدن وهو شقيق إمام النوبي، والتقي بالصحفيين، قال بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وقال لهاني وزميليه سوف نوصلكم إلى منازلكم. في السيارة، يقول الجنيد: «قال لنا مختار أقسم لكم أن الذي قتل أمجد هو إمام أخي» ثم نزل من السيارة وطلب من شقيقه عواد إيصال الصحفي هاني وزميليه، فارتاب الصحفيين من عواد وهو شقيق إمام النوبي، الذي كان يقود السيارة بعد أن تحدث عن الملحدين قائلاً: يفترض عدم الحديث مع الملحدين، راوغ هاني السائق، وأوهمه أنه نازل لشراء القات والعودة، وحين نزلوا تواروا عن الأنظار، ظلوا أياماً مختفيين، تأكد هاني وبقية الناشطين والناشطات من أصحاب أمجد، أنهم ملاحقين: «شعرنا بالخطر فلجأنا إلى حضرموت» ناشطون وناشطات أيضاً غادرن عدن، منهم إلى حضرموت ومنهم إلى سيئون ثم القاهرة ومنهم إلى صنعاء.
وفقاً لثلاث إفادات وثقها مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية، فإن شرطة الشيخ عثمان، التابعة لأمن عدن، لاحقت أصحاب أمجد، بذريعة البحث عن الحاسوب الشخصي لأمجد «على حسب قولهم أن الكمبيوتر يوجد فيه معلومات وأسرار المنظمات».
ملاحظة
| هذا الملخص يأتي في إطار مشروع “من أجل الحقيقة” الذي سينشر من ضمن أنشطته تقرير معمق يحتوي على تفاصيل هذه القصة وذلك خلال العام الجاري 2024