كانت ماريا عبدالرب أحمد تمتد على أحد أسِرّة قسم رقود النساء في مركز يتبع مؤسسة الرعاية النفسية، في يوليو/تموز2020، ونظراتها تحدق بأسى، كانت حينها تستمع إلى ولدها عبدالله، وهو يقول بصوت منخفض: “أمي تعيش حالة انفصام بالشخصية، واكتئاب، وضيق، وهموم، أمي تفرط بالتفكير في حياتنا وحياة أسرتها المعيشية، حياتنا متعبة” ويضيف: “هي هنا منذ الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز2020، تتلقى العلاج”.
عبدالله عبدالرقيب البالغ من العمر 22 عاما، هو الابن الأكبر لعائلة مكونة من 9 أفراد، توفي والده وأصبح المسؤول عن متابعة رحلة علاج والدته إلى جانب إعالة أسرته، ويطمح أن يلتحق بكلية الطب.
كان عبدالله يجلس داخل سور مركز الرعاية النفسية الواقع غربي المدينة، ويسند ظهره إلى جدار يفصل بينه وبين أمه التي ترقد في القسم المخصص للحالات النفسية النسائية. كان عبدالله شارداً ربما يفكر بوالده الذي مات قبل عامين بجلطة وهو يبحث عن قيمة الدواء لوالدته التي تعاني من حالة نفسية منذ عشر سنوات. وربما يفكر بوالدته التي نقلها في يوليو/تموز 2020 إلى مركز الرعاية النفسية لتلقي العلاج، أو لعله كان يفكر بإخوته الذين يقطنون في المنزل في قرية الأقروض في جبل صبر جنوب المدينة، منتظرين عودته مع والدته التي مضى على غيابها عنهم أكثر من أسبوعين.
تقول عمة عبدالله: “إنه الأكبر بين إخوانه التسعة، وحالتهم متعبة” وتؤكد أنه:
أجّل دراسته الجامعية وعمل في محل لبيع أدوات التجميل لتغطية احتياجات الأسرة وتكاليف علاج أمه، وخلال العام 2019، حاول شقيقه الأصغر العمل بجانبه، لكن علاج الحالات النفسية مكلفاً وربما يستمر لفترة طويلة، كما يقول الأطباء.
مرت أربع سنوات منذ أن أنهى عبدالله مرحلة الثانوية العامة، ولم يتمكن من الالتحاق بالجامعة، وطبقا لقوانين التعليم اليمنية؛ تنتهي الشهادة الثانوية بعد مرور خمس سنوات على صدورها، لذلك بدأ عبدالله يفكر بشكل جدي بما يجب أن يكون في المستقبل، فهو يطمح بأن يكون طبيباً، لكن طموحه يصطدم بظروف معيشيةٍ شديدة القسوة، مع ذلك يحاول وبكل الوسائل أن يلتحق بكلية طب الأسنان، يقول: “اتفقت مع أخي الأصغر والذي أكمل في ٢٠٢٠ الدراسة الثانوية أن يتولى هو رعاية الأسرة إذا ما تمكنت من الالتحاق بالجامعة، وبعد أن أَستكمل الدراسة سنتبادل الأدوار”.
تقول سهام مهيوب، وهي طبيبة تعمل في مركز الرعاية النفسية، إنها تخشى أن يدخل عبدالله بصدمة نفسية، فهو يعول أسرة ويريد أن يتعلم؛ بل رغبته في التعليم جامحة.
لذلك حررت خطاباً تضمن تقريراً عن حالته وحالة والدته إلى مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل، لمساعدته في مواجهة تعقيدات الرسوم الجامعية. مكتب الشؤون الاجتماعية، وهو الجهة الحكومية التي تمارس الرقابة والإشراف على مؤسسات المجتمع المدني، بعث خطابا إلى بعض الجامعات الخاصة طلب منهم تخفيض الرسوم الدراسية لعبدالله، لكن حالته تحتاج إلى اعفاء كامل من الرسوم.
سلسلة من الظروف القاسية تواجه عبدالله: الدراسة الجامعية، رعاية إخوانه الثمانية، متابعة رحلة علاج والدته التي تعيش حالة انفصام منذ عشر سنوات.
]لقد كافح والده من أجل علاج زوجته في صنعاء وفي تعز؛ زار مختلف الأطباء، حتى مات متأثراً بجلطة في 2018، بعد أن نفذ منه كل شيء، حتى سيارة الأجرة القديمة والتي كانت مصدر رزق أسرته تم بيعها لمواجهة نفقات العلاج.
“كانت السيارة مصدر رزق لنا، وبعد بيعها كنا نعتمد على المساعدات من الناس”.
بدأ عبدالله يعمل وهو في سن مبكر لمساعدة والده الذي كان مهدداً بالفشل الكلوي، ولم يفصح لأولاده عن ذلك، عندما علم عبدالله بالأمر قرر أن يعمل في محل تجاري، لا يعلم عبدالله بالتحديد متى توفي والده؛ لكنه يتذكر التفاصيل؛ عندما وصل والده صباح يوم من أيام العام ٢٠١٨ لغرض الحصول على مبلغ من المال لشراء الدواء لأمه التي تعاني من الحالة النفسية، وصل الأب إلى أمام المحل وسقط على الأرض، جرى نقله إلى أحد مستشفيات المدينة، وقال الأطباء بأنه تعرض لجلطه، وأنه قد تعرض لجلطة سابقة أيضا دون أن يخبر أسرته بذلك، أصبح مشلولاً ومات بعد نصف شهر من إصابته هذه.
بعد وفاة الأب، أصبح عبدالله كبير الأسرة وعلى عاتقه مسؤولية رعايتها: “كنت أعمل في فترات الإجازات المدرسية، لتوفير المصاريف، وبعد أن أنهيت الدراسة بدأت العمل بصورة دائمة”. هو الآن يكافح من جامعة إلى أخرى من أجل دراسته، لكن الرسوم التي تفرضها الجامعات الخاصة، مقرونة بالعملة الصعبة: الدولار. ومستحيل أن يتمكن عبدالله من دفعها، في ظل انعدام توفر برنامج حكومي لمثل هذه الحالات.