في أغسطس / آب 2017، بعد عامين من الزواج، انتحر الزوج بإطلاق النار على نفسه، وكانت سمية، (30 عاماً)، تفكر في أفكار أخرى للمستقبل معه.
عندما التقيناها، في مركز يقدم العلاج للمرضى النفسيين في مدينة تعز جنوب اليمن، بدا القلق على ملامحها، مسحت دموعها وتحدثت هامسة:
“لقد أصبحت حزينة جدًا. لم أعد أهتم بأي شيء. لا أستطيع النوم. يبدو أنه لا توجد طريقة لتسوية، حياتي مثقلة بكل تفاصيل الوجع. لقد تعرضت للظلم والسجن والتعذيب وحتى الاعتداء الجنسي”.
قالت سمية: “خذوا بيدي”. وأضافت: “أريد أن أرى أطفالي، فما يزال بإمكاني تخيل وضع اليوم الذي قتل فيه زوجي نفسه وهم يصرخون يريدون عناقي، كنت أصرخ وأدفعهم”. كانت تتحدث وجسدها يرتجف، لذا توقفت عن الكلام.
تنوعت الأسباب التي هوت بالحالة النفسية لسمية: حرمانها من رؤية أطفالها، وانتحار زوجها، والتوقيف والسجن، والاعتداء الجنسي. هذا ما ظهر من أسباب، وهي كفيلة بتفسير وصول المرأة الثلاثينة للعلاج في مؤسسة رعاية نفسية غير حكومية في محافظة تعز جنوب اليمن، بعد إحالتها إلى المؤسسة من قبل اتحاد نساء اليمن في تعز، والذي يعمل على مساعدتها للوصول إلى أطفالها.
الأمن، الحقوق، القتل، السجن، الأسرة، المجتمع، الدولة، هذه المفردات جاءت على لسانها وهي تتحدث عن تفاصيل قصتها، فهي تعاني من ضغوط نفسية منذ بداية الحرب: “لم يكن هناك أمن في تعز، وسُلب مني حقوقي، لقد قتل زوجي نفسه أمامي، لأنه دخل السجن ظلماً، وقتلوا اصدقائه بجانبه واستولت جماعة مسلحة على سيارته ونهبوا ممتلكاته”.
قبل انتحار زوجها، كانت حياة سمية هادئة وتعيش وفق الأهداف التي عملت على تحقيقها، تؤكد وهي ترتجف: “كانت أهدافي كبيرة وواضحة، وحياتي في أمان واستقرار”.
كانت مهتمة كثيراً بالتعليم، فقد تخصصت في تكنولوجيا المعلومات إضافة إلى دراستها للتجارة واللغة الإنجليزية، وحصلت على عدد من الدورات التأهيلية في صيانة البرمجيات، كل ذلك مكنها من العمل في شركة تدقيق حسابات بمحافظة تعز، كما عملت في قسم التأمين بمستشفى اليمن الدولي قبل الحرب.
انتحار الزوج
كانت سمية وطفلاها وزوجها في المنزل عندما جاءت عصابة مسلحة ودعت زوجها إلى الخروج للتحدث معهم. كانت العصابة المسلحة في نزاع معه من قبل، نهبوا سيارته، واستولت على أراضي مملوكة له في شارع الخمسين غربي تعز. أخذ الزوج سلاحه وفكر في الخروج، لكن سمية أغلقت الباب ورفضت أن تعطيه المفتاح ومنعته من الخروج: “كنت أتوقع أنهم سيقتلونه”. أمام معارضتها له، وضع فوهة البندقية على رقبته، وصرخ: “افتحي الباب وإلا قتلت نفسي”، حاولت سمية فتح الباب لكنه أطلق النار قبل فتحه.
هذه كانت أول صدمة نفسية لسمية، وتوالت الصدمات النفسية عليها بعد ذلك من مشكلة إلى أخرى كما تقول، حتى وصلت حالتها إلى القاع، التقيناها عندما كانت تخضع لبرنامج علاجي في مركز يتبع مؤسسة الرعاية النفسية في تعز.
لم تتوقف مأساة سمية عند انتحار زوجها، انتقلت إلى مأساة أخرى: العصابة المسلحة التي كانت تلاحق الزوج، قامت بسجن سمية في إدارة أمن مديرية المظفر، إحدى المديريات المدنية في تعز، بتهمة قتل زوجها، بناءً على تقرير طبي يفيد أن القتل كان من مسافة مترين. تابع محامي سمية القضية وطلب إعادة فحص الجثة من قبل رئيس الأطباء الشرعيين في محافظة عدن، الذي أكد في تقريره الطبي أن الحادث كان نتيجة إتصال بين الكلاشينكوف مع رقبة الضحية مع وجود أثر حرق في الحلق بالإضافة إلى فتحة واسعة. هذه النتيجة أكدت أن سمية براءة من تهمة القتل التي حاولت إدارة أمن المظفر إلصاقها بها.
تعرضت سمية للتعذيب في السجن كما تقول، وبعد شهرين من ظهور نتائج تشريح الجثة، أمر مدير أمن محافظة تعز آنذاك العميد محمد عبدالله المحمودي بالإفراج عنها؛ لكن أوامره قوبلت بالرفض من إدارة أمن مديرية (مقاطعة) المظفر، كما تعرض محاميها للتهديد والاعتداء، مما دفعه إلى التوقف عن متابعة قضيتها.
تدخل تنظيم القاعدة
وصلت قضية سمية إلى التنظيم المتطرف “القاعدة” (كان لتنظيم القاعدة الذي توجد في تعز خلال الفترة من 2015 حتى 2017 محكمة خاصة ولها نفوذ ويلجأ الناس إليها لحل قضاياهم) الذي هدد باقتحام سجن مديرية أمن المظفر إذا لم يتم الإفراج عنها: “خرجتُ من السجن تحت حماية التنظيم، وبدأت الإجراءات الرسمية للتحقيق الجنائي تتحرك بعد تدخل القاعدة ووصلت القضية إلى النيابة العامة وكان القرار في صالحي”.
قالت سمية وهي في حالة توتر: “ظلمت وضربت وسجنت” كما أشارت إلى إنها تعرضت لاعتداء جنسي، وفضلت عدم سرد هذه التفاصيل التي تعيش بسببها اليوم حالة نفسية: “لا أريد أن أتحدث.. أشعر بالقلق”، وأضافت: “بعد خروجي من السجن نمت وصرخت بأعلى صوتي من الخوف والمواقف المرعبة”.
كانت سمية تفضل العزلة على مخالطة الناس بما فيهم عائلتها، فخضعت للفحص وتخطيط الدماغ، وفحصًا نفسيًا، وكانت النتيجة إنها تعاني من أكتئاب ولذلك خضعت للعلاج النفسي لمدة أسبوعين،
“تقول: “لا يمكنني إجراء حوار مع عائلتي. لقد سئمت عائلتي والمجتمع. لا يمكنني العثور على أي شخص يمكنه فهم قصتي”
ذكرت إنها عندما تريد الحوار مع عائلتها، فإنها تواجه صعوبات في التفاهم معهم ما يتسبب في توترها، وأشارت إلى أنها بحاجة إلى شيء واحد فقط وهو أن تجد شخصًا أو طرفًا للحديث معه من أجل مساعدتها، للخروج من الذكريات المؤلمة. كررت سمية: “أنت تعرف كيف يكون الإنسان عندما يقع في حفرة، فأنا الآن في حفرة ولم أجد أحدًا يمسك بيدي”.
الزواج المبكر
إضافة إلى تلك الأسباب التي رمت بسمية الحفرة النفسية، هناك سبب آخر متعلق بحالتها، حيث كانت سمية قد تزوجت في سن مبكرة، كان عمرها وقتئذ 15 عاماً، ومن هذا الزواج الذي انتهى بالطلاق، أنجبت طفلين وحُرمت من رؤيتهما لمدة ثلاث سنوات. وعمل اتحاد نساء اليمن في تعز، على إجراء حوار مع الزوج السابق لتمكينها من رؤية أطفالها.
حلول
في مؤسسة الرعاية النفسية في تعز التي تنفذ مشروع علاج المرضى النفسيين بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، خضعت سمية لخطة علاج يشرف عليها طبيب نفسي وأخصائي دعم نفسي وأخصائي اجتماعي، وعملوا على تحديد مشكلتها النفسية وكل فرد من هذا الفريق يؤدي دوره لتوفير الرعاية الكاملة لها.
بعد تشخيص إصابتها بالاكتئاب، شعرت سمية بالعزلة وعدم قدرتها على القيام بأشياء في المنزل أو الأنشطة التي تستمتع بالقيام بها عادةً. هي الآن تتناول مضادات الاكتئاب وأظهرت تحسناً كبيراً. حاول الطبيب المعالج وفريقه دعمها طوال فترة وجودها في المركز فيما يعمل اتحاد نساء اليمن من أجل مساعدتها للوصول لأطفالها.
هذا المحتوى ضمن الجزء الأول من ملف الصحة النفسية في اليمن (تعز)