النجاة من القصف.. المعاناة من الصدمة

سياق القصة

]ضمن ملف صحفي عن الصحة العقلية والنفسية في محافظة تعز، توثق هذه القصة حكاية شاب يمني خرج من منزله الكائن وسط مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، إلى منطقة الحوبان شرق المدينة نفسها لكنها تحت سيطرة جماعة الحوثي، لغرض البحث عن عمل وهناك تم اعتقاله من قبل الجماعة ونقله إلى محافظة ذمار شمالي اليمن، ووضع في كلية المجتمع التي حولها الحوثيون إلى معتقل وقصفتها مقاتلات التحالف العربي بالصواريخ.

بتاريخ 31 أغسطس/آب 2019، تعرض معتقل كلية المجتمع، لغارات جوية من مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية، على إثر ذلك قُتل وجرح أكثر من 150 سجيناً، ونجا أربعون آخرون.

إبراهيم واحد من الذين نجوا، لكنه يعاني من صدمة نفسية شديدة، ولم يتمكن من الوصول إلى أي جهة تقدم الرعاية النفسية، ولهذا فهو يخضع لجلسات العلاج النفسي على نفقة أسرته التي تكابد الظروف القاسية.

أمل مكسور

تبدأ قصة إبراهيم من اللحظة التي فقد فيها أمل الحصول على عمل يؤمِّن له ولأسرته الحد الأدنى من العيش الكريم، لقد انقطع مصدر رزق والده بفقدان وظيفته نتيجة اغلاق المحل التجاري الذي يعمل به في مدينة تعز. قرر إبراهيم التوجه إلى الضفة الأخرى من المدينة المشطورة بين أطراف النزاع.
في مطلع العام 2019، قرر إبراهيم مغادرة وسط المدينة الواقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ودون أن يودع أهله، اتجه صوب منطقة الحوبان الخاضعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) شرقي المدينة، كان يأمل بالحصول على فرصة عمل هناك.
لم يكن إبراهيم مفرطاً في التفاؤل للحصول على أموال كثيرة، كان يأمل بالحصول على عمل يستطيع من خلاله الإسهام بتوفير ما يعيل به أسرته ويخفف عنها الجوع.

مفاجأة

لم يكن إبراهيم يدرك أن مفاجأة من العيار الثقيل تنتظره في مناطق سيطرة جماعة الحوثي ؛ فما أن وصل إلى شارع الستين ـ الواصل بين مناطق شمال وغرب مدينة تعزـ حتى أحاط به عدد من مسلحي الحوثي و اقتادوه مع عدد من الفتية الذين قدموا لنفس الغرض ( البحث عن عمل (في منطقة الحوبان شمالي شرق المدينة.
تم التحقيق مع إبراهيم والمختطفين معه، ووجهوا لهم تهماً متعددة؛ كالانتماء للمقاومة المناهضة للجماعة المسلحة؛ والتعاون مع داعش، لكن لم تصل التحقيقات معهم إلى نتيجة، كون التهم ملفقة في الأصل، ومع ذلك اشترطت قيادات تدير معتقلات الحوثي على المعتقلين دفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم، عدد من زملاء إبراهيم دفع أهاليهم المبالغ تلك، فيما أسرة إبراهيم المعدمة لم تستطع دفع المبلغ المطلوب في حينه.
بعد مرور 164 يوماً استطاعت الأسرة توفير المبلغ المطلوب وذهبت إلى الحوثيين للإفراج عنه، لكنهم لم يفلحوا في افتدائه بما لديهم من مال، لأنه ببساطة قد تم ترحيله إلى معتقلات مدينة الصالح السكنية، ذلك المعتقل الرهيب التابع لجماعة الحوثي شرق مدينة تعز. ذهبت أسرته إلى هناك، ليجدوا الوضع قد تغير، إذ ارتفع المبلغ المطلوب دفعه مقابل إطلاق سراح ابنهم إبراهيم، وهكذا عادوا أدراجهم لتدبير المبلغ المطلوب مرة أخرى.

صدمة نفسية

بعد أشهر، تمكنت أسرة إبراهيم من توفير مبلغ الفدية المطلوب مرة آخرى، فسارعت إلى معتقل الحوثيين في “مدينة الصالح السكنية”، لكنهم تفاجئوا أن إبراهيم لم يعد في معتقل الصالح، جرى نقله إلى سجن في محافظة ذمار شمالي البلاد، وهناك مكث ستة أشهر، وبتاريخ 31 أغسطس/أب،2019، استهدف طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية، مبنى كلية المجتمع شمال ذمار، الذي يتواجد فيه إبراهيم كمعتقل.
أكدت أسرة إبراهيم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن ابنها قد توفى في الغارة، وتقبلوا المصير الأليم، ولم يعرفوا أن ابراهيم قد نجا ضمن40 معتقلاً كانوا في مبنى كلية المجتمع.

عندما شن الطيران غارته، كان إبراهيم في مطبخ المعتقل، لقد رأى ما حدث بفزع وذهول؛ اشلاءً تتطاير، واجساد زملائه المعتقلين تفحمت أمام عينيه. ولم تنته مأساة إبراهيم الذي نجا من القصف، بخروجه من المعتقل، لقد خرج من السجن وهو يعاني من صدمة نفسية رهيبة.

يواجه إبراهيم وغيره من الأشخاص الذين يكافحون للوصول إلى خدمات الرعاية النفسية والعقلية بسبب نقص القدرات أو الصعوبات المالية، تحديات كبيرة في الحصول على الرعاية المناسبة، سواء ضمن برامج المنظمات أو في المستشفيات الحكومية بسبب غياب الاستراتيجية الرسمية لدمج الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في خطط الصحة الوطنية، وجعلها ضمن أولوية الرعاية الصحية في البلاد.

لم يكن هناك أي خيار أمام أسرة إبراهيم غير زيارة إحدى العيادات الخاصة بالصحة العقلية والنفسية في مدينة تعز ليتلقى العلاج على نفقة الأسرة الخاصة، رغم قسوة وضعها المعيشي.

هذا المحتوى ضمن الجزء الأول من ملف الصحة النفسية في اليمن (تعز)

شارك