الصحفي اليمني احمد ماهر (فيسبوك)

أحمد ماهر.. نزيف صحفي

سياق التقرير

  • مركز فري ميديا

أحمد ماهر، صحفي يمني، تعرض للاعتقال والاخفاء القسري في أغسطس/آب 2022، من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن جنوب اليمن. تعرض ماهر لتعذيبٍ قاس، مازالت سرته تنزف دماً حتى اللحظة، لإجباره على الاعتراف بتهمة الاشتراك بعمليات إرهابية، بعد إعادة التحقيق وُجهت له تهمة أخرى، تعذرت جلسة محاكمته للمرة السادسة فأضرب عن الطعام.

وضع الصحفي اليمني أحمد عبدالله ماهر (٢٧ عاماً)  حياته على المحك أملًا في استرداد حريته المسلوبة، وذلك بإعلانه الإضراب عن الطعام، الذي بدأه في يناير/كانون الثاني ٢٠٢٣، لحين تنفيذ مطلبين رئيسين: أولًا: التحقيق بكافة الانتهاكات التي تعرض لها منذ القبض عليه في السادس من أغسطس/آب٢٠٢٢. وثانيًا: حقه في الحصول على محاكمة عادلة ونقله من محبسه إلى لحضور جلسات محاكمته التي تأجلت ست مرات بسبب رفض إدارة سجن بئر أحمد في مدينة عدن (جنوباً) نقله إلى المحكمة.


يعمل ماهر، كصحفي منذ 2013، ومنذ 2016 ركز بشكل أساسي على الانتهاكات الي ترتكبها الجماعات المسلحة في محافظة عدن، وفي 2017 تعرض لهجوم من قبل جماعات مسلحة أثناء تغطيته لترحيل مواطنين يمنيين شماليين في محافظة عدن جنوب اليمن.
كان ماهر أحد أكثر الصحفيين نشاطاً في التغطية الصحفية من عدن. لقد كان ضيفًا متكررًا على القنوات التلفزيونية، مثل “الجزيرة، العربية، وبي بي سي العربية”. لقد كان يعبر عن وجهات نظر مناهضة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ويعتقد أن هذا هو سبب إصدار مذكرة توقيف بحقه في 2019، ما اضطره لمغادرة عدن في أغسطس 2019، والعودة إليها بعد ثلاث سنوات ليتعرض للاعتقال والتعذيب.


بعد تشكيل المجلس الرئاسي اليمني في السابع من أبريل/نيسان ٢٠٢٢،  اطمئن ماهر للوضع التوافقي الجديد، حيث أصبح الانتقالي الجنوبي ضمن مكونات المجلس الرئاسي، إثر ذلك عاد ماهر إلى منزله في مدينة عدن دون أن يعرف أن الانتقالي كان يتعقب تحركاته، وفي 6 أغسطس/ آب 2022 داهمت عناصر من مركز شرطة دار سعد منزل الأسرة، وجرى اعتقال أحمد مع شقيقه مياس واقتيادهما إلى مكان مجهول.


ظل ماهر مخفيًا قسراً لمدة ثلاثة أيام، يقول والد ماهر: “حاولت معرفة تواجده من خلال سؤالي لمدير مركز شرطة دار سعد العقيد مصلح الذرحاني، لكنه رفض الإفصاح عن أية معلومات وقال لي: ابنك إرهابي”.

 
بعد متابعات حثيثة، علمت أسرة الصحفي أن ولدها محتجزًا في سجن بئر احمد في البريقة شمالي عدن، وهو سجن كانت تديره المخابرات الإماراتية، وتديره حاليًا قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

تعذيب

قال مياس عبدالله ماهر بعد الإفراج عنه بأن شقيقه أحمد تعرض للتعذيب الشديد بعد اقتياده إلى مركز شرطة دار سعد وهناك لم يسمح له بأن ينم لما يقارب من 30 ساعة في أول الأمر: “أجبره رجال الشرطة على الوقوف، ولم يسمحوا له حتى بالاستناد على الحائط”.
عقب ذلك، كان الصحفي ماهر ولمدة أسبوعين يقف ما يقارب من 16 ساعة في اليوم، يؤكد مياس إن عملية الاستجواب كانت تستمر من 10 صباحا إلى 2 ونصف ليلاً، وأثناء ذلك كان الجنود يتهجمون عليه بشكل دوري: “ضربوه حول الأعضاء التناسلية وعلى بطنه بالعصي وأسلاك حديدية مغلفة بالبلاستيك فأصيب بسرته ومازال يعاني من النزيف حتى اليوم“.
يذكر مياس، أن شقيقه الصحفي تعرض للصعق بالكهرباء وإغراق رأسه وسط المياه لمدة طويلة، وكان الجنود يحضرون قطعة ملابس قطنية وتُبلل بالمياه وتوضع على فم وأنف أحمد والضغط عليها من قبل أحد الجنود لبضع دقائق.
كما تعرض ماهر للإعدام الوهمي، بعد تغطية عينيه أطلقوا النار بالقرب من رأسه من أجل أن يوافق على اعترافات صلته بالإرهاب والمشاركة في التخطيط لاغتيال اللواء مثنى جواس، وهدده أحد عناصر الشرطة بقتل طفلته، وقتل والده وشقيقه، وأيضاً اختطاف زوجته واغتصابها.
وللتخفيف عن نفسه من قسوة التعذيب أدلى ماهر باعترافات جرى تصويرها “فيديو” ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي في سبتمبر/ أيلول 2022.


واستنكرت نقابة الصحفيين اليمنيين، الأسلوب القمعي الذي تمارسه الجهات الأمنية في عدن بحق الصحفي أحمد ماهر، على خلفية ممارسته للمهنة وتعبيره عن مواقفه وآرائه، كما نددت بأساليب التعذيب التي تعرض لها وإجباره على “الإدلاء باعترافات كاذبة وغير صحيحة”.
واعتبرت النقابة، أن ما قامت به الجهات الأمنية في عدن من تبرير لانتهاكاتها، مخالف للدستور والقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما حملت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، مسؤولية ما يتعرض له ماهر من تعذيب.

نزيف


قال أحد رجال الشرطة لماهر إن النيابة ستحضر للاستماع إليه، وأخبره بما يجب أن يقوله عن الإصابة الظاهرة على سرته التي مازالت تنزف: “ليست بسبب التعذيب” إذا لم يقل هذا سيضربونه أكثر.
وفي أكتوبر/تشرين الثاني 2022، استمعت النيابة لأقوال ماهر بحضور عناصر الشرطة الذين قاموا بتعذيبه، قال ماهر للنيابة ما أراده رجال الشرطة، إنه كان يعاني من مشاكل في سرته لمدة عام أو عامين، وأنه لم يحاول الحصول على العلاج بسبب الكسل.
وفي ديسمبر/ كانون الثاني 2022، قام طبيب السجن بفحص الصحفي بعد أن كانت معظم علامات الاعتداءات قد خفّت، إلا أن الأدلة على الإصابات كانت واضحة للعيان وقت الفحص، إذ كان هناك “القليل من الدم يتدفق من سرته” فأوصى الطبيب “بعرضه على أخصائي لمعرفة سبب النزيف”.
عرض ماهر حالته الصحية وأثار التعذيب، على وكيل النيابة الجزائية المتخصصة خلال زيارته له في السجن، وطلب منه توجيه إدارة السجن بعرضه على طبيب أخصائي، وافق الوكيل على ذلك إلا أن مدير السجن رفض الانصياع إلى توجيهات وكيل النيابة.

إعادة التحقيق ومماطلة المحاكمة

وقام محامي الدفاع مازن سلام، بالطعن في جميع الاجراءات التي اتُخذت ضد الصحفي أحمد ماهر باعتبارها مخالفة للقانون الوطني والقوانين الدولية لحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وطلب إعادة التحقيق مع ماهر دون حضور جنود الأمن الذين مارسوا التعذيب بحقه.
وأشار سلام إن النيابة في البداية تمسكت بسلامة الإجراءات وحاولت تقديم ماهر للمحاكمة، ضمن 18 فرداً متهمين بتنفيذ عمليات إرهابية، وأضاف: “وزعمت النيابة أن ماهر “اعترف” بينما هو في حقيقة الأمر عذب خلال التحقيق وأجبر على الإدلاء “باعترافات” وهذا يخالف الضمانات الدنيا التي تنص عليها المادة (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على: ألا يكره المرء على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب”.


وأكد المحامي أنه تقدم بطعن آخر أمام النيابة العامة والتي بدورها قبلت الطعن وأمرت النيابة الجزائية المتخصصة بإعادة التحقيق مع ماهر، وهذا ما حصل، حيث قدمت النيابة ماهر للمحاكمة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بتهمة “تفكيك التماسك الاجتماعي وتكدير السلم العام من خلال منشورته الصحفية على مواقع التواصل الاجتماعي” وبحسب المحامي فإن ذلك مخالفة قانونية حيث أن محكمة الصحافة هي المحكمة المختصة بقضايا النشر.
وبدأ الصحفي أحمد ماهر في 2 يناير/كانون الثاني2023 إضرابًا مفتوحاً عن الطعام احتجاجًا على مماطلة محاكمته، ورغم أن المحكمة الجزائية حددت انعقاد جلسة محاكمة ماهر، إلا أنها بعد ذلك قررت التأجيل في 15 يناير/كانون الثاني ٢٠٢٣ للمرة السابعة على التوالي، وذلك بعد رفض إدارة السجن نقل الصحفي إلى مقر المحكمة، تحت ذريعة عدم وجود مادة البترول للسيارة المخصصة بنقل السجناء إلى قاعة المحكمة، بالرغم من أن أسرة ماهر أبدت استعدادها لتحمل تكاليف النقل، غير أنها لم تحصل على استجابة من قبل الجهات المعنية. 

شارك