صورة: رسم كاريكاتير للصحافي رشاد السامعي، (فيسبوك) رسم كاريكاتير للفنان رشاد السامعي، (فيسبوك)

الريف اليمني على خط نار كورونا

سياق التقرير

FREE MEDAI| فري ميديا

تقرير | وسام محمد

عدد من أصيبوا بأعراض وباء الفيروس التاجي (كورونا) في عزلة “وتير” في جبل صبر جنوب تعز بلغ 4000 نسمة.

الى الشمال الجنوبي من جبل صبر المحيط بمدينة تعز اليمنية، ثمة قرى متناثرة، تشكل عزلة “وتير” وهي تابعة لمديرية المسراخ.
في منتصف مايو/أيار2020، بدأت أعراض وباء الفيروس التاجي “كورونا” تظهر على بعض الأهالي في هذه العزلة. أبرزها الحمى والسعال. وبعد أسبوع من ذلك، سجلت المنطقة أول حالة وفاة، عندما توفى رشاد عبدالله (38عاما) الذي كان يعاني من حمى شديدة وضيق تنفس. ليلحقه أخواه بعد أيام.

في البداية كان الجميع يتجاهل المرض، ثم ازداد عدد المصابين، حيث تشير التقديرات الى ان عدد ممّن أصيبوا بأعراض وباء الفيروس التاجي (كورونا) بلغ ثلثي سكان العزلة البالغ عددهم نحو 12 ألف نسمة. المركز الصحي الوحيد في المنطقة بات يشهد ازدحاما شديدا، بالرغم من شحة الامكانيات.
وبالنسبة لتعامل الجهات الرسمية، يقول بدري الوتيري؛ “من اول ما ظهرت الاصابات كنا نتواصل عن طريق مدير المركز الصحي مع مدير الناحية ومدير مكتب الصحة في المحافظة لكن دون جدوى.”
أكد بدري الوتيري، في حديثه لـ”فري ميديا”، إن الاستجابة الوحيدة جاءت من مدير المديرية؛ يحيى اسماعيل، الذي أصدر أمراً بإغلاق منافذ العزلة واعلانها منطقة موبوءة. مضيفا “تواصلنا مع مدير مستشفى المظفر ووفر لنا ادوات رش، وقمنا برش وتعقيم المنازل التي ظهرت فيها الاصابات”.
قد يكون جبل صبر عالي حتى على الشمس، كما يقول البيت الشعري الشعبي، لكنه لم يكن عاليا على فيروس كورونا، الذي جعل منطقة وتير تئن تحت وطأة انتشاره، دون أن يلتفت أحد لمعاناتها.

ظل الناس في الأرياف ينكرون وجود الفيروس التاجي رغم ظهور الأعراض على العشرات من الأهالي، وذلك بسبب عدم وجود برامج شالتوعية الصحية في مناطق أرياف محافظة تعز.

رعب واستهتار

بعد تسجيل أول حالة وفاة، في عزلة وتير، بدأ الخوف والرعب يسيطران على الناس، لكن بدون أية اجراءات احترازية. مجالس القات والتجمعات ظلت مستمرة.

أنقسم أهالي القرية إلى قسمين، القسم الأكبر منكر لوجود الفيروس، ويتعاملون مع الوضع باستهتار ولامبالاه، بل ويسخرون من أولئك الذين يحاولون توعيتهم بحجم الكارثة؛ وقسم أخر وهم القلة، أخذوا بالإجراءات الاحترازية ولزموا منازلهم.

الكثيرون كانوا يبقون اثناء مرضهم في منازلهم، ويظلون يصارعون المرض بينما الفيروس ينتقل من واحد إلى أخر. يقول بدري الوتيري وهو أحد الأهالي في عزلة وتير، “أن هذا كان يحدث بسبب عدم وجود الوعي وعدم القدرة على عزل الحالات المصابة”. ويضيف “لم يكن لدينا حتى الملابس الواقية او حتى كمامات كأقل تقدير حتى نمر على البيوت ونوعِّي الناس او نرصد عدد الحالات المصابة”.

علي عبدالواسع، من أهالي مديرية شرعب السلام، الواقعة في إطار الجزء الشمالي لمحافظة تعز، قال لـ”فري ميديا” إن الوضع في منطقته لم يختلف عن باقي الارياف. “كان هناك خوف قبل أن ينتشر المرض. وكان الناس يتعاملون بريبة مع العائدين من المدن خصوصا القادمين من محافظة عدن جنوب البلاد، التي كانت تشهد وفيات بالعشرات بحسب ما تشير وسائل الاعلام يوميا؛ لكن رغم أن بدأت الأعراض تظهر عليهم، غيرانهم ظلوا ينكرون وجود الفيروس.

وأضاف، “بعد ظهور حالات مؤكدة، أنتقلت الناس من الحذر والخوف، إلى الاستهتار واللامبالاة، وكانت تردد “ما هو من الله فحيا به”. كانوا إذا لبس أحدهم كمامة يسخرون منه.

ظل الناس يتجمعون كعادتهم، الشيء الوحيد الذي قاموا به هو الامتناع عن المشاركة في دفن المتوفين من كبار السن، ويترك ذلك لأسرة المتوفي.

لا يتوقف الأمر عن الاستهتار واللامبالاه، فهناك كثير من الخرافات ظلت تنتشر إلى جانب فيروس كورونا، فمع بداية انتشار الوباء، ووصول الفيروس الى دولة اسرائيل، سرت شائعة ان اليهود اليمنيين، لديهم مناعة من الاصابة بالفيروس، والسبب يعود إلى نوع الوجبات التي يتناولونها، خاصة “الحلبة” التي تضاف لأكلات عدة من بينها وجبة السلتة الشهيرة والتي هي جزء أساسي من المائدة اليمنية.

كما أعتمد الناس على الخبرات الشعبية في مواجهة كورونا، فهم بمجرد الاصابة بالزكام وفقد حاستي الشم والتذوق، أو عندما يشتكون من ضيق في التنفس، يلجؤون الى استدعاء الخبرة التاريخية في مواجهة الأوبئة، أبرزها، طهي نبتة “الحلص”، وأكل وشرب الليمون والتمر الهندي (الحُمر). ويمكن القول إن هذا قد نجح إلى حد ما في ظل غياب الخدمات الصحية.

ظلت تجارة ومجالس القات قائمة بالرغم من انتشار الوباء، ما يعني أن ثقافة التباعد الاجتماعي ليست وارده في حسبان المجتمع.

القات وكورونا

من ضمن الوفيات في منطقة وتير جراء اصابتهم بالفيروس التاجي “كورونا”، ثلاثة اشخاص كانوا يعملون في بيع القات، سمير عبدالله ومختار حسن، وشخص ثالث. كانوا يجلسون بجوار بعض في السوق اثناء بيعهم للقات.

وقد بدأت الأعراض تظهر على سمير، ثم انتقلت إلى رشاد الذي كان أول المتوفيين، وظل سمير يعاني لأيام ثم توفى.

يصنف القات بأنه أحد عوامل انتشار الوباء، لكن ظلت تجارته قائمة بالرغم من الحرب ومن الوباء، مخترقا العزلة والمشقة في ايصاله إلى مدن اليمن ومناطقها المختلفة.

ويعد نظام تسويق القات ونقله من مناطق مختلفة وبيعه في الأسواق، وما ينجم عنه من تبادل للنقود بين أطراف البيع والشراء، أحد التهديدات الحقيقية، التي من شأنها، ضمان بيئة خصبة لانتشار الفيروس ووصوله للأرياف والمدن على حدا سوء.

كما أن مجالس تعاطي القات ظلت قائمة طول الفترة الماضية، خصوصا في الارياف التي لا توجد منه سلطات قوية، تستطيع أن تفرض الاجراءات الاحترازية البسيطة والمتمثلة في منع فتح صالات الاعراس والعزاء. فالناس في الارياف يقيمون أعراسهم وعزاءاتهم في المنازل وفي أماكن مزدحمة، ما يعني أن ثقافة التباعد الاجتماعي ليست وارده في الحسبان.

لكن القات ليس وحده المسؤول عن وصول الفيروس التاجي “كورونا” إلى القرى البعيدة، فهناك العائدون من المدن في الاعياد والمناسبات، وهناك النازحون الهاربون من كورونا، وهناك العمال الذين فقدوا أعمالهم بسبب كورونا وأضطروا أن يعودوا لقراهم كما هو الحال مع عمال المطاعم والكافتيريات التي منعت من استقبال الزبائن.

واقع الموت وذاكرة التاريخ

حدث أن خرجت سبع جنازات في يوم واحدة، من قرية وتير، في مديرية المسراخ بصبر، وذلك جراء تفشي فيروس كورونا وعدم قدرة الاهالي على كبح جماح المرض. هذا المشهد أعاد لكبار السن، ذكرى المجاعات والأوبئة، خلال فترة حروب الامام يحيى حميد الدين وأبنه أحمد، خلال النصف الأول من القرن العشرين.
يقول الأهالي، لو أن البلاد لا تعاني من ويلات الحرب ومدينة تعز ليست محاصرة من ثلاث جهات، لما أصبح هذا وضعهم؛ على الأقل كان يمكن انفاذ نصف هؤلاء الذين تم توديعهم خلال أشهر قليلة ووصل عددهم إلى أكثر من 165 حالة وفاة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا؛ في تعز.
سجِّلُ الامامة، مليء بالمعلومات الصادمة، حيث ترتبط بثلاثي الحرب والجوع والأوبئة. ويشير المؤرخ عبدالله الفسيل في كتابه “نحو النور” إلى أن الاتراك خرجوا من اليمن في العام 1918، وسلموا البلد للامام يحيى حميد الدين، وكان عدد السكان يقترب من سبعة ملايين نسمة.
وبعد ثلاثين عاماً، أي في العام 1948، بحسب ما يشير الكتاب، أصبح عدد سكان اليمن، 3 ملايين نسمة، لينخفض العدد بمعدل 60%، وهذا يوضح حجم الجريمة التي ارتكبتها الامامة بحق اليمنيين، مع الاشارة إلى مليون يمني قضوا نحبهم خلال عام واحد بسبب الثلاثي الامامي: الحرب والجوع والمرض.
ارتبطت حروب الامامة في اليمن، والتي ظلت تدور خلال أزمنة متعددة، بسيادة الفقر وتفشي الأمراض الأوبئة. لدرجة أن اثار هذه الظاهرة، أصبحت جزء أساسي من تاريخ وله شواهد كثيرة، لعل التوزيع الديموغرافي للسكان، أحد هذه الاثار الباقية إلى اليوم، والتي جاءت حروب جماعة الحوثي، وفيروس كورونا لتعيد التذكير بها.

اليمنيون يتوزعون على أكثر من 130  ألف تجمع سكاني. في الظروف المثالية، هذا التشتت، يصعب من امكانية تقديم الخدمات الطبية لجميع السكان.

الريف الواسع

قاطنوا المدن في اليمن، هم الاقل ونسبتهم لا تزيد عن ثلث السكان، فالأغلبية العظمى من السكان، لا يزالون يعيشون في الريف، حيث تكاد تنعدم الخدمات الطبية.
التركيبة الديمغرافية للسكان في اليمن، موروثة عبر تاريخ طويل من الحروب والأوبئة. فاليمنيون يتوزعون على أكثر من مائة وثلاثين ألف تجمع سكاني. في الظروف المثالية، هذا التشتت، يصعب من امكانية تقديم الخدمات الطبية لجميع السكان.
ويتمركز السكان غالبا، في قمم الجبال، حيث استوطنوها واستصلحوها، ويقال إن ذلك كان بسبب هروب اليمنيين من الأودية التي عادة ما تنتشر فيها الأمراض، لكن أيضا هروبا من سلطات الامامة القائمة على الجباية والقهر والتي تستطيع احكام سيطرتها على المدن مع سهولة الوصول الى الاودية والمناطق المستوية بعكس الجبال الشاهقة التي يتخذها السكان كحصون تقيهم شر الحملات.
لم يقتصر انتشار الأمراض على مديرية المسراخ فقط، بل أمتد إلى مديرية جبل حبشي غربي محافظة تعز، وبنسخة مخففة إلى باقي الارياف، حيث تم استنهاض الخبرة العريقة في مواجهة المرض، وأصبحت الحمضيات والاعشاب المختلفة هي المترس الأخير أمام السكان في ظل غياب تام للخدمات الصحية.

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر، على اعلان أول حالة اصابة بفيروس كورونا في اليمن، ووفاة المئات، لا يزال من الصعب قياس حجم انتشار الوباء وحجم الاضرار التي خلفها.

التقديرات

يقال ان كورونا في اليمن لم يصل ذروته بعد. مع بداية انتشاره، اشارت التقديرات الى ان عدد الاصابات سيبلغ 16 مليون اصابة. أي أكثر من نصف السكان، وذلك بسبب ان البلاد تعيش حرب، ولا يوجد وقاية وتدابير احترازية، والنظام الصحي شبه منهار.
بعد مرور أكثر من أربعة أشهر، على اعلان أول حالة اصابة بفيروس كورونا في اليمن، في ابريل/ نيسان، 2020، ووفاة المئات، لا يزال من الصعب قياس حجم انتشار الوباء وحجم الاضرار التي خلفها. خصوصا في أرياف اليمن الواسعة.
وقال ألطاف موساني، ممثل منظمة الصحة العالمية، لمجلة لانسيت الطبية، إنه في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يصيب الفيروس في نهاية المطاف حوالي 28 مليون يمني – أي ما يقرب من جميع السكان – ويسبب 65 ألف حالة وفاة على الأقل.
ومن أجل محاصرة الوباء، في أضيق نطاق ممكن، أقترح الطبيب والكاتب اليمني مروان الغفوري، أن يتم “عزل المدن عن القرى بصورة شاملة”. لأن 70% من سكان اليمن يتركزون في الأرياف.
وكما هي التقديرات المتعلقة بالمصابين بفايروس كورونا، فإن “٢٠% من المصابين سيتطلب إدخالهم المشافي، وبسبب انعدام الخدمات الطبية في الأرياف، وشحتها في المدن، فإن حياة خمس السكان – على الأقل – ستكون معرضة للخطر. وبخاصة في ظل غياب استراتيجية احتواء”. شدد طبيب القلب اليمني المقيم في المانيا بالقول: الأمر يتعلق بـ”حياة” خمس السكان لا بصحتهم

شارك