في صورة يتحدث أطباء يمنيون يرتدون أقنعة ومعدات واقية للمرضى في مستشفى عدن.

جيش اليمن الابيض بلا سلاح لحماية نفسة ..عشرات الوفيات جراء اصابتهم بـ(كوفيد19)

سياق التقرير

عدم التدخل الجدي لوضع حد لتساقط الأطباء الذين يفتقدون لأبسط أدوات الحماية، يكون النظام الصحي في اليمن، قد وصل إلى آخر عتباته المتبقية، الأمر الذي يشير إلى كارثية قادمة.

تجاوز عدد الأطباء المتوفين في اليمن، جراء إصابتهم، بفيروس كورنا (كوفيد19)، حاجز الخمسين طبيباً وممرضاً وصيدلانياً. بحسب ما تؤكد مصادر طبية، ونقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين.
ولا يزال عدد الأطباء الذين من المتوقع فقدانهم، مرشح للزيادة، في ظل إصابة المزيد من أفراد الطواقم الطبية العاملة في المراكز الخاصة باستقبال المصابين بفيروس كورونا (كوفيد 19)، وفي باقي المستشفيات العامة والخاصة.

في إستمرار هذا الوضع، وعدم التدخل الجدي لوضع حد لتساقط الأطباء الذين يفتقدون لأبسط أدوات الحماية، يكون النظام الصحي في اليمن، قد وصل إلى آخر عتباته المتبقية. هذه العتبة، باتت على وشك السقوط. الأمر الذي يشير إلى كارثية الأسابيع والأشهر القادمة.
وتناقل ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي صورة مؤلمة للطبيب محمد حسين الدعيس، الذي توفى مطلع الأسبوع الماضي في مدينة اب وسط البلاد، بعد أن رفض إحدى مستشفيات المدينة استقباله لتلقي العناية الصحية، ليعود إلى سيارته وأسند رأسه على كرسي القيادة وفارق الحياة، في صورة مكثفة للمشهد القائم الذي يعيشه أطباء اليمن، جراء اصابتهم المتكررة، بفيروس كورونا (كوفيد 19) وغياب الرعاية والحماية الطبية.

وفي حادثة وفاة أخرى في صفوف الأطباء، كان الضحية، الدكتور ثابت ناشر العريقي، وزير صحة سابق، أصيب بفيروس (كوفيد 19) ودخل العناية المركزة في مستشفى اليمن الحديث في صنعاء شمالي اليمن، وهناك لفظ أنفاسه.

70 طبيبا وممرضا وصيدليا، قضوا نحبهم على خلفية اصابتهم بفيروس كورونا في صنعاء، وبقية المحافظات حتى منتصف يونيو/حزيران2020، فيما وصل المصابين بين الطواقم الطبية لفريق الاستجابة في تعز الى 25 إصابة

الدكتور محمد المهيوبي، عضو المكتب التنفيذي في نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين، قال لـ موقع المعهد اليمني لحرية الإعلام (IMF)، التابعة لمؤسسة “فري ميديا”، إن عدد الأطباء الذين قضوا نحبهم على خلفية اصابتهم بفيروس كورونا في صنعاء وحدها، بلغ عددهم 33 طبيبا وممرضا وصيدليا، حتى منتصف يونيو/حزيران2020، بينما عشرون أخرون توزعوا على باقي المحافظات، وكان للعاصمة المؤقتة عدن في جنوب البلاد النصيب الأكبر.
وكانت ادارة مستشفى الروضة في محافظة تعز جنوبا، قد أعلنت خلال الأسبوع من يونيو/حزيران2020، اغلاق ابوابها، بعد اصابة ثلاثة من الكادر الطبي بفيروس كورونا، واشتباه في اصابة أخرين. وكان الغرض من الاغلاق الذي استمر لمدة يوم ونصف، هو تعقيم المستشفى.
وفي تصريح، لـ”IMF” قال منير المحمدي، رئيس فريق الاستجابة السريعة في محافظة تعز، أن عدد المصابين بين الطواقم الطبية لفريق الاستجابة، وصل إلى 25 اصابة. وبعد أسبوع من تصريحه أصبح مصابا وعزل نفسه داخل دكان بالقرب من مركز العزل العلاجي في المستشفى الجمهوري جنوبي شرق المدينة.[

القطاع الصحي

في اليمن، تبدو معاناة الفرق الطبية مضاعفة، فمخصصات قطاع الصحة في الظروف العادية، لم تكن لتساعد كثيرا، عند التصدي لجائحة كورونا، حيث نصيب هذا القطاع من الإنفاق العام، يتراوح ما بين (3-4) في المائة ليصبح الأمر أكثر كارثية مع الحرب، التي دمرت، منذ اندلاعها (قبل خمسة أعوام) ما يصل إلى 70 في المائة من المنشآت الصحية، وفقاً للتقارير الدولية، إلى جانب توقف المخصصات وتوقف رواتب أغلب موظفي قطاع الصحة.

فقد القطاع الصحي في اليمن من كوادره في معركة التصدي لجائحة كورونا، ما لن تكفي عشرون سنة قادمة لتعويضهم

خلال معركة التصدي لجائحة كورونا، التي يخوضها، “الجيش الأبيض” في اليمن، بدون سلاح، أو معدات وقاية وحماية كافية، أخذت الأصوات تتعالى، وهي تصور حجم الكارثة التي يشهدها القطاع الصحي، حيث بات يفقد من كوادره، ما لن تكفي عشرون سنة قادمة لتعويضها، في ظل صمت وتواري مريب للجهات المناط بها توفير أبسط وسائل الحماية والوقاية للطواقم الطبية حتى تستطيع القيام بدورها.
مع ذلك، فإن اصابة الكوادر الطبية بفيروس كورونا، يظل أمراً متوقعاً، ليس فقط لأن هذا حدث في كل البلدان من ووهان في الصين إلى نيويورك ولندن، بحسب ما يشير الدكتور عبدالقادر الجنيد، ولكن أيضا لأنه أصبح أمرا معروفا من أيام “سارس” قبل عدة سنوات.
وفي حديثه لـ”فري ميديا”، يقول الدكتور الجنيد: “يؤخذ على اليمنيين أنه كان لديهم الوقت الكافي، ليدركوا أن ما حدث للطواقم الطبية في باقي الدول سيحدث عندنا أيضا، ولكن سادت حالة عجيبة من الإنكار والسخرية والاستخفاف”. ويضيف: “حدث كل ما توقعناه وكتبناه قبل وصول ڤيروس كورونا لليمن، قلنا إن الضربة ستكون قوية بين الأطباء والعاملين في المستشفيات”.

 أسباب إصابة الكوادر الطبية، تعود إلى قلة معدات الوقاية ورداءة نوعيتها، وسط خذلان تام من قبل المنظمات الداعمة والتي يفترض أن تقوم بواجبها في توفير مثل هذه المعدات.

انعدام أدوات الحماية

هناك نوعين من الأطباء المصابين بفيروس كورونا، النوع الأول من يعملون في استقبال المصابين بالفيروس، في مراكز العزل العلاجي والحجر الصحي، وذلك نتيجة للإجهاد الذي يتعرضون له، كون ارتداء معدات الوقاية الشخصية محكمة الاغلاق، في حال توفرها، لأكثر من أربع ساعات امرا بالغ المشقة، خاصة في الأجواء مرتفعة الحرارة.
حيث تشير التقديرات الطبية، إلى أن الطواقم الطبية، تعمد خلع الملابس الواقية؛ لتخفيف التعرق، بين وقت وآخر، مما يجعلها عرضة للإصابة بالفيروس، الأمر الذي يتطلب تكثيف الكادر لتخفيف شدة الاجهاد على الأطباء.
النوع الثاني هم الأطباء الذين لا يعملون في مراكز العزل المخصصة للمصابين بفيروس كورونا، وهؤلاء يصابون جراء احتكاكهم بالمرضى الذين يأتون الى المستشفيات ولديهم بعض أعراض كورونا لكنهم يعتقدون أنها مجرد أنفلونزا عادية أو حميات بسبب عدم قيامهم بالفحوصات نتيجة انعدامها.
وقد أكد منير الحمودي رئيس فريق الاستجابة الطارئة لمواجهة كورونا، أن أسباب إصابة الكوادر الطبية، تعود إلى قلة معدات الوقاية ورداءة نوعيتها، حيث اختفت كل وسائل الوقاية بل انعدمت تماما من الاسواق وسط خذلان تام من قبل المنظمات الداعمة والتي يفترض أن تقوم بواجبها في توفير مثل هذه المعدات.
ولمواجهة هذا الوضع يقول: “أصبحنا نلجأ الى القبول بأدوات الوقاية التي تنتج محليا بالإنتاج أو بالأصح القبول بما نجده ليس هذا وحسب بل نتسابق عليه”. مشيرا الى قلة المطهرات والمعقمات وندرتها.
وأوضح الحميدي، بأن أحد الأسباب التي أدت إلى إصابة ما يزيد عن 25 شخص من أفراد طواقم الاستجابة السريعة لمواجهة كورونا في محافظة تعز، هو الازدحام، حيث العنابر المخصصة لاستقبال المرضى، حديثة الانشاء وليست مصممة بحسب المواصفات الفنية، كما هو متبع عالميا. طبقا للحميدي. “ومكافحة العدوى يتطلب وضع مقاييس عالية الدقة”.
من جهته يصف محمد مخارش، المشرف العام لمركز العزل في المستشفى الجمهوري بمدينة تعز، الظروف التي يعملون فيها، بأنها صعبة للغاية، حيث يواجه الأطباء نقصا في أدوات الحماية الشخصية.
وتعود إصابة الاطباء بالفيروس بحسب مخارش، إلى أن “أساليب الوقاية محدودة وبدائية، فهي تعتمد على إستخدام المعقمات الكحولية، وارتداء الجونتينات والجاونات والكمامات، نظرا لعدم توفر بدلات الوقاية الكاملة الخاصة بمواجهة الأوبئة، والتي يطلق عليها ppa”.
وتلعب التغذية ومستوى دخل الفرد دوراً كبيراً، في الاصابة بالفيروس، وتشترك الكوادر الطبية في هذه النقطة مع عامة الناس، فالمستوى المعيشي للكادر الطبي حاليا، ترشحهم ليصبحوا “في خانة المفقودين وليس المصابين فقط” على حد تعبير الحميدي.
يضاف إلى ذلك، بأن ثقافة الوقاية ضعيفة حتى في أوساط الأطباء أنفسهم، كنتيجة، لعدم وجود تثقيف صحي، وعدم وجود برامج توعوية دائمة، لكيفية حماية الأطباء من فيروس كورونا سواء اثناء استقبالهم لمصابين محتملين، أو لأمراض عاديين.
يشير الحميدي، إلى أن “بعض الأطباء لا يؤمنون بوجود الفيروس، مثلهم مثل عامة الناس، لهذا يستمرون في التجاهل، ما يعني أنهم قد يصابون في مركز العزل أو خارجه، في الاسواق”. ويستدرك بالقول: “لكن هذا لا ينطبق على الجميع، فهناك أطباء سواء بين فرق الاستجابة السريعة أو الطاقم الطبي لمركز العزل، أصيبوا، وفورا قاموا بعزل أنفسهم، وأعلنوا عن ذلك من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل”.

 يتوقع الدكتور الجنيد ترك الأطباء من أماكن عملهم، وإغلاق المستشفيات أبوابها، جراء إستمرار إصابة الكادر الطبي بفيروس كورونا.

مشهد مرعب

يصبح المشهد، أكثر رعبا، بالنظر إلى الأثار التي ستترتب، على إستمرار إصابة الأطباء بفيروس كورونا، وإستمرار سقوطهم كضحايا. حيث سيكون لهذا المشهد تبعات كارثية، وتأثير مباشر على هامش الخدمات الصحية الحالية، وتهديد حقيقي لإستمرارها.

عن هذه الأثار، يتوقع الدكتور الجنيد، “أن الأطباء سيهربون من أماكن عملهم. ويضيف “هذا طبيعي ومتوقع ولا مجال لاستنكاره” متسائلا “ما الفائدة من أن يلقى الطبيب حتفه؟” وهو ما بدأت تشهده بعض المستشفيات فعلا.

الشيء الثاني المتوقع بحسب الجنيد، هو أن تقفل المستشفيات أبوابها بوجه المتأثرين بأمراض أخرى”. لكن حتى مع تجاوز هذه النقطة، في ظل لجوء بعض المستشفيات الخاصة، إلى نصب خيام أمام بوابتها لاستقبال من يشتبه بإصابتهم بالفيروس، إلا أن الناس أصبحت تتباطأ وترفض الذهاب للمستشفيات، خوفا من التقاط الفيروس منها، خصوصا أولئك الذين يشتكون من أمراض أخرى.

وقد أكد لـ”فري ميديا” مصدر في مستشفى الروضة في تعز، أن عدد المرضى الذين يستقبلهم المستشفى تناقص بشكل كبير، منذ اعلان المستشفى عن اصابة عدد من أفراد طواقمها الطبية بالفيروس. وبالرغم من أن إدارة المستشفى عاودت فتح أبوابها بعد يوم ونصف من الإغلاق الذي قالت إنه جاء بهدف التعقيم، إلا أنها، طبقا لما صرح به المصدر، “تكبدت خسائر كبيرة”.

تضاف هذه المخاوف، الى سلسلة من التصريحات المرعبة، التي كانت قد ترددت في وسائل الاعلام خلال الشهرين الأخيرين، حيث أشارت بعض التقديرات، إلى أن الذين سيصابون بوباء كورونا في اليمن، سيصل عددهم، إلى 16 مليون شخص. ما يعني أن عدد الضحايا سيصل إلى مئات الألاف في حال كانت هذه التقديرات صحيحة.

وحتى الآن تبدو اليمن هي الدولة الوحيدة، التي يبلغ عدد الوفيات فيها، أكثر من عدد من يتم شفائهم، بعشرين ضعف تقريباً، بحسب ما يظهر في النشرة اليومية، لمنظمة الصحة العالمية، وبحسب مصادر طبية، فإن هذا التفاوت بين عدد المصابين وعدد من يتوفون ومن يتم شفائهم، يعني شيئين: الأول: أن عدد الاصابات غير المعلن عنها كبير جدا. الثاني: أن الخدمات الطبية المقدمة رديئة للغاية.

غياب السلطات

يتساءل الدكتور الجنيد عن السبب الذي يمنع السلطات والقيادات الصحية في البلد، من توفير ملابس وأدوات الوقاية للطواقم الطبية، وهي الجهات التي يقول إن اللوم يقع عليها، غير أن لـ”غياب الدولة وضعف الإمكانيات والوضع العام لبلد في حالة حرب أهلية ووجود انقلابين وحكومة شرعية لا تستطيع أن تبقى في عاصمتها”. دور في هذا الذي يحدث. بحسب ما يؤكد.
غير ان الأمر لا يتوقف عند غياب السلطات، بل يتعدى ذلك إلى تدخلاتها، التي تفاقم من المشكلة، حيث كانت مصادر اعلامية قد تحدثت في وقت سابق، عن أن السلطات الحوثية، تتخذ اجراءات قسرية بحق الأطباء العاملين في المستشفيات التي تستقبل المصابين بفيروس كورونا، وأنها أجبرت بعضهم على الاستمرار في العمل لأسابيع ومنعتهم من العودة الى منازلهم أو آخذ قسط من الراحة. وقد نتج عن ذلك وفاة العديد من كادر مستشفى الكويت في صنعاء خلال الفترة الماضية.
وعلق الكاتب والمثقف اليمني، أحمد ناجي النبهاني، بالقول “لم نسمع حتى الآن عن أي قرار بإنصاف (الأطباء الذين قضوا نحبهم) ومنحهم درجة وزير مع بدل سكن لائق لأسرهم لكي تعيش حياة كريمة بعد رحيلهم”.
وأضاف في منشور على صفحته في فيس بوك، قبل أيام ” طالبنا أن يتم منح الطبيب الذي ينتقل إلى رحمة الله بسبب كورونا مرتب وزير بصورة دائمة مع بدل سكن لأسرته وهي مطالبة بسيطة بالنظر إلى حجم التضحيات التي يقدمها الأطباء”. مشيراً إلى أن الإهمال إتجاه الأطباء، هو قاسم مشترك لدى جميع السلطات في شمال اليمن وجنوبه وفي شرقه وغربه.

شارك