مستشفيات تعز لا تمتثل لطرق التخلص الآمن من النفايات الطبية، وترحلها إلى الشوارع أو إلى مكب على بعد كيلومتر واحد، من أقرب تجمع سكاني.
فرْض جماعة أنصارالله (الحوثيون)، الحصار على مدينة تعز منذ أربع سنوات ممّا ساهم في تفاقم أزمة المخلفات الطبيّة الخطرة، التي أصبحت واحدة من أكثر المهام تعقيدًا وخطورة في المدينة. لكن، الحصار ليس السبب الأوحد للمشكلة، فالمستشفيات نفسها لا تمتثل للطرق والإجراءات المعمول بها بغرض التخلص الآمن من النفايات الخطرة، وفقا للوثائق الصادرة من الجهات المختصة.
يعيش سكان مدينة تعز؛ المقسّمة إلى شطرين بين طرفي النزاع؛ جنوب اليمن، تحت رحمة مخاطر وأضرار النفايات الطبيّة الخطرة، في ظل قيام مستشفيات المدينة بترك المخلفات الطبيّة بالقرب من بواباتها الرئيسيّة أو بالقرب من مجاري السيول المتدفقة إلى الأحواض المائيّة شمال المدينة أو وضعها على الأسطح أو في أفنية المستشفيات نفسها ليتم رفعها فيما بعد من قبل جامعي القمامة، العاملين في صندوق النظافة، بغرض ترحيلها إلى مكب النفايات الذي يبعد كيلومتراً واحداً فقط، عن أقرب تجمع سكاني غرب المدينة.
الخبير البيئي الطاهر الثابت:
مخلفات المستشفيات، الطبية، تحتوي على مواد خطرة ومعدية، تسبب طفرات وتشوهات في البيئة المحيطة.
وفقًا لدراسة، نُشرت على موقع النفايات الطبيّة للباحث في مجال إدارة المخلفات الطبيّة، الخبير البيئي الليبي الطاهر الثابت؛ “المخلفات الطبية الناتجة عن العناية الصحيّة بالمرضى في المستشفيات أو المخلفات الطبيّة الناتجة عن عمليات التشخيص أو التحاليل الطبيّة في المعامل والمختبرات الطبيّة، تحتوي على مواد معديّة ومواد كيماويّة خطرة، قد تُسبب طفرات وتشوهات في البيئة المحيطة وآثاراً صحيّة ضارة على الأفراد العاملين في المرافق الصحيّة، أو المحيطين بهم، وأحيانا كثيرة على المرضى أنفسهم، فتسبب لهم أمراضًا أخرى، غير التي دخلوا بها إلى تلك المرافق”.
تجمع المخلفات الطبية في النهار وتنام قربها ليلًا
براتب ضئيل، عمال النظافة في المستشفيات، يتعرضون لمخاطر النفايات الطبية، دون أن يتلقوا التدريبات اللازمة.
تعيش ابتسام احمد (ليس اسمها الحقيقي)، عاملة النظافة في المستشفى الجمهوري الحكومي، البالغة من العمر أربعين عامًا، برفقة أطفالها الثلاثة، بدور (9 أعوام)، وعمار (عامان)، ورمزية (16عاما)، في خيمة صغيرة مصنوعة من الورق المقوى (الكراتين)، منصوبة في فناء المستشفى، على بعد ثلاثين مترًا من موقع تجميع النفايات الطبيّة المتراكمة في الفناء نفسه.
ابتسام احمد وطفلتها رمزية تعملان، نحو اثني عشرة ساعة يوميًا، في جمع النفايات ونقل الأكياس الصفراء والحمراء المليئة بالمخلفات الخطرة من قسمي الولادة والكوليرا، في المستشفى الجمهوري الحكومي، لقاء راتب ضئل يقدّر بـ 20,000 ريال يمني (ما يعادل 34 دولارًا أمريكيًا)، دون أن تتلقيا التدريبات اللازمة على التعامل الآمن مع النفايات الطبية. “نقوم بإخراج مخلفات المرضى من قسم الولادة والكوليرا، اولاً بأول، وهي مليئة بالبراز، والقيء، والدم” تقول لنا أمل “توجد مخاطر، لكنهم لم يخبرونا بذلك، نحن نرى مخلفات الولادة داخل أكياس باللون الأحمر والاصفر، ونعرف بأنفسنا أنها تحتوي على نفايات خطرة”.
أُصيب الأطفال الثلاثة بوباء الكوليرا، وتمت معالجتهم في مركز خاص في المستشفى، مدعوم من قبل منظمة أطباء بلا حدود. “حالات قيء وإسهال أُصيب بها أطفالي الثلاثة في يوم واحد، ورقدوا مدة ثلاثة أيام في القسم المخصص، لو رأيتموني وأنا أقوم بتمريضهم، لأسميتموني طبيبة” أضافت أمل.
رصد هذا التحقيق، وضع إدارة النفايات الطبية الخطرة، وإجراءات التخلص منها في خمس عشر مرفقًا صحيًا في محافظة تعز، منذ سنة 2015 وحتى سنة 2019؛ على ضوء لوائح وقوانين الصحة، وتوصل إلى أنّ جميع المستشفيات الخاصة والعامة في تعز، ليس لديها أنظمة للتخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة، كما أنّها لا تقوم بتدريب وتأهيل العاملين على جمع النفايات والتخلص منها بطرق آمنة.
تؤكد دراسات متخصصة، على أنّ كلّ الإفراد العاملين في الصحة الذين يتعرضون للنفايات الطبيّة داخل المرفق الصحي أو خارجه، خصوصًا العاملين في جمع ونقل المخلفات الطبيّة والتخلص منها، أو غيرهم من الذين يتعرضون للنفايات عن طريق الخطأ والإهمال أو الأشخاص العابثين بتلك النفايات، هم أكثر الأشخاص عرضة للإصابة، إذ تحتوي النفايات الطبيّة على مواد معديّة، من ميكروبات وفيروسات سريعة الانتشار ومواد حادة ملوثة بسوائل المرضى.
قطط تتغذى على نفايات ومخلفات في فناء المستشفى الجمهوري
مدير المستشفى الجمهوري: ليس لدينا محرقة خاصة بالمستشفى، والنفايات، مكدسة في الفناء الخلفي، تتغذى القطط بعضا منها.
في فناء المستشفى الجمهوري شرق المدينة، تتراكم نفايات طبيّة خطرة، منها مخلفات قسم التوليد. وقد شاهدنا، أثناء إعداد هذا التحقيق، عددًا من النساء والأطفال، وهم يقومون بتعبئة المياه من صهريج متموضع جانب تلك المخلفات. كما أن قطط الشوارع تتغذى على هذه النفايات المتراكمة في فناء المستشفى. أما بقايا تلك النفايات، فإنّ مياه الأمطار تقوم بجرفها في شوارع المدينة.
أقر مدير عام المستشفى الجمهوري، الدكتور خليل العبسي، عند تسليمه مذكرة رسميّة من معدّي هذا التحقيق، بعدم وجود محرقة خاصة بنفايات المستشفى، وبأنّ المحرق الوحيد للنفايات هو المكب العام للنفايات العاديّة غرب المدينة، وأنّ نفايات المستشفى مكدسة في الفناء الخلفي، حيث تتغذى القطط منها.
مخلفات مستشفى الثورة تتراكم أمام بوابتها الرئيسيّة
بين أكوام النفايات، تقوم مريم سعيد بالبحث عمّا يمكن بيعه، لايساعدها في اعالة أطفالها الأربعة، الذين قتل والدهم في الحرب قبل ثلاث سنوات.
شاهدنا أثناء إعداد هذا التحقيق، أحد عمال النظافة في هيئة مستشفى الثورة العام، أكبر المستشفيات الحكوميّة في مدينة تعز، وهو يجر سلة متحركة ممتلئة بالنفايات الطبيّة، على بعد حوالي عشرة أمتار من البوابة الرئيسيّة للمستشفى. أفرغ العامل النفايات في مكب على الشارع العام، المزدحم بعدد من محال بيع المواد الغذائيّة والمحاط بالأحياء السكنيّة.
وفور انتهائه، توجّهت مريم سعيد، وبدأت بنبش النفايات، بحثًا عن شيء قابل للبيع. تقوم مريم البالغة من العمر اثنين وخمسين عامًا، في نبش أكوام النفايات أمام مستشفى الثورة العام بشكل روتيني.
قالت مريم وهي منهمكة في نبش النفايات الطبيّة: “أجد هنا ما يمكن بيعه بمبالغ ضئيلة، لكن هذه المبالغ تساعدني في إعالة أطفالي الأربعة الذين قُتل والدهم قبل ثلاث سنوات”. تحصل مريم على نحو 1000ريال يمني (ما يعادل أقل من دولارين أمريكيين) في اليوم من خلال بيع ما تجمعه من مكبات النفايات إلى تُجّار الخردة. لم تكن مريم على دراية بحقيقة أنّها معرّضة للإصابة بمرض ما نتيجة التعامل مع هذه النفايات.
من رواتبهم الضئيلة، يستقطعون مبالغ، لشراء أدوات تنظيف؛ وتقول عاملة النظافة صفية سعيد (ليس اسمه الحقيقي): المستشفى لم يفر لنا شيئاً؛ سوى مكنسة.
صفية سعيد (ليس اسمها الحقيقي) (49 عامًا) تعمل في جمع النفايات الطبيّة، وقد تعرّضت بسبب عملها ضمن فريق عمال النظافة في مستشفى الثورة لمخاطر متكررة، فخلال العام 2019 أصيبت بعدوى وباء الكوليرا. قبل ذلك، خضعت لعملية جراحيّة لاستخراج إبرة غُرزت في يدها أثناء جمعها للنفايات الطبيّة.
لم يسبق صفية سعيد أن تلقت، تدريبات أو إرشادات عن كيفيّة جمع النفايات والتخلص الآمن منها، منذ بدأت العمل في هذه المهنة سنة 2016. تقول صفية : “لم يدربونا مطلقًا ولم نحصل على أيّة أدوات، سوى المكنسة”، وأضاف عبدالله محمد (ليس اسمه الحقيقي) (50 عامًا) الذي كان يقف بجانبها: “عندما أحصل على مستحقاتي الماليّة سوف اذهب لشراء قفاز اليدين من السوق”. قال ذلك ثم وضع سلة متحركة يستخدمها في جمع المخلفات الطبيّة على مقربة من كافتيريا المستشفى، وجلس يتناول وجبة الإفطار بيدين انتهتا للتو من افراغ المخلفات الطبيّة.
يذهب عبدالله كلّ صباح لإخراج مخلفات قسم الفشل الكلوي إلى مكب النفايات خارج بوابة المستشفى، مقابل مبلغ من المال مقدّار بـ10,000 ريال (حوالي 17 دولار أمريكي) في الشهر، غير عابئ بالمخاطر التي يتعرض لها.
مستشفى التعاون لديها محرقة نفايات لا تستخدمها
مستشفيات: لديها محارق لا تستخدمها بل ترحل نفاياتها إلى مكب، غربي المدنية.
لا يختلف وضع مستشفى التعاون الحكومي عن الجمهوري والثورة في طريقة التخلص من النفايات الطبيّة الخطرة، رغم أنّ إحدى المنظمات قامت بإنشاء محرقة خاصة بالمستشفى من أجل التخلص من النفايات الطبيّة، لكن لم يتم استخدامها حتى الآن، وذلك حسب ثلاث مصادر مختلفة داخل المستشفى (نتحفظ على ذكر هذه المصادر حفاظًا على سريتهم حسب طلب هذه المصادر). فقد فضلت إدارة المستشفى التعاقد مع صندوق النظافة والتحسين من أجل ترحيل النفايات إلى مكب النفايات الواقع غرب المدينة، كما أن عمال نظافة المستشفى، غير مدربين على التعامل مع تلك النفايات، كحال زملائهم في بقية مستشفيات تعز.
مركز السرطان نريد حلاً
مركز السرطان في تعز، طرقنا أبواباً عدة طلبا للمساعدة في التخلص الآمن من النفايات؛ لكن دون جدوى.
بعد أن دمرت القذائف جزْءً كبيرًا من المقر السابق لمؤسسة السرطان شرق مدينة تعز، قررت المؤسسة نقل مقرها إلى مبنى بنك التضامن في قلب المدينة. هناك واجهت تعقيدات كثيرة، فيما يتعلق بالتخلص من النفايات الطبيّة والكيماويّة؛ فعملت مثل غيرها من المستشفيات على ترحيل نفاياتها عبر صندوق النظافة والتحسين إلى مكب النفايات غرب المدينة.
تقول إدارة المؤسسة إنّ “المشكلة بحاجة إلى إيجاد محارق مركزيّة لكافة المستشفيات في المحافظة، وفقًا للمعايير المتبعة، ووضع آليّة للتخلص الآمن من النفايات، وبذلك يمكن أن نصل إلى حل لمشكلة النفايات الطبيّة”.
بررت الإدارة استمرار عمل مركز السرطان في تقديم الخدمات العلاجيّة للمرضى رغم عدم وجود المحارق بأنّ “توقف المركز عن العمل سيؤدي إلى تدهور حالة المرضى الصحيّة، وربما الوفاة”. وكان مركز السرطان قد طلب في 29 يونيو/ حزيران 2019؛ من هيئة مستشفى الثورة العام السماح لهم بإتلاف النفايات الخاصة بالمركز في محرقة الأقسام المدعومة من منظمة أطباء بلا حدود، وإنْ بشكل مؤقت، كما ناقشت إدارة المركز مع مكتب الصحة ومسؤول منظمة أطباء بلا حدود ذلك، إلّا أنّ مسؤول المنظمة أخبرهم بأنّه سوف ينسق لقاء مع مسؤول المشروع من أجل النظر في الحلول الممكنة، وهذا ما لم يتم حتى الآن وفقا للإدارة.
اضطر مركز السرطان إلى توقيع اتفاق مع صندوق النظافة في المحافظة، نصّ على أن يقوم الصندوق بنقل وتصريف المخلفات الطبيّة الخاصة بالمركز يوميًا إلى مكب النفايات العاديّة غرب المدينة.
في 17 أغسطس/ آب 2019، طلب المركز من صندوق النظافة والتحسين السماح له بإتلاف أدويّة منتهيّة الصلاحيّة في مكب النفايات العام الواقع غرب المدينة، منوهًا بأنّها مخلفات تُهدّد الصحة العامة.
بحسب الدراسة المتخصصة المنشورة في موقع المخلفات الطبيّة، للباحث الطاهر الثابت، فإنّ بعض المخلفات الصيدلانيّة لها أثار مدمرة للنظم البيئيّة الطبيعيّة، مثل بقايا مخلفات الأدويّة من مضادات حيويّة وأدويّة مستخدمة لعلاج الأمراض السرطانيّة، والتي لها المقدرة على قتل الأحياء الدقيقة الموجودة والضروريّة لتلك النظم، وكذلك إمكانيّة حدوث طفرات وتشوهات للكائنات الحيّة المحيطة.
المستشفيات الخاصة: مخالفات جسيمة ونتائج كارثيّة
تقارير رسمية: المستشفيات الخاصة لا تمتلك نظام تخلص آمن من النفايات، والصحة مستمرة ففي تجديد تراخيصها.
لا تمتلك المستشفيات الخاصة منذ تأسيسها محارق وأنظمة للتخلص الآمن من النفايات. رغم ذلك فقد مُنحت تراخيص التأسيس من قبل الجهات المختصة. كما أنّ الجهات الرسميّة، المتمثلة بوزارة الصحة ومكتبها في تعز، ما زالت مستمرة في تجديد هذه التراخيص، رغم أنّ قانون المنشآت الصحيّة الخاصة اشترط في المادة 18 منه على “أن تتوفر في المبنى الذي يُستخدم أو يُعد كمنشأة، وسائل التخلص السليم والآمن من النفايات والمخلفات الخطرة”. وهذا ما لم يوجد في جميع المستشفيات الخاصة في تعز.
خلال شهر يوليو/ تموز 2018، كلّف مكتب الصحة العامة والسكان في محافظة تعز لجنة فنيّة بالنزول إلى عدد من المستشفيات الخاصة في المحافظة لتقييم بُناها الأساسيّة، وفق معايير نظام وآليّة التخلص الآمن من النفايات والمخلفات الطبيّة ونظام مكافحة العدوى ونظام إجراءات الأمن والسلامة والكادر الطبي والمباني.
شمل تقييم مكتب الصحة أكثر من ثلاثة عشرة مستشفى، أبرزها مستشفى البريهي ومستشفى الروضة ومستشفى الصفوة ومستشفى الكرامة ومستشفى الريان ومستشفى الحكمة، ومستشفى العباس، فيما رفض مستشفى الهلال السماح للجنة القيام بالتقييم.
أكّدت تقارير هذا التقييم (حصلنا على نسخة منها) على أنّ هذه المستشفيات لا تمتلك نظام تخلص آمن من النفايات والمخلفات الصحيّة، كما أنّها لا توفر نظامًا لمكافحة العدوى والسلامة المهنيّة، وإنّ غرف تجميع النفايات والمخلفات الطبيّة لا تتطابق مع معظم الشروط والمعايير الفنيّة.
تخلص المستشفيات من النفايات إلى شوارع المدينة ومزجها بالقمامة العادية، يتسبب في انتشار عدد من الأمراض الخطرة والأوبئة.
فإضافة إلى عدم فرز النفايات والمخلفات الطبيّة حسب نوعها، وتجميعها في حاويات خاصة لكل نوع وتمييزها بالألوان والعلامات، فإنّ الكوادر وعمال النظافة غير مدرَبين على نظام مكافحة العدوى والتخلص الآمن من النفايات.
تظهر وسائط وثّقها معدّي هذا التحقيق، عمال النظافة في إحدى المستشفيات الخاصة، وهم ينقلون أكياسًا سوداء ممتلئة بالنفايات الطبيّة إلى شاحنة نقل متوسطة مكشوفة، اتجهت بعد ذلك إلى مكب النفايات غرب المدينة وأفرغت حمولتها هناك.
ذكر تقرير تقييم مستشفى أخر؛ ضعف فرز وفصل النفايات، حيث لا تفصل سوى الأدوات الحادة بحرقها في جهاز تسخين، أمّا بقيّة النفايات الطبية لا يتم فصلها. كما أنّ المستشفى تقوم بتجميع النفايات في غرفة على سطح المستشفى، ما يجعلها عرضة لمياه الأمطار التي يمكن أن تجرف هذه النفايات نحو الشارع.
وفقًا لثلاثة مصادر مختلفة، يعملون في مستشفيات مختلفة في مدينة تعز؛ لا يتم التعامل مع النفايات الطبيّة، في تعز، وفقًا للمعايير الدولية. جزء من المشكلة هو عدم وجود نظام راسخ لفصل النفايات في اليمن ككلّ، ومعظم مرافق الرعايّة الصحيّة، سواء العامة أو الخاصة، إمّا لا تملك معرفة كافية حول كيفيّة التخلص من النفايات الطبيّة، أو أنّها لا تكلف نفسها عناء اتباع المعايير والقواعد الإرشاديّة الآمنة.
قال لنا استشاري في الجراحة العام يعمل في ثلاث مستشفيات مختلفة، طلب عدم نشر اسمه لأسباب خاصة، “إنْ النفايات الطبية الناتجة عن مؤسسات الرعاية الصحيّة يتم التخلص منها غالبًا في شوارع المدينة، ويتم مزجها بالنفايات العاديّة”. وأكدّ أن مثل هذا الإلقاء غير المنظم للنفايات الطبيّة لا يلوث البيئة فحسب، بل يساهم أيضًا في انتشار بعض الأمراض وتعريض العاملين في مجال الرعاية الصحيّة المتعاملين مع النفايات والمرضى والمجتمع بشكل عام للسموم والالتهابات، مثل التهاب الكبد والإسهال الغذائي والأمراض المنقولة والتهابات الجلد والسلّ وانتشار سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيويّة. وتنتشر هذه الأمراض بشكل واسع في مدينة تعز.
صندوق النظافة: النفايات الطبية ترمى في الطرقات
أفاد مدير عام صندوق النظافة والتحسين، عبدالله جسار، أن المرافق الصحية في تعز ترمي النفايات الطبية في الطرقات، بسبب عدم وجود محارق في المدينة، ماعدا محرقة واحدة في مستشفى الثورة العام التي تحرق جزءاً من نفاياتها، فيما ترمي البقية بجانب سور المستشفى، وهذا الأمر دفع الصندوق إلي التدخل لترحيل النفايات إلى مكب العام غرب المدينة، رغم عدم فرزها من قبل المستشفيات وفق الطرق المتبعة.
وتعاقد صندوق النظافة مع ثمانية مرافق صحية (فقط) وسط المدينة لترحيل نفاياتها الطبية، وبقية المرافق تتخلص من نفاياتها إلى الطرقات والمكبات العامة.
وبسبب النفايات الطبية التي تحتوي على مواد كيماوية، تشب الحرائق في المكب العام للنفايات، وتتفاعل بصورة مستمرة، دون أن يقوم أحد بإشعالها، ما يعرض عمال النظافة في المكب إلى مخاطر.
مكتب الصحة يعترف بالخطأ
مدير مكتب الصحة في تعز: المستشفيات لا تمتلك نظاما، للتخلص الآمن من النفايات الطبية، رفضت توجيهاتنا بعمل محارق.
يقر الدكتور عبدالرحيم السامعي، مدير مكتب الصحة العامة والسكان، في تصريح له “بأنّ “المستشفيات في تعز لا تمتلك أي نظام للتخلص الآمن من النفايات الطبيّة”، ويضيف “حررنا للمستشفيات مذكرات بعمل محارق، لكنها لم تنفذ، فقمنا بمراسلة المنظمات الدوليّة وحصلنا على خمس محارق من منظمة كير”.
وحمّل، السامعي السلطات المحليّة مسؤولية متابعة تنفيذ المستشفيات لتوجيهات مكتب الصحة بشأن إنشاء محارق لنفاياتها الطبيّة. أما عن استمرار مكتب الصحة في تجديد التراخيص للمستشفيات المخالفة فقد قال السامعي: “إن التراخيص تُمنح من الوزارة”.
حصلنا أثناء العمل على هذا التحقيق على تراخيص لبعض المستشفيات تمّ تجديدها من مكاتب فروع مكتب الصحة في مديريات مدينة تعز بالمخالفة للقانون. إذ حدّد قانون تنظيم المنشآت الصحيّة الخاصة آلية الحصول على التراخيص عبر لجنة المنشآت الطبيّة والصحيّة الخاصة برئاسة مدير مكتب الصحة في المحافظة، ولا يوافق الوزير على التراخيص إلّا بعد توقيع مدير المكتب في المحافظة.
حرق النفايات الطبية في تجمعات سكانية مصدر للتلوث
في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، طلب محافظ محافظة تعز نبيل شمسان من مكتب الصحة معرفة تفاصيل مشروع الاستجابة لتفشي داء الكوليرا، وإنشاء خمس محارق طبيّة في المدينة بتمويل من الاتحاد الأوروبي، بمبلغ 2.100.000 يورو، (اليورو يعادل 700 ريال يمني)، عبر منظمة كير.
رفض، السامعي الإدلاء بمعلومات تفصيليّة عن المرحلة التي وصل إليّها تنفيذ مشروع إنشاء المحارق الطبيّة مكتفيًا بالقول: “إنها طور التنفيذ”. في المقابل هناك قلق في أوساط سكان المدينة من وضع المحارق الطبية داخل المدينة، نتيجة للمشاكل الصحيّة التي قد تتسبب بها هذه المحارق، حيث أنّ حرق النفايات الطبيّة يمكن أن يُسبب تلوثًا للهواء، عن طريق إصدار الديوكسينات والزئبق والمعادن وغيرها من الملوثات، بما في ذلك الرماد المتبقي الضار بالبيئة والصحة العامة. ووفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكيّة، يعتبر حرق النفايات الطبيّة ثالث أكبر مصدر للديوكسين في انبعاثات الهواء.
اهمال الجهات المختصة
المستشفيات لم تنفذ توصيات مكتب الصحة، بتصحيح الاختلالات، والمخالفات، والمكتب لم يتخذ اجراءات حيالها.
يبدو أنّ وزارة الصحة اليمنيّة ومكتبها في محافظة تعز، لم يقوما بمسؤولياتهما، وفقًا للصلاحيات المحددة في قانون المنشآت الصحيّة الخاصة، بإلزام المرافق الصحيّة اتباع الطرق السليمة في التخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة، ومنع الأضرار البيئيّة وانتهاكات حقوق الإنسان.
رغم أنّ تقارير التقييم الصادرة من مكتب الصحة في تعز في شهر يونيو/ حزيران 2018، أوردت في توصياتها أن تقوم المستشفيات بتصحيح الاختلالات والمخالفات وفقًا للأنظمة واللوائح والقوانين المعمول بها وطنيًا، إلّا أنّ هذه المستشفيات لم تنفذ ذلك، وبالمقابل فإنّ مكتب الصحة العامة والسكان، لم يقم بإحالة هذه المستشفيات إلى الجهات المختصة من أجل اتخاذ الإجراءات القانونيّة.
رد هيئة مستشفى الثورة العام في مدينة تعز
بعد اطلاع هيئة مستشفى الثورة العام في مدينة تعز على نتائج التحقيق، في رسالة رسمية سلمت لهم من معدّي التحقيق، قاموا بالرد على المعلومات التي أوردناها، وأرسلوا لنا خطابًا يحتوي على نقاط متعلقة بما ذكرناه.
ومن أجل الشفافيّة والمصداقيّة نورد الرد مثلما وصلنا دون تغيير أو تحريف. رغم أنه يتناقض مع الواقع الموثق بالصور والفيديو.
معلومات عن الكاتب
تحرير وتدقيق
FREE MEDIA | فري ميديا
الأرشيف اليمني