سر مخالفات عملية التحصيل التي تنتهي بإيرادات مكتب النقل بتعز في حساب الكريمي «121440510»
تحقيقات معمقة أغسطس 17, 2020
90 مليون ريال يمني، هو الحد الأدنى للمبلغ الذي حصل عليه النقيب، بطرق غير مشروعة، منذ تعيينه في 2017 مديراً عاماً لمكتب النقل.
«أنا عملت وأخطأت ومن لا يعمل لا يخطئ» بهذه الجملة اختتم مدير مكتب النقل في محافظة تعز اليمنية، محمد فرحان النقيب، إجابته على استفسارات فريق هذا التحقيق الاستقصائي الذي يتتبع مصير الإيرادات في مكتب النقل في المحافظة، وطريقة تحصيلها وصرفها.
وأكد النقيب في حديثه مع فريق مؤسسة فري ميديا للصحافة الاستقصائية، أنه في إدارته لمكتب النقل جسّد تطلعات ثورة 11فبرير/شباط 2011، وحسب قوله: «نحن نعمل وفقا لتطلعات جماهير ثورة الـ 11فبراير، ومصلحة العمل تقتضي أنك تستفيد ولا مشكلة في ذلك، وفي المقابل لا تخدع ولا تخون ولا تكذب».
90 مليون ريال يمني، هو الحد الأدنى للمبلغ الذي حصل عليه النقيب، بطرق غير مشروعة، منذ تعيينه في 2017، مديراً عاماً لمكتب النقل وحتى نهاية العام 2019، وحصل على هذا المبلغ من إيرادات رسوم نقل البضائع، بعد تكليف أشخاص بالقيام بمهمة التحصيل بالمخالفة للقانون “رقم (13) لسنة 1990 “.
ودون علم السلطة المحلية، جاء تكليف النقيب لأشخاص من خارج مكتب النقل، بغرض تحصيل الرسوم المقررة على وسائل نقل البضائع التي تمر عبر المداخل الرئيسية للمدينة على خط تعزــ التربة (جنوبا)، ولم يقم مدير النقل أثناء تكليف المحصلين بتحديد مقدار الربط المالي اليومي والشهري الواجب تحصيله من خلال تحديد عدد المركبات التي تمر عبر هذه المنافذ.
وطبقا لثلاثة أشخاص عملوا متحصلين في منافذ المدينة، وسندات اشعارات توريد صادرة عن مصرف الكريمي، فإن ما يتم تسليمه لمدير مكتب النقل يوميا هو مبلغ متوسط 100 ألف ريال، ويجري التسليم يدا بيد للمدير العام، أو يورد المبلغ إلى حساب رقم (121440510)، في بنك الكريمي، وهو الحساب الخاص باسم” محمد أحمد فرحان النقيب”.
ووفق المستندات وأقوال المتحصلين، فإن اجمالي ما حصل عليه مدير مكتب النقل خلال عامين ونصف، يقدر بـ 90مليون ريال يمني لم يتم توريدها إلى خزينة الدولة.
النقيب، أكد لـ “فري ميديا| FREE MEDIA” إنه بالفعل يحصل على مبلغ يومي بين 80 ألف إلى 100 ألف، ولكن، حسب قوله، فإن المبلغ غير منتظم بسبب ظروف طرق النقل المتمثلة بهيجة العبد التي تربط مدينة التربة بمحافظة لحج جنوب البلاد، وأشار بأن المبلغ يجري إنفاقه كميزانية تشغيلية للمكتب الذي يديره.
واتضح من خلال إفادة ثلاثة من المتحصلين، وإفادة النقيب نفسه، أن إيراد هذه الوعاء (رسوم وسائل نقل البضائع)، يصل إلى 3 مليون ريال شهريا، بإجمالي 36 مليون ريال سنويا، إلا أن مدير مكتب النقل قام بتحصيل هذه الأموال بالمخالفة لنصوص المواد (٢٤-٢٥-٢٦) من القانون المالي رقم (٨) لعام ١٩٩٠، وتعديلاته، ورغم علمه بحجم المبالغ المفترض تحصيلها قام بإبرام عقد مع متعهد يدعى عبدالقوي ناصر القحطاني بمبلغ شهري 200ألف ريال، وإجمالي سنوي مليونان وأربعمائة ألف.
فريق التحقيق حصل على تقرير صادر في يوليو/تموز 2020، عن لجنة مراجعة الأوعية الإيرادية في المكاتب الإيرادية في محافظة تعز، ووفقاً لوثيقة خلاصة الإيرادات المالية الصادرة عن مكتب المالية في المحافظة، فإن ما تم توريده خلال الفترة من يناير/كانون الثاني من العام 2017، حتى 30يونيو/حزيران 2020، مبلغ ثلاثة عشر مليونا وثمانمائة وثمانية وثمانون ألف وستون ريال (13.880.60)، في حين مبلغ الربط المالي على مكتب النقل، والذي المفترض أن يورّده خلال الفترة ذاتها 84 مليون وأربعمائة وسته ألف ريال.
يتقصى هذه التحقيق واقع مكتب النقل خلال الفترة من 2017 حتى النصف الأول من العام 2020؛ ويكشف عن المخالفات القانونية التي يصفها النقيب بالأخطاء، مع أن القانون يصنفها بجرائم اختلاس للمال العام، واستغلال الوظيفة العامة للاستيلاء على أموال الدولة.
القسم على المصحف
بعد صلاة مغرب إحدى أيام العام 2017، التقى مدير مكتب النقل محمد النقيب، مع المكلف في تحصيل رسوم مركبات نقل البضائع في نقطة الهنجر جنوب غرب المدينة، عبدالباقي محمد محسن صالح، وفي المسجد المجاور لمبنى السلطة المحلية وسط شارع جمال في مدينة تعز، فتح النقيب القرآن الكريم، ووضع محمد صالح يده بين دفتي المصحف ورد القسم خلف النقيب، على أن يعمل في تحصيل رسوم مركبات نقل البضائع بأمانة وإخلاص ونزاهة وصدق وأن يكون حريصا على ذلك، وأن يورَّد الأموال المحصلة أولا بأول.
تبدأ إجراءات مدير مكتب النقل مع الأشخاص الذين يتم اختيارهم للقيام بعملية التحصيل، بهذا الشكل: اليمين على المصحف بالتحصيل بأمانة، حدث ذلك أيضا مع متعهد التحصيل عبدالقوي القحطاني، ومع وائل الحبشي وهذا الأخير أدى القسم في منزل المدير العام.
عمل الثلاثة كمتحصلين للرسوم المستحقة للحكومة اليمنية على وسائل نقل البضائع التي تدخل مناطق سيطرتها في محافظة تعز، ويحصل كل شخص منهم على مبلغ خمسة ألف ريال كأجر يومي.
قال الثلاثة لـ “فري ميديا| FREE MEDIA”، إن إجمالي ما يتم تحصيله من مبالغ مالية، تقارب مائة وعشرة آلاف ريال يمني في اليوم الواحد، وذلك خلال 30 شهراً من عملهم، بدون عقود رسمية، وبالتالي يكون إجمالي ما حصل عليه مدير مكتب النقل خلال هذه الفترة نحو تسعين مليون ريال يمني، حيث يسلم كلا من وائل الحبشي (35 عاما)، وعبدالباقي صالح (33 عاما) مبلغ ستون ألف ريال يوميا، فيما يسلم عبدالقوي القحطاني (40عاما) خمسون ألف ريال يوميا، ويكون إجمالي ما يحصل عليه النقيب من الثلاثة في الشهر الواحد: ثلاثة مليون وستمائة ألف ريال.
أكد الثلاثة في حديثهم لـ “فري ميديا| FREE MEDIA”، ” أنهم كانوا يقومون بتسليم هذه المبالغ إما يدا بيد إلى مدير مكتب النقل، أو يتم توريدها إلى حسابه الخاص رقم (121440510) لدى مصرف الكريمي، وأحيانا من خلال حوالات مالية عبر شركة الشبوطي للصرافة أو خدمة النجم للصرافة. وكان يشترط أن نكتب اسم المودع هو مدير النقل أو المرسل لتلك الحوالات.
معدو التحقيق حصلوا على 30 وثيقة من السندات المالية التي تؤكد إيداع مبالغ مالية إلى حساب مدير عام النقل لدى الكريمي، وأخرى عبارة عن حوالات مالية، إضافة إلى رسائل نصية متبادلة بين مدير مكتب النقل مع أحد المتحصلين الذي اشترط عدم نشر هويته، وفي جميع الرسائل كان المتحصل يخبر مدير عام النقل عن حصيلة المبلغ اليومي الذي حصل عليه من الرسوم المقررة على مركبات نقل البضائع
إقرار
مدير مكتب النقل: فعلا أحصل على مبلغ من المتعهدين يوميا؛ وهو مبلغ متفاوت بين 100 ألف ريال و80 ألف ريال وقد ينقطع أسبوع، وعليكم أخذ الأمر في سياقه.
كان التوريد إلى حسابي لدى مصرف الكريمي في ظروف استثنائية، حتى ترتبت الأمور وتحسنت الأوضاع.
على أسئلتنا أجاب محمد النقيب بصراحة، وقال في حديثه لـ “فري ميديا| FREE MEDIA”: «فعلا أحصل على مبلغ من المتعهدين يوميا؛ وهو مبلغ متفاوت قد يصل 100 ألف ريال وقد يكون 80 ألف ريال وقد ينقطع أسبوع، وعليكم أخذ الأمر في سياقه، أنا بالمقابل لم أحصل على ريال واحد سواء من المحافظ الأول أو الثاني أو الثالث» وأردف: «أنفق هذه المبالغ لتسيير أعمال مكتب النقل، حيث أن الميزانية الحكومية للمكتب 300الف، أدفع ايجارات 70 ألف في الشهر، وكنت اشتري عشرون لتر بترول ب12 ألف من أجل الوصول إلى مدينة التربة للوقوف مع السائق من النقاط التي كانت تبتزه».
وعن شبهة التوريد إلى حسابه الخاص في مصرف الكريمي، يقول النقيب، إنه لجأ إلى هذا الخيار في ظروف استثنائية: «كان التوريد إلى حسابي في ظروف استثنائية، حتى ترتبت الأمور وتحسنت الأوضاع، كان في السابق ممثل المالية في مكتب النقل غير ملما في المسائل المالية، وحاليا هناك شخص جيد»
عقد مزور
القحطاني: لم أعلم بهذا العقد إلا عندما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم أوقع عليه، ولم يسبق لي أن قمت بتوريد المبالغ المحصلة من رسوم نقل البضائع إلى طرف البنك المركزي أو أمين صندوق مكتب النقل.
طبقا للتقرير رقم (231) الصادر بتاريخ 7 مايو/أيار 2020، عن اللجنة المكلفة بمراجعة الإيرادات المركزية والمحلية المفترض أن يورّدها مكتب النقل، فإن الإيرادات المركزية التي يقوم بتحصيلها تمثلت برسوم نقل البضائع في المداخل الرئيسية للمدينة، أما آلية تحصيل تلك الرسوم، وفقا للتقرير الصادر خلال العام المالي 2019، فتمثلت بقيام مكتب النقل بتحرير عقد اتفاق مع المتعهد عبدالقوي خالد ناصر القحطاني بمبلغ شهري مقطوع مقداره مائتي ألف ريال شهريا، على أن يتولى المتعهد طباعة دفاتر سندات التحصيل (قسائم الرسوم) بواقع 1000 ريال على كل وسيلة نقل.
وبحسب تقرير صادر في يوليو2020، عن لجنة تقييم الأوعية الإيرادية في محافظة تعز، فإن العقد المشار إليه غير قانوني، وأشار إلى عدم اتباع مدير مكتب النقل الإجراءات القانونية أثناء ابرام العقد مع المتعهد بتحصيل رسوم نقل البضائع بالمداخل الرئيسي بالمحافظة، وسرد التقرير عدد من الملاحظات أبرزها:
- عدم عمل مزايدة بموجب أحكام قانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم (٢٣) لسنة ٢٠٠٧، ولائحته التنفيذية وبما يكفل رفع قيمة العقد واستعادة الخزينة العامة من الزيادة في قيمة العقد.
- عدم أخذ الضمانات القانونية من المتعهد بتحصيل الرسوم.
- تدني قيمة العقد ما أضر بحق الخزينة العامة من الانتفاع بالرسوم القانونية المتعلقة بالنقل
- عدم إجراء دراسة مسبقة بشأن تحديد المبالغ المحصلة بالمنافذ التي تم تأجيرها.
- تم توقيع العقد دون علم السلطة المحلية في المحافظة ودون أخذ موافقتها بشأن إبرام تلك العقود بحيث يمكن القول بأن ذلك لاغيا.
- تم عمل العقد مع المتعهد بمبلغ 200 ألف ريال شهريا وتم توريد قيمة العقد لمرة واحدة فقط.
- إعطاء صلاحيات طبع سندات قبض للمتعهد دون رقابة من قبل المكتب عن تلك السندات أو من قبل السلطات الرقابية المالية في المحافظة والسلطة المحلية بالمديرية.
وبالعودة إلى التقرير رقم (231) الصادر بتاريخ 7 مايو2020 فقد ذكرت اللجنة المكلفة بفحص ومراجعة الموارد المالية المعني بتحصيلها مكتب النقل بأن عبدالقوي ناصر القحطاني، هو المتعهد الذي من المفترض أنه تم توقيع العقد معه، غير أن القحطاني أشار في حديثه لـ “فري ميديا FREE MEDIA” أنه عمل كمتحصل لصالح مكتب النقل في نقطة التربة جنوبي محافظة تعز، مقابل أجر يومي مقداره خمسة ألف ريال فقط“.
وقال القحطاني أنه تفاجأ في مطلع العام 2020، بتداول مواقع التواصل الاجتماعي لوثيقة عقد اتفاق بينه وبين مكتب النقل، وأكد أن الامضاء في الوثيقة ليس امضاءه ولا يعلم بهذا الاتفاق الذي ينص على أن:
(عبدالقوي خالد ناصر القحطاني)، متحصل لرسوم نقل البضائع في المداخل الرئيسية للمحافظة، ويلتزم بموجبه بتوريد مبلغ مقطوع مقدر بمئتين ألف ريال نهاية كل شهر ميلادي، إلى الحساب الخاص بمكتب النقل لدى البنك المركزي (فرع تعز)، أو إلى أمين الصندوق الخاص بالمكتب، وأن يقوم بطباعة سندات وقسائم تتطلبها عملية التحصيل.
وأشارت الوثيقة إلى مدة العقد: من 1 أكتوبر/تشرين الثاني 2019، حتى 31 مارس/آذار 2020، ويظهر في الوثيقة توقيع تحت اسم القحطاني باعتباره طرفا ثانيا في الاتفاق، كما يظهر توقيع مدير مكتب النقل كطرف أول، إضافة إلى ختم اعتماد للاتفاق من قبل وزير النقل في الحكومة اليمنية، صالح الجوباني.
وحول هذا العقد، علق القحطاني لفري ميديا: «لم أعلم بهذا العقد إلا عندما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم أوقع عليه، ولم يسبق لي أن قمت بتوريد المبالغ المحصلة من رسوم نقل البضائع إلى طرف البنك المركزي أو أمين صندوق مكتب النقل، وكنت أسلم مبلغ مقداره خمسون ألف ويزيد أحيانا لمدير مكتب النقل يوميا، إما عبر تسليمه يدًا بيد أو عبر حسابه الخاص في مصرف الكريمي، وكنت أحصل على دفاتر قسائم التحصيل من المدير العام وعند نفاذ دفتر السندات نسلمه له ونحصل على دفتر قسائم جديد».
وكانت اللجنة المكلفة بفحص ومراجعة الموارد، قد قالت في تقريرها بأنها «استنتجت من خلال محاضر المناقشة مع مدراء فروع مكاتب النقل في المديريات المحررة، في 15يوليو2019، بأن آلية تحصيل موارد مكتب النقل تتم عبر متعهدين من خلال تحرير مدراء فروع النقل بالمديريات لعقود معهم بمبالغ مقطوعة شهريا».
إلا أن القحطاني في حديثه لفري ميديا أكد: «لم أعمل بمبلغ مقطوع كما يزعم العقد».
اختلالات التحصيل في المديريات
لجنة المراجعة: عملية تحصيل الإيرادات في مكتب النقل، تتم دون تكليف أمين صندوق لاستلام الحصيلة وقطع سند اخلاء طرف كل متحصل على حده، ما يؤكد عدم اتباع دورة مستنديه أو اثبات دفتري أو مستندي للمتحصلين لضمان صحة الرقابة ومتابعة المبالغ المحصلة.
وفي التقرير الذي اطلع عليه فريق التحقيق، عددت لجنة فحص ومراجعة الموارد الإيرادية بعض الاختلالات في عملية تحصيل الإيرادات في المديريات المحررة في محافظة تعز، وقالت إنه ورغم “وجود العديد من المواقف وفرزات ونقاط تحصيل رسوم نقل البضائع في مديرية المسراخ وقيام المتحصلين هناك بتحصيل الإيرادات المركزية والمحلية يوميا ويوجد سندات تثبت ذلك، إلا أنه لم يتم توريد المبالغ المحصلة” وكشفت اللجنة عن “عدم تفاعل قيادات المديريات مع مدراء فروع مكاتب النقل في المديريات لتفعيل عملية تحصيل إيرادات النقل” وقالت إنه “من المؤسف قيام بعض مدراء المديريات بتحرير عقود مع متعهدين لتحصيل إيرادات النقل والتصرف بها بالمخالفة للقانون، منهم مدير مديرية المسراخ يحيى إسماعيل حيث يقوم بتحصيل الإيرادات المركزية والمحلية من النقاط والفرزات في نطاق المديرية بشكل يومي وبسندات غير رسمية”.
وأشار تقرير اللجنة إلى «تدني مستوى تحصيل الإيرادات في فروع مكاتب النقل في المديريات وظهور عجز كبير في مستوى تحصيلها، مقارنة بتقديرات الموازنة للعام 2014، خصوصا إيرادات الرسوم المقررة على وسائل نقل الركاب، فقد تبيّن بأنه في مديرية المظفر يوجد عدد 15 فرزة لنقل الركاب ويوجد عدد 12 متعهد بمبالغ شهرية تتراوح بين عشرة آلاف إلى أربعين ألف ريال شهريا؛ بينما الإيرادات الفعلية خلال العام 2019 من إيرادات رسوم النقل المقررة على وسائل نقل الركاب متدينة جدا مقارنة بعدد الفرزات في نطاق المديرية».
وفي مديرية جبل حبشي «بدأت عملية التحصيل فيها باستخدام دفاتر تحصيل يتم طباعتها بإشراف الإدارة العامة للموارد المالية في المحافظة، إلا أن التحصيل يتم عبر متعهد بمبلغ شهري أربعون ألف ريال».
وفي مشرعة وحدنان «يتم تحصيل الإيرادات عبر متعهد بمبلغ شهري ستون ألف ريال».
وفي الشمايتين «التي يتواجد فيها عدد 19 فرزة مخصصة لنقل الركاب برا، يتم تحصيل الإيرادات عبر متعهد بمبلغ شهري يصل إلى خمسون ألف ريال».
وعد التقرير عملية تحصيل الإيرادات بهذا الشكل «مخالف لكافة القوانين والقرارات ذات الصلة، ومنها قانون تحصيل الأموال العامة رقم (13) للعام 1990» مؤكدًا بأن المبالغ التي يتم تحصيلها من قبل المتعهدين لا تخضع للرسوم المحددة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (283) لسنة 2001.
لجنة فحص ومراجعة الإيرادات، قالت أيضاً بأن «عملية تحصيل الإيرادات تتم بموجب دفاتر سندات قبض تم طباعتها من قبل مكتب النقل بنماذج مختلفة، دون وجود رقابة فاعلة على طباعة دفاتر السندات الخاصة بتحصيل الرسوم، حيث يقوم المكتب بطباعة الدفاتر وإصدارها دون رقابة مصاحبة لأعمال الطباعة والواجب ان تسند تلك الأعمال لجهة رقابية مخولة قانونيا برقابة اصدار تصاريح الطباعة وأوامر صرف الدفاتر نماذج تلك السندات ورقابة استخدامها واخلاء عهدة مختص التحصيل بتسليم نماذج الدفاتر المستخدمة وتوريد مبالغها الى حساباتها المختصة وصرف دفاتر جديدة».
وفي التقرير نفسه، فإن عملية تحصيل الإيرادات في مكتب النقل، تتم دون تكليف أمين صندوق لاستلام الحصيلة وقطع سند اخلاء طرف كل متحصل على حده يومياً وأسبوعياً، ما يؤكد عدم اتباع دورة مستنديه أو اثبات دفتري أو مستندي للمتحصلين لضمان صحة الرقابة ومتابعة المبالغ المحصلة.
خلفية قانونية
المادة (24) من القانون المالي رقم (٨) لعام ١٩٩٠، وتعديلاته، تنص على: “كل الإيرادات المحصلة لصالح الدولة يجب أن تعطى عنها قسيمة التحصيل الرسمية المخصصة لهذا الغرض والصادرة من وزارة المالية المختومة بختمها الرسمي ويحظر قطعياً استعمال أي نوع آخر من القسائم ماعدا تلك التي تقرها وزارة المالية”.
وحذرت المادة (25) من نفس القانون أنه ” يجب على جميع الجهات أن تعمل على تحصيل الإيرادات المنوطة بها وفقاً للقوانين المنشئة لها ولا يجوز تجنيب أي نوع من الإيرادات أو جانب منها نقداً أو عيناً بعيداً عن إيرادات الموازنة إلا بقانون”.
وأوضحت المادة (26) طرق التوريد بالنص التالي: “تورد جميع الإيرادات إلى البنك المركزي وفروعه أولاً بأول ويحظر حظرا باتاً على الجهات توريد أي نوع من الايرادات إلى غير البنك المركزي وفي حالة عدم وجود فرع للبنك المركزي يجوز توريد الايرادات الى بنك يفوضه البنك المركزي”.
تحايل على دفاتر سندات القبض
طبقا لشهادة ثلاثة من المتحصلين الموزعين على نقاط خط التربة تعز، فإنهم يحصلون على دفاتر سندات القبض (قسائم التحصيل) من مدير عام مكتب النقل، ويتكون هذا الدفتر الذي تم طباعته بعيدا عن رقابة الجهات المختصة، من 50 سند قبض؛ وكل سند قبض يتكون من ثلاث ورق بيضاء وهي الأصل والتي يدون عليها قيمة الرسوم المقدرة بـ 1000 ريال عن كل مركبة نقل، ومن المفترض أن يظهر المبلغ على الورقتين الحمراء والصفراء، النسخة، لكن لم تظهر القيمة بسبب انتزاع سند ورقة السند الأصل من كعب الدفتر قبل تدوين قيمة المبلغ عليها، وبعد انتزاعها يتم تدوين المبلغ وقضم الرقم التسلسلي من قبل المتحصل وتسليمها للسائق، بعدها يقومون بالتدوين على نسخ السندات الفارغة بسعر أقل من القيمة الفعلية، أما الغرض من انتزاع القسيمة البيضاء قبل تدوين المبلغ عليها؛ حتى لا يظهر قيمة السند الفعلي على الورقتين الصفراء والحمراء المتبقيتين على كعب الدفتر، إذ يتم استلام مبلغ 1000 ريال من كل مركبة نقل تمر عبر نقاط التحصيل، ويدون مبالغ ما بين 200 -300 ريال فقط.
المتحصل “و،أ” قال إنه وبطلب من مدير مكتب النقل عمل على إعادة تدوين قيمة أقل من المبالغ المحصلة فعلا، وذلك من خلال تدوينه على ورقتي اللون الأصفر والأحمر المتبقية على كعب أكثر من 200دفتر من دفاتر القسائم. عكف وائل ومعه صديقه على فعل ذلك فترة شهر كامل، واطلع فريق التحقيق على نموذج منها، ولهذا الغرض أخذ النقيب احتياطه ووجه المتحصلين للقيام بعملية قضم الرقم التسلسلي من القسمية البيضاء التي تسلم للسائق، وذلك حتى لا يتم تتبع الأرقام التسلسلية ويظهر تناقض بين القيمة الفعلية الموجودة على القسيمة البيضاء وبين القيمة التي تم تزويرها بسعر أقل على ورقتي كعب دفتر القسائم.
واتضح من خلال مقابلة معدي التحقيق مع ثلاثة من المتحصلين ومدير مكتب النقل، أن إيراد هذه الوعاء (رسوم وسائل نقل البضائع)، يصل إلى أكثر من 3 مليون ريال شهريا، بإجمالي 36 مليون ريال سنويا، إلا أن مدير مكتب النقل قام بتحصيل هذه الأموال العامة بالمخالفة للقانون، إضافة إلى ذلك قام ــ ورغم علمه بأن قيمة المبالغ المفترض تحصيلها هي ثلاثة ملايين ريال شهريا ــ بتحرير عقد اتفاق اتضح أنه مزور ذكر أن المبلغ المستحق شهريا هو 200 ألف ريال في الشهر الواحد فقط.
وربما أن المبلغ الحقيقي الذي يتم تحصيله من رسوم وسائل نقل البضائع قد يكون أكثر من 36 مليون، ما يؤكد ذلك أنه خلال ست أيام تم تحصيل مبلغ تسعمائة وستة وستون ألف ريال، وذلك خلال الفترة من 18 -23 يونيو/حزيران 2020، وفقا لسندات التحصيل التي تحمل الأرقام التسلسلية من 4035 إلى 5001، بواقع 1000 ريال في كل سند.
وطبقا لتقارير اللجنة سابق الذكر، أنه حتى مبلغ المئتي ألف الريال التي يتم تحصيلها كرسوم على مركبات نقل البضائع من المنافذ الرئيسة للمدينة لم تظهر في كشوفات البنك المركزي الشهرية.
وحصلت فري ميديا على سندات محررة بخط اليد على أوراق دفاتر مدرسية، موقعة ومختومة من وزارة النقل في محافظة عدن، تفيد استلام أمين صندوق وزارة النقل صالح أحمد صالح في تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2018 مبلغ مئتي ألف ريال يمني، وفي تاريخ 15 من نفس الشهر والعام استلم مبلغ أربعمائة ألف ريال.
مدير مكتب النقل محمد النقيب، قال: ” تم تورّد الايرادات المركزية إلى صندوق وزارة النقل، بتوجيه خطي من الوزير، ردينا عليه بمذكرة اعتراض وبمذكرة ثاني طلبنا بها ضرورة فتح الحساب الخاص بالوزارة طرف البنك المركزي، لكنه اعترض على ذلك وطلب مني تنفيذ التوجيهات، بتوريد المبالغ لأمين الصندوق في الوزارة “.
تناقض وعجز
وكما يؤكد مدير مكتب النقل أن إجمالي الإيرادات المركزية من رسوم نقل البضائع هو مئتا ألف ريال في الشهر الواحد، إلا أن هناك ما ينقض تأكيده، فبتاريخ 29 يونيو/حزيران 2020، أوضح بمنشور على صفحة مكتب النقل (فرع تعز) على فيس بوك، ردا على “نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين ينشرون انتقادات للفساد في مكتب النقل” وذكر المنشور إن إجمالي ما يورّده المكتب مليون ريال شهريا، من جميع نقاط التحصيل في منافذ المدينة المفتوحة في جنوب المحافظة.
وفي المجمل برر مدير مكتب النقل في مقابلة المواجهة معه عن مصير الإيرادات خلال الثلاث السنوات الماضية، بقوله: «خلال عامي 2018و ٢٠١٧ كان العمل على تنشيط الكادر، وفي ٢٠١٩ كان العمل على استعادة الصلاحية للمكتب، وفي استراتيجيات 2020 نعمل على الارتقاء بالإيرادات».
استراتيجية 2020
ضمن استراتيجيات الارتقاء بالإيرادات خلال العام الحالي، وقع مدير مكتب النقل على ثلاثة اتفاقيات أطلع عليها فريق التحقيق؛ الأولى مؤرخة بتاريخ ٢٤ مارس/آذار2020، وهي عبارة عن عقد اتفاق بين الطرف الأول ممثلا بمدير، ومدير عام مديريات المسراخ رئيس المجلس المحلي، يحيى اسماعيل، والطرف الثاني هو متعهد التحصيل مأمون عبدالله مقبل عبده الملك وينص الاتفاق على أن يقوم الطرف الثاني بعملية تحصيل رسوم النقل المحلي المقرر على نقل الركاب على مستوى عموم المديرية، ويدفع من إجمالي الحصيلة النقدية مبلغ شهري وقدره ٤٠٠ ألف ريال بداية كل شهر، توَّرد إلى طرف البنك المركزي في تعز، وتسلم إشعارات التوريد البنكية إلى مكتب النقل في المحافظة.
الاتفاقية الثانية كانت في مديرية الشمايتين جنوبي محافظة تعز، متعددة الأوعية الإيرادية والتي تصل إلى 36 وعاء إيرادي، وفقا لإفادة مدير مكتب النقل، إلا أن عدد الاتفاقية واحدة، كانت بين الطرف الأول ممثل بمدير مكتب النقل في المحافظة ومدير عام المديرية، وبين الطرف الثاني وهو المتعهد محمد سلام محمد عبدالله العزعزي، والذي سيقوم وفقا للاتفاق بتحصيل الرسوم المقررة على نقل الرمال والحصى من كسارة الأحجار التابعة في لناجي محمد علي، على أن يدفع مبلغ 500 ألف ريال شهريا إلى طرف البنك المركزي في تعز.
الاتفاقية الثالثة كانت مع المتعهد منصور محمد منصور، بمبلغ وقدره ثلاثة ملايين ريال توَّرد شهريا إلى طرف البنك المركزي في تعز، على أن يقوم النتعهد بعملية تحصيل الرسوم المقررة على وسائل نقل البضائع في مديريه المخاء الساحلية.
بين التصريحات والواقع
ذكر النقيب في حديثه مع “فري ميديا”، أن الإيرادات تحسنت خلال العام 2020، وقال: «حققنا خلال العام 2020، ايرادات تصل إلى 10مليون شهرياً، وذلك بعد طلب المحافظ من مدراء العموم عمل خطة بالإيرادات» وأشار إلى أنه «ليس من الضروري أن يعرف كل الناس بذلك، وليس من المهنية النشر في فيس بوك، والمحافظ يمنع الحديث عن الإيرادات أو النشر».
لكن واقع الحال يتناقض تماما مع تصريحات النقيب، بالعودة إلى التقارير المالية الصادرة عن مكتب المالية في محافظة تعز، خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2017، حتى يونيو/تموز2020، اتضح أن الإيرادات خلال النصف الأول من العام 2020، هو أربعة ملايين ومئة وثلاثة ألف ومائة وأربعون ريال (4,103,140)، وذلك من إجمالي مبلغ الربط المالي للنصف الأول من نفس العام، والمقدر: بـ ثلاثة عشر مليونا ومائة وأربعة وعشرون ألف ريال، أي بعجز يساوي تسعة ملايين وتسعمائة وتسعة وتسعون ألف ريال.
مخطط يوضح اجمالي إيرادات مكتب النقل من 1 يناير/كانون الثاني 2017، حتى 30 يونيو/حزيران 2020
مخطط يوضح إيرادات مكتب النقل في تعز خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2017، حتى 30 يونيو/حزيران 2020
إيرادات مكتب النقل لسنة 2017; إيرادات مكتب النقل لسنة 2018;إيرادات مكتب النقل لسنة 2019;النصف الاول إيرادات مكتب النقل لسنة 2020;
مخالفات خارج الاختصاص
وإضافة إلى المخالفات التي يرتكبها مكتب النقل من داخله، لاحظ معدو التحقيق مخالفات أخرى، قد لا تكون على صلة مباشرة بمكتب النقل ولكنها تحدث من خارجه، من بينها قيام بعض الجهات “عسكرية ومدنية” بمخالفات صارخة للانتفاع من عملية التحصيل، أو تحايل بعض المؤسسات للتهرب من الإيراد.
وبالعودة إلى تقرير اللجنة المكلفة بفحص ومراجعة الموارد المالية، فقد أشارت اللجنة إلى حزمة من المشاكل والتجاوزات التي تتخلل عملية التحصيل، حيث أكدت على «قيام بعض النقاط العسكرية المحسوبة على بعض الألوية التابعة للمحور بتحصيل رسوم على وسائل النقل دون مسوغ قانوني، كما هو حاصل من النقاط التابعة للواء17 مشاة رغم من مطالبتنا المتكررة بمذكرات عديدة بالتوقف عن تلك الممارسات»، كما أشارت إلى «استخدام النفوذ والسيطرة من قبل الجماعات المسلحة على بعض الفرزات ومواقع الانتفاع وتحصيل إيراداتها لحسابتهم الشخصية».
وكان أبرز الاختلالات التي ذكرتها اللجنة، في الجانب المدني، متعلق بوسائل نقل بعض المنشآت مثل المدارس، حيث قالت اللجنة بأنها وجدت «عدد من المنشآت التي تمارس مهام النقل من وكالات وشركات سفريات ومكاتب تأجير سيارات تمارس مهامها دون تراخيص مزوالة بالمخالفة للقانون» وأضافت: «التصاريح الممنوحة للمدارس الأهلية لا تتناسب مع عدد سائل النقل التابعة لها مثل مدارس الرشاد مرخصة لوسيلة نقل واحدة بينما المدرسة لديها أربعة فروع في نطاق مديرية المظفر فقط».
كما أكد التقرير على «تهرب العديد من المدارس الخاصة والشركات التي لديها وسائل نقل من قطع تصاريح بالمخالفة للقانون رقم (33) لسنة 2010».
فشل الإحالة للتحقيق
في 22 يوليو/حزيران من العام 2019، أصدر محافظ تعز نبيل شمسان قرارا بإيقاف، محمد أحمد النقيب مدير عام مكتب النقل، والتحقيق معه حول ما تضمنه تقرير مكتب المالية المبين فيه التجاوزات والاختلالات التي تمارس في مكتب النقل.
وقضى قرار المحافظ بتكليف نائب المدير فكري منصور النظيف للقيام بتسيير أعمال المكتب، ووقف عملية تحصيل المبالغ المخالفة للقانون، وتضمن القرار في أحد بنوده تشكيل لجنة للتحقيق مكونة من مدير عام المراجعة الداخلية بديوان المحافظة وعضوية مدير عام الموارد المالية بالديوان، ومندوب عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ومدير الرقابة بمكتب المالية.
وتمثلت مهام اللجنة بالتحقيق في المبالغ التي تم جبايتها من حيث قانونيتها وسلامة اجراءات تحصيلها وتوريدها على ضوء ما ورد في تقرير مكتب المالية رقم (1226)بتاريخ 10 يوليو/تموز2019، والتقرير رقم (1283) بتاريخ 17 من نفس الشهر والعام، والمبين فيه التجاوزات والمخالفات التي تمارس في مكتب النقل والرفع بتقرير متكامل حول الإدارة المالية والقانونية لإدارة النقل والايرادات التي تم تحصيلها وتوريدها خلال النصف الأول من العام 2019. مصدر في اللجنة المكلفة طلب عدم نشر اسمه، قال إن بعض أعضاء اللجنة اعتذروا عن المشاركة وبتراجع الأعضاء تم تفكيكها، ومن تبقى من اعضاءها اقترحوا عدد من الملاحظات، أبرزها إحالة الملف لوكيل المحافظة المختص.
تحتفظ مؤسسة “فري ميديا” للصحافة الاستقصائية بكافة الوثائق والمستندات المرتبطة بهذا التحقيق