الزواج المبكر.. من أسباب الانتكاسة النفسية عند النساء

سياق القصة

نسرين (ليس اسمها الحقيقي) البالغة من العمر 20عاماً وهي من تعز، كانت في سن 14عاماً عندما زوجها أباها من رجل أكبر منها بنحو 15عاماً. وضد رغبة نسرين، تمت مراسيم الزواج سريعاً، وأصبحت نسرين أم لأربعة أطفال، وفي يونيو/حزيران 2020 فرّت من منزلها الكائن غربي مدينة تعز اليمنية، وهي تعاني من حالة انفصام في الشخصية، وفي حالتها لا يهمها هجران العائلة ولا المكان الذي ستصل إليه، ولحسن الحظ استقر بها الحال في منزل عاقل/ عمدة، حي مدينة النور غرب المدينة، وعندما تأكد من أن نسرين تعاني من حالة نفسية، نقلها على الفور إلى المركز رعاية المرضى النفسيين الوحيد الذي يقدم خدمة الرقود لأمراض الحالات العقلية والنفسية من النساء في تعز، وكانت حالتها سيئة للغاية، فتم استقبالها في قسم الاستشفاء الخاص بالنساء وبدأت تخضع للجلسات العلاجية حتى بدأت تستبصر حالتها.
ووجد المختصون في المركز أن سبب حالتها النفسية هو الزواج المبكر؛ حيث تزوجت نسرين في سن الرابعة عشرة، ولم تصل إلى سن العشرين إلا وهي أم لأربعة أطفال.
ومن خلال جلسات العلاج والبحث الاجتماعي، تأكد للأخصائيين أيضا، أن أسرة المريض بأكملها مصابة بمرض عقلي؛ أربع شقيقات، وشقيقهن، ووالدهن، جميعهم يعانون من أمراض نفسية والجميع بلا مساعدة.
وخضعت نسرين لجلسات دعم نفسي، بينما بحثت الأخصائية الاجتماعية عن عائلتها، وتمكنت من الوصول إلى القرية التي تعيش فيها عائلة نسرين في شارع الخمسين شمال غرب المدينة. فيما تمكن الأخصائي الإجتماعي من الوصول إلى زوج الفتاة الذي كان يعمل في مصنع ألمنيوم في منطقة الحوبان شمال شرقي المدينة، وجلس معه، وجرى تقديم جلسات دعم نفسي واجتماعي للزوج أيضا من حيث كيفية التعامل معها. بعد استقرار حالتها النفسية جرى تسليمها في منطقة الحوبان لزوجها داخل مقر اتحاد نساء اليمن هناك.
وعصف النزاع المسلح باليمن منذ عام 2015، وأصبحت مشكلة الفتيات المتزوجات بعيداً عن دائرة الضوء مثل نسرين، وواجه الفريق الذي عمل على ملف الصحة العقلية والنفسية عدة قضايا مؤثرة بشكل كبير على الحالة النفسية لشريحة كبيرة من اليمنيين، من بين تلك القضايا: الزواج المبكر والعنف الجسدي، وهي قضايا معقدة للغاية إبان السلم، وأصبحت أسوأ بكثير خلال النزاع، رغم صعوبة الحصول على بيانات دقيقة لهذا الموضوع.

عام 2018، تم إدخال 410،000 امرأة حامل ومرضع تقريباً إلى المنشآت الصحية بسبب معاناتهن من سوء التغذية الحاد، بزيادة قدرها 87 ٪ عن عام 2016، وبينما تبدو الإحصاءات مروعة، فإن القصص الشخصية للنساء، مروعة أكثر.

ويؤكد علي الحاج نائب مدير مؤسسة رعاية المرضى النفسيين في تعز، أن الزواج المبكر من بين أسباب “الحالة النفسية”، إذ تنتهي تجارب بعض من يتزوجن في سن مبكرة إلى تعرضهن لصدمة نفسية.

وأضاف: لزواج الأطفال عواقب وخيمة على الصحة البدنية والنفسية للفتيات، وقد تؤثر هذه العواقب على بقية حياة الفتاة. وغالبًا ما تُعهد إلى الفتيات والنساء أعمال المنزل والعناية بالعائلات، وقد تكون الفتيات في عزلة عن عائلاتهن وأصدقائهن، وبذلك يجدن أنفسهن وسط أشخاص يجهلون أو لا يأبهون بمعاناتهن.

وتبلغ حنان من العمر 20 عاما، (ليس اسمها الحقيقي) وهي من تعز أيضا، وكانت قد تزوجت لما كان عمرها 13سنة، وحالتها بحسب المختصين في مركز رعاية المرضى النفسيين في تعز، معقدة، حيث كانت قد خضعت للعلاج من قبل في مستشفى الأمل في صنعاء شمال البلاد، واستمرت هناك لفترة قبل أن تصل إلى المركز.
يقول علي الحاج: “كانت حنان قد تزوجت بسن مبكرة، زيجتها الأولى كانت وهي في سن الثالثة عشرة، وانتهى بالطلاق، ثم تزوجت ثلاث مرات، وفشلت في تجارب الزواج الثلاث.

الحاجة الاقتصادية والعلاج

أحد الأسباب الرئيسية للزواج المبكر، هو الحاجة المادية، لا سيما في ظروف غير مستقرة ومتأثرة بالنزاعات، إذ يبحث الكثير من الناس عن أي طريقة لتغطية نفقاتهم. مديرة مدرسة نعمة رسام للبنات، المدرسة الأولى من حيث الكثافة الطلابية في مدينة تعز، تقول إنها تلاحظ تزايد زواج الطالبات في سن مبكرة بين 13ـ 17 سنة، إذ يتركن التعليم نزولاً عند رغبة الأهل، لكن معظم هذا الزواج ينتهي بتعرض الطالبات للصدمات النفسية.
وطبقا لأخر دراسة موثوقة أجرتها الحكومة اليمنية بالتعاون مع اليونسيف عن إتاحة التعليم للفتيات اليمنيات، ظهر منها أن الكثير من الآباء يجبرون الفتيات على ترك المدارس لدى البلوغ، أو حتى قبل ذلك في المناطق الريفية، حيث يعيش 80 في المائة من سكان اليمن، وبحسب الدراسة أن الآباء يُخرجن الفتيات من المدارس أيضاً في سن مبكرة لتحضيرهن للزواج. ما إن يتم الزواج فإن فتيات قليلات يستمر تعليمهن أو يقمن بإتمامه للنهاية.
بالنظر إلى الحالة النفسية الناجمة عن الزواج المبكر بسبب الظروف المادية، فإن التمكين الاقتصادي للنساء أمر حيوي لحماية أنفسهن؛ على الرغم من صعوبة قبول المجتمعات المحافظة للغاية، إلا أن بعض الرجال – على سبيل المثال الآباء – سيستمعون ويقبلون هذا الأمر لأنهم يريدون الأفضل لبناتهم. أما بالنسبة للرجال الآخرين – وغالباً الأزواج – فالأمر غير مقبول، ولهذا السبب من المهم جداً إشراك الفتيان والشباب في توعية لهذا الغرض.

ونظراً لنقص المعلومات والدعم فيما يتعلق بالإبلاغ والرعاية الصحية، في الغالب، لا تعرف معظم النساء إلى أين يذهبن أو مع من يتحدثن، وكثيراً ما تكن معرضات لسوء المعاملة بما في ذلك من أفراد أُسَرِهن؛ وعليه، لتشجيع النساء على الإبلاغ عن الإساءات وطلب المساعدة، ينبغي أن يشعرن بالأمان والثقة بأنهن لن يتعرضن لمزيد من المخاطر إذا طلبن المساعدة.

شارك