Default

اليمن: كورونا يَزيد أوضاع النساء الريفيّات سوءاً

سياق القصة

فاقمت جائحة كورونا  COVID-19 من معاناة المرأة الريفية في اليمن، إذ تشكّل النساء الريفيات النسبة الأكبر من العاملين في قطاع الزراعة ويقمن بأعمال شاقّة بدنيّاً مع افتقارهنّ إلى الحماية الاجتماعيّة وضعف إمكانيّة وصولهنّ إلى المرافق الصحّيّة الجيّدة، في بلد كثيراً ما توصف بأنّها دولة متأخرة في مجال حقوق المرأة في منطقة الشرق الأوسط، حيث ماتزال المرأة الريفيّة تواجه التهميش الاجتماعيّ والاقتصاديّ.

وفي ظلّ التفاوتات الجنسانيّة الصارخة، تعاني الريفيّات من عدم مساواة في جميع حقوقها وفي مقدمتها الحقوق المتعلقة بالتعليم والصحة، وقد أدّى تفشّي وباء كورونا  COVID-19إلى زيادة المعاناة، ممّا يجعل المرأة الريفية خاصّ ضمن الفئة الأشدّ تأثّراً بهذا الوباء، فهي تتحمل رعاية الأسرة والعمل الزراعي في ظروف معروف بالفعل أنّها شاقّة، في ظل فقدان الذكور لفرص العمل بسبب الوباء ومن قبله تداعيات الحرب الأهلية التي تشهده البلاد منذ 2015.

العمل دون أجر

حسب البيانات الصادرة عن مركز الاحصاء في 2006 تعيش 52 في المائة من النساء اليمنيات في مناطق ريفيّة، وذكر المركز الوطني للإحصاء أنّ 65 في المائة من النساء الريفيّات انقطَعن عن التعليم في سنّ مبكرة، لتتجاوز بذلك نسبة الأمّيّة بين النساء الريفيّات 65 في المائة.

تشكّل النساء 55 في المائة من القوى العاملة في قطاع الزراعة في اليمن، خصوصاً في محافظة الحديدة وتعز وإب وصنعاء، وريمه والسهول التهامية غربي البلاد، لكنّ معظم النساء الريفيات يعملن لدى ذويهن دون أجر نقدي ثم ينتقلن كأيدٍ عاملة إلى منزل الزوج حيث يعملن لدى الزوج أو أسرته في الزراعة والحصاد وجني المحصول وتربية الدواجن إلى جانب الأعباء المنزلية.

فقوة العمل النسائية في الريف تستغل وبشكل مستمر لصالح الأب والأخ والزوج وأهل الزوج في إطار العلاقات الاقتصادية والمفاهيم الاجتماعية التقليدية السائدة. من هنا يتبين أن المرأة في الريف قد مارست العمل واكتسبت حق العمل دون أن تنال حق الكسب.

وقالت شيناز الأكحلي ناشطة نسوية لـ “فري ميديا”: إن النساء في الأرياف عادةً ما يتحمّلن أعباء وظيفيّة ثقيلة للغاية، إذ يتعيّن عليهنّ الجمع بين متطلّبات العمل الزراعي الشاقّة بدنيّاً والتزامات المنزليّة ومسؤوليّات تقديم الرعاية، ولذلك نحو 60 في المائة من النساء في الريف اليمني يعانين من مشاكِل صحّيّة ناتجة في معظمها عن ظروف العمل، ويرجع السبب في ذلك إلى افتقار المناطق الريفية للمراكز الرعاية الصحّيّة الجيّدة.

معاناة مريم

مريم عبدالله، وهي أم لثلاثة أطفال صغار تبلغ من العمر 37 عاماً وتعيش في تهامة إنّها تعمل بمزرعة للبصل نظر نحو 4.5 دولار لكل 8 ساعات من العمل الشاقّ بدنيّاً، وبسبب جائحة كورونا  COVID-19فقدت هذه الفرصة وهي اليوم تعاني من ظروف اقتصادية قاسية وأيضاً أحد أطفالها يعاني من ضعف في السمع وتوفي زوجها، وهو ما يعطي عائلتها الحقّ في الحصول على رعاية صحّيّة مجّانيّة، وهو ما لم يحصل، ولذلك تضطرّ مريم لطلب المساعدة الماليّة من جيرانها عندما تتكبّد أيّة تكاليف باهظة بسبب طفلها الذي يعاني من ضعف السمع. وتتعيّن عليها في معظم الأوقات الاستدانة لتتمكّن من تلبية احتياجات الأسرة.

أما زين علي شمسان، وهي سيّدة تبلغ من العمر 55 عاماً تعيش في الضواحي الجنوبي من محافظة تعز، تعمل في الزراعة منذ 25عاماً، خلال جميع المواسم إلى جانب تربية المواشي، وهي وتعاني من مرض السكري وتتعاطي الأنسولين بصورة يومية، ويكلفها العلاج نحو 70 دولاراً شهرياً، تحصل على قيمته من أقاربها، رغم أن المنظمات الدولية تقدم عبر مكتب الصحة العامة والسكان في تعز أدوية السكر مجاناً، لكن ليس من بينها الأنسولين ولا تصل للسيدة زين في قريتها، التي لا يتوفر فيها أيّة خدمات صحّيّة.

تنتقل زين من القرية إلى المدينة بغرض الوصول للرعاية الطبية، وذكرت أنّها مع اندلاع جائحة كورونا  COVID-19 تجنّبت دخول المدينة حتى لا تتعرض للإصابة بالفيروس، لكن أصابتها بالسكري أداء إلى تدهور صحتها الأمر الذي جعلها تتراجع عن قرارها وتنتقل للمدينة للعلاج وهناك أصيبت بالفيروس وخضعت للعلاج في منزل ابنتها التي رفضت نقل والدتها إلى المستشفى بسبب الإهمال الذي يحيط بمرضى كورونا.

 

الاعتماد على النساء

ومع التحول في التركيبة السكانية الناجمة عن الحرب، أصبحت المجتمعات الريفية في اليمن تعتمد بشكل كبير على النساء في العمل الزراعي، وعلى مدى السنوات السبع الماضية، حافظت النساء الريفيات على الحقول في ظل ظروف الحرب القاسية التي أثرت بشكل خطير على البنية التحتية والتعليم في هذه المجتمعات الريفية، كما أجبرت النساء في الأرياف على تحمل المزيد والمزيد من المسؤوليات، في ظل هجرة العمالة من الذكور أو انخراطهم في الحرب.

ويقول مدير عام الشؤون الاجتماعية والعمل في تعز، عبده علي، لـ “فري ميديا”: أصبحت المناطق الريفية تعتمد على النساء في القوت حتى مع استمرارهن في رعاية الأعمال المنزلية، وتربية الأطفال وإدارة مسؤوليات المهام الأخرى الصعبة مثل جلب المياه يدويًا وجمع الحطب، كورونا ضاعفت هذه المعاناة خصوصاً مع فقدان الرجال لفرص عملهم والعودة من المدن إلى الأرياف.

ويضيف: المياه والغاز المنزلي أصبحت سلعتان يحل محلها عمل النساء بشكل متزايد، بسبب ارتفاع أسعار مع جائحة كورونا  COVID-19 إذ اضطرت النساء إلى السفر لمسافات طويلة بحثًا عن الحطب لأن معظم المواطنين غير قادرين على تحمل تكلفة الغاز مع فقدان فرص العمل، وخفض الرواتب وارتفاع معدلات البطالة، بسبب الجائحة.

اليوم، يجب على النساء الخروج قبل شروق الشمس بحثًا عن مياه الشرب، على الرغم من درجات الحرارة المريرة في المناطق الجبلية، وفي الأرياف التي تشهد أعمال عنف في محيطها يكون البديل لهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر هو استخدام مياه الأمطار الملوثة المرتبطة بالكوليرا والأمراض الأخرى.

وقال الناشط الإجتماعي راشد محمد، تعتمد المجتمعات الريفية في اليمن بشكل كبير على المرأة في الزراعة وتربية المواشي، ورغم هذا الدور فإن المرأة الريفية مازالت تواجه تجاهلًا من المجتمع اليمني، وحرمانًا من كثير من الفرص والحقوق. وزاد الاعتماد على المرأة الريفية خصوصًا في السنوات الأخيرة التي شهدت هجرة كثير من الرجال اليمنيين بحثًا عن الرزق، وظهور كورونا  COVID-19 ضاعف كل هذه المعاناة التي تواجه المرأة الريفية.

وتحدثت الدكتورة ألفت الدبعي أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز، أن من أهم المشاكل التي تواجه المرأة الريفية هو كدحها المتواصل للحصول على أساسيات العيش وقيامها بأكثر من دور في نفس الوقت من أجل الحفاظ على توازن الاحتياجات في أسرتها فهي تخرج لجلب المياه والحطب من مناطق بعيدة قد تعرضها للتحرش والمضايقات في طريقها كما أنها تنقطع عن التعليم في مرحلة مبكرة من عمرها نظراً لانتشار ظاهرة الزواج المبكر أو الاجباري من قبل الأهل مما يحرمها من فرصة الحصول على شهادة مؤهلة لسوق العمل أو للحصول على فرصة كريمة في ايجاد مورد رزق ثابت لها ولعائلتها بالإضافة إلى المشاكل الصحية التي من الممكن أن تودي بحياتها نتيجة الحمل المتكرر أو الإجهاض وأمراض سوء التغذية، أضف إلى ذلك التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها جائحة كورونا.

دعم | تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH (صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا)

شارك