طالبات في حصة طابور الصباح في إحدى مدارس تعز | تصوير حمزة الجبيحي

اليمن: الزواج المبكر من الآثار غير المعلنة لـ COVID-19

سياق القصة

 كورونا يعطل الجهود المبذولة لمواجهة زواج الأطفال، الذي ارتفعت نسبته في اليمن بسبب الظروف المعيشية شديدة القسوة التي تسبب بها الوباء

لا يزال تأثير COVID-19 محسوسًا في جميع أنحاء العالم، مع تزايد توتر الأنظمة السياسية مع موضوع الاقتصاد العالمي المتعثر، لكن من الآثار الأخرى للوباء هو زيادة حادة في زواج الأطفال المبكر، وتظهر الأدلة زيادة مقلقة في جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال جائحة كورونا COVID-19 في اليمن التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد وتفشي انتهاكات حقوق الإنسان.

هذه الانتهاكات تشمل زواج الأطفال وهو منتشر على نطاق واسع، طبقاً لاستبيان أجرته الحكومة اليمنية واليونيسف في عام 2006، فإن 14 في المائة من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل بلوغ سن 15 عاماً، و52 في المائة منهن يتزوجن قبل سن 18 عاماً.

ارتفعت هذه النسب بفعل الحرب الأهلية التي تشهدها اليمن منذ العام 2015، وزادت جائحة وباء كورونا COVID-19 الأمر سوءً بسبب الظروف المعيشية شديدة القسوة، إذ تشير التقديرات إلى أن الوباء يعطل الجهود المبذولة حتى الآن لمواجهة الزواج المبكر في اليمن.

قالت سوسن أحمد، البالغة من العمر 17عامًا، التي قُتل والدها في الحرب الأهلية التي تشهدها اليمن، تاركًا عائلته بلا مصدر دخل:

” لم أرغب في الزواج، لكن عندما نظرت إلى ظروفنا التي تضاعفت مع جائحة كورونا COVID-19 وزادت من قسوة معيشتنا، اعتقدت أن حياتنا ستكون أفضل بالزواج”.

يقول صلاح القعيشي، الرئيس التنفيذي لمركز الآخر للتنمية والحوار:

بالنسبة للعديد من العائلات التي تواجه الفقر، قد يُنظر إلى قرار زواج أطفالها في سن مبكرة على أنه وسيلة ضرورية للبقاء على قيد الحياة لكليهما؛ الأسرة والطفل.

وأوضح أنه إلى جانب عدم المساواة بين الجنسين هناك ثلاثة دوافع رئيسية في معظم حالات زواج الأطفال المبكر: انعدام الأمن الاقتصادي، ومخاوف السلامة، ونقص فرص التعليم؛ الدافع الأكثر شيوعًا هو انعدام الأمن الاقتصادي.

ويضيف في حديثه لـ ” لفري ميديا FREE MEDIA” يمكن للفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي أن يدفعوا العائلات، بما في ذلك أولئك الذين لا يميلون ثقافياً إلى زواج الأطفال المبكر، نحو الممارسة، كآلية للتكيف.

الهروب إلى الزواج المبكر

كانت ميسون تبلغ من العمر 16عامًا عندما أعلن والدها في أغسطس/آب   2020أنه أبرم صفقة زواجها، كانت ستتزوج رجلاً بضعف عمرها مقابل مبلغاً صغيراً من المال، حيث أُجبرت على ترك المدرسة استعداداً للزواج بعد أن فقد والدها عمله كسائق مع أحد التجار قبل وفاته بفيروس كورونا COVID-19، ما ضاعف من معاناة الأسرة المكونة من ثمانية أفراد في مستوطنة على مشارف عدن جنوب، اليمن.

تتذكر ميسون، ” جاء رجل وسأل والدتي عما إذا كان يمكنه الزواج بي ووافقت على الفور، لم يكن لدي أي خيار، لقد دخلت في حياة كنت جاهلاً بها تمامًا.”.

كان الزواج كارثة؛ أعقب ذلك أشهر من الاعتداءات العنيفة ليلاً، والدة ميسون تتذكر يأس ابنتها، تقول: “كانت تعاني من مشاكل نفسية، عزلت نفسها عن الجميع وطريحة الفراش قرابة ثلاثة أشهر”. تضيف: “أشعر بندم عميق على الألم الذي سببناه لها”.

غالبًا ما تدفع العائلات الفقيرة في اليمن بناتها الصغيرات إلى الزواج من رجال أكبر سناً منذ تصاعد الحرب الأهلية في اليمن في عام 2015، واقتربت البلاد أكثر فأكثر من الانهيار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع التضخم ودفع أسعار الضروريات الأساسية بعيدًا عن متناول معظم الأسر.

الآن ضاعف فيروس كورونا COVID-19 معاناة الأسر الفقيرة التي وجدت خيار الزواج المبكر للفتيات وسيلة لمواجهة الوضع المعيشي.

نظرًا لأن 80 في المائة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، فإن العائلات التي تكافح في اليمن تلجأ في كثير من الأحيان إلى الزواج المبكر لإطعام أطفالها وتلبية احتياجاتهم، يقدم رجل كبير السن مبلغًا صغيرًا من المال لأب مقابل ابنته الصغيرة، والنتيجة هي النهاية المفاجئة للطفولة، وهو انتهاك أساسي لحقوق الإنسان.

في النهاية، عادت ميسون إلى منزل والديها، وتمكنت عائلتها من التفاوض بشأن الطلاق، لكنها توجه صعوبة في الوصول إلى أخصائي يقدم لها الدعم النفسي لمساعدتها على التعافي من صدمة زواج مسيء.

اثناء كتابة قصتها حاولنا التواصل مع برنامج تدعمه اليونيسف من أجل تمكينها من الوصول للمشورة، وتدريبها على البدء في مشروع صغير.

مأساة نفسية

،، جائحة كورونا COVID-19 زاد من معاناة أسرة فتحية فقررت الهروب إلى الزواج من رجل يكبرها بـ 30عاماً مقابل مبلغ من المال،،

تتقاسم فتحية البالغة من العمر 14عاماً مع ميسون تفاصيل الظروف الاقتصادية شديدة القسوة، وأيضاً تجربة الزواج المبكر، وتعيش ميسون وأسرتها ظروف معيشية قاسية، وقبل جائحة كورونا COVID-19 كانت تبيع البطاطس المسلوق في المدرسة وتحصل على مبلغ من المال يساعد أسرتها على مواجهة الحياة إلى جانب ما تحصل عليه من سلة غذائية من برنامج الغذاء العالمي، لكن جائحة كورونا COVID-19 تسببت بتوقف الدراسة وفقدت فتحية وأسرتها ما كانت تحصل عليه من مال على قلته، الأمر الذي زاد من معاناة الأسرة، ولم يكن هناك خيار أمام فتحية غير التخلي عن الدراسة والهروب من المعاناة إلى الزواج من رجل يكبرها بـ 30عاماً مقابل مبلغ من المال يصل إلى 2500 دولار يمكن أن يساعد الأسرة المكونة من أم وثلاث شقيقات، في تلبية احتياجاتها الأساسية وعلاج والدتها التي تعرضت لجلطة دماغية.

لكن زواج فتحية كان الخيار الخطأ فهي لم تشعر بالاستقرار فضلاً عن تعرضها للعنف، فقررت العودة إلى مسكن عائلتها وهو عبارة عن دكان بفتحة واحدة، لتعيش تفاصيل آلام الحياة مع شقيقاتها وأمها المريضة.

ومن أجل الخلاص من كابوس الزواج المبكر قررت العودة إلى المدرسة بعد فتح الإغلاق وتراجع حدة فيروس كورونا COVID-19، وتأمل فتحية أن تأخذ المدرسة بيدها، وبالفعل بدأت إدارة المدرسة ترصد ظهور انتكاسة في صحة فتحية النفسية، وبدأ الاختصاصيين دراسة الحالة الاجتماعية للطالبة ومعرفة الأسباب التي جعلت فتحية تعاني من أزمة نفسية، حاولت إدارة المدرسة إنقاذ فتحية من هذا الزواج المبكر وعقدت جلسة مع الزوج للوصول إلى حلول انتهت بالطلاق.

لكن وسط هذه الظروف التي أحاطت بهذه الطفلة، تلاشت رغبتها في التعليم أمام رغبتها في العثور على عمل لمواجهة مسؤولية إعالة أسرتها، في حين واصلت إدارة المدرسة جهودها لمحاولة إخراجها من حالتها، لكن فتيحة بدأت في التردد على منازل الأسر التي تعيش وضعاً اقتصادياً مستقراً بغرض العمل في تقديم المنفعة داخل هذه المنازل.

تقول مديرة المدرسة: “عندما بدأت فتحية العمل في المنازل، شعرت بأن نفسيتها محطمة، لقد رفضت العودة إلى المدرسة”، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الطالبات يتقاسمن مع ميسون تفاصيل ظروف مماثلة.

الحاجة الاقتصادية والعلاج

أحد الأسباب الرئيسية للزواج المبكر، هو الحاجة المادية، لا سيما في ظروف غير مستقرة ومتأثرة بالنزاعات وتداعيات فيروس كورونا COVID-19، إذ يبحث الكثير من الناس عن أي طريقة لتغطية نفقاتهم.

مديرة مدرسة نعمة رسام للبنات، المدرسة الأولى من حيث الكثافة الطلابية في مدينة تعز، رجاء الدبعي تقول: إنها تلاحظ تزايد زواج الطالبات في سن مبكرة بين 13ـ 17 سنة، إذ يتركن التعليم نزولاً عند رغبة الأهل، لكن معظم هذا الزواج ينتهي بالطلاق وتوجه الطالبات صدمات نفسية.

وأضافت: عندما عادت المدرسة للعمل بعد الإغلاق بسبب كورونا COVID-19 وجدنا أكثر من 25 طالبة من الأسر الفقيرة وجميعهن تحت عمر 18 تركن الدراسة وتزوجن.

وتقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز، ألفت الدبعي: يعتبر زواج الأطفال وسيلة للخروج من الفقر بنظر العائلات التي فقدت وظائفها وسبل عيشها أثناء جائحة كورونا، أو بسبب النزاع المسلح، حيث ترى هذه العائلات زواج الأطفال كوسيلة لتخفيف المصاعب الاقتصادية وكآلية تأقلم مؤقتة لضمان الأمن المالي للفتيات، في هذه الحالات، يعتبر زواج الأطفال معاملة مالية ويتقرر بناءً على أسباب اقتصادية قصيرة الأجل.

ومن غير الواضح حتى الآن كيف تتعامل الحكومة اليمنية والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان مع التحديات المرتبطة بارتفاع زواج الأطفال بسبب كورونا COVID-19 في اليمن، في ظل الصعوبات التي تواجهها الفتيات في الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والدعم المجتمعي الذي يحميهن من زواج الأطفال والحمل غير المرغوب فيه والعنف القائم على نوع الجنس.

إعداد | قسم إنتاج وتحرير المحتوى في مؤسسة فري ميديا للصحافة الاستقصائية

دعم | تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH (صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا)

شارك