فقدت آلاء وسام عبد الفتاح، البالغة من العمر 6 سنوات، مصدر ترفيهها الوحيد؛ جهاز iPad، الذي يحوي عالمها الطفولي، آلاء لا يمكنها الركض واللعب في أرجاء المنزل، بعد أن فقدت ساقها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عندما أصيبت بجروح بالغة جراء شظية قذيفة وصلت إلى المنزل في حي الثورة شرقي المدينة من مواقع تمركز قوات جماعة الحوثي في الحوبان شمالي شرق المدنية. لقد جرى نقلها إلى مستشفى الصفوة في تعز ــ أحد المراكز الثلاثة التي تعاقد معها مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية لتقديم الخدمات الطبية لجرحى الحرب من اليمنيين ـ وهناك خضعت الطفلة لعملية جراحية، كانت عبارة عن ربط الشريان المغذي للساق في نهاية ولم يجري توصل الشريان، وفقا لتقرير طبي صادر عن أحد مستشفيات المدينة، تحت توقيع استشاري جراحة الأوعية الدموية طارق نعمان، بعد ذلك قرر الأطباء بتر ساقها، إلا أن والديها اعترضوا على قرار البتر.
قال والدها في مقابلة له قبل وفاته، إنهم أردوا نقلها إلى مستشفى آخر قبل أن تحدث مضاعفات تتسبب ببتر ساقها، لكن رغبتهم في النقل قوبلت بالرفض من قبل إدارة مستشفى الصفوة التي قالت إدارتها لـ “IMF” إن حالة آلاء كانت بالأساس بحاجة إلى البتر وأن اجراء الطبيب المعالج العملية للشريان الممزق كانت فقط للمحاولة إنقاذ ساقها وهذه المحاولة كانت معقدة بسبب أن الإصابة كانت كبيرة.
ثلاثة أعوام بلا طرف
عندما التقينا آلاء في مارس/آذار 2018 في المنزل الذي تعيش فيه مع والديها وشقيقها الوحيد، كانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات، وكان جهاز الـ iPad أفضل صديق لها، وكانت الرسوم الكرتونية على التلفزيون، حديقتها الكبيرة، وفي يوليو/تموز 2020 التقينا بها مرة أخرى وهي ما تزال بدون طرف اصطناعي، وكانت بلا جهاز iPad ولا تلفزيون، وكذلك بلا أب، لقد توفي والدها متأثراً بفيروس كوفيد-19، في يونيو/حزيران عام 2020 في المملكة العربية السعودية.
دخلت آلاء الغرفة وهي تسحب نفسها على الأرض دون كرسي متحرك، وقد كبرت وبدأت تستوعب مأساتها، وتعيشها بقسوة، وتشارك والدتها وشقيقها أحمد مرارة إعاقتها الأبدية.
تعيش أسرة آلاء في شقة ضيقة منذ ثلاث سنوات ونصف، وحتى الآن لم تتمكن الطفلة من الحصول على طرف اصطناعي يناسب طفولتها، بينما تضعف ساقها يوماً بعد يوم، ما أثر على نفسيتها إلى حد كبير، ورغم مرور أربع سنوات على بتر ساقها، لم تخضع لبرامج الدعم النفسي.
المدرسة حلم
يقتصر حلم آلاء على أن تحصل على طرف اصطناعي والذهاب إلى المدرسة. لم تتحدث عن الأحلام الكبيرة المنغرسة في مخيلات الأطفال، لم تتكلم بغير جملتين، للتعبير عما صار حلماً: “أريد طرفًا اصطناعيًا وأريد الذهاب إلى المدرسة”.
لا تتذكر آلاء تفاصيل قصة بتر ساقها، إلا أنها تدرك ثلاثة أشياء: أنها أصيبت بشظية، وأنها بلا ساق، وأن والدها يعيش عند الله
نكسة نفسية
الظروف النفسية السيئة تحيط بآلاء، ومع إدراكها للحياة، بدأت تعاني من حالة اكتئاب وعزلة وخوف وحزن، إذ لم تذهب إلى حديقة قط، ولم تخضع لجلسات دعم نفسي، ولم تمارس أي لعبة من قبل، وعائلتها تكافح منذ ثلاث سنوات ولم تتمكن من الحصول على طرف اصطناعي.
تقول: “لا يمكنني إجراء حوار مع عائلتي. لقد سئمت عائلتي والمجتمع. لا يمكنني العثور على أي شخص يمكنه فهم قصتي”.
القليل من الدعم
عاشت آلاء رحلة قاسية بدأت من المستشفى، حيث واجهت الإهمال، وأُجريت لها عملية جراحية استمرت سبع ساعات وكانت النتيجة ربط الشريان بدلاً من القيام بتوصيله، مما تسبب في بتر ساقها في النهاية وفقا لتقريرها الطبي.
تعيش آلاء بعيداً عن المنظمات التي من المفترض أن توفر لها الحماية والمساعدة والدعم النفسي، لكن حتى سلة الغذاء ـ التي كانت تحصل عليها عائلتها من برنامج الغذاء العالمي من خلال شركائه المحليين ـ توقفت.
تقول الأم: “لم نحصل على أي دعم، لا مالي ولا نفسي ولا رعاية صحية، حتى اسمنا سقط من قوائم المنظمات عندما كنا في عدن نتابع طرف الاصطناعي لآلاء من مركز الملك سلمان”.
البتر من جديد
بدأت ساق آلاء تضعف وتصبح نحيلة بشكل تدريجي نتيجة عدم الحركة، تقول والدتها إن أحد الخبراء الفنيين في مركز الأطراف الصناعية في مدينة تعز أخبرها أن آلاء بحاجة إلى بتر جديد لإزالة مفصل الركبة الذي قد يُسبب لها صعوبة في استخدام الطرف الاصطناعي، وسيكون من الصعب عليها المشي مرة أخرى.
“لم أقرر بعد إجراء عملية بتر لطفلتي مرة أخرى، أنا متعبة نفسيا، وأيضا نفسية آلاء، لم أتجاوز الصدمات السابقة؛ بتر آلاء وحياتها القاسية بلا طرف؛ وبعد ذلك مات معيلنا الوحيد وأصبحنا نعيش في هذه الشقة كالسجناء وحدنا نواجه قسوة الحياة” تقول الأم.
طرف اصطناعي مُصاب
بعد زيارتنا لآلاء في عام 2018، أتيحت لها فرصة الحصول على ساق صناعية (طلب والدها حينها إيقاف نشر قصتها) سافرت إلى السعودية على نفقة مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، وحصلت على طرف اصطناعي حديث وعادت إلى اليمن، لكن الطرف الاصطناعي أصيب بخلل فني، فأبلغ والدها مركز سلمان في جدة، ونصحه الأخير بزيارة الخبراء الأتراك العاملين في فرع المركز في مدينة عدن اليمنية، فعل ذلك ولم يتوصل إلى نتيجة؛ القطعة المسؤولة عن التوازن في حركة الطرف أصبحت خاملة.
وبعد وفاة والدها في 22 يونيو/حزيران 2020 بفيروس كورونا، صارت آلاء بلا معيل وبلا أب يتابع حالتها لدى أية جهة يمكن أن تتعاون معها في الحصول على طرف اصطناعي تستطيع السير به إلى المدرسة. حاولنا التواصل مع المسؤول الإعلامي في إدارة مركز سلمان لمعالجة مشكلة الطفلة ولكن دون جدوى.
آلاء من الأطفال الضحايا الذين تعرضت أطرافهم للبتر بسبب الألغام والأشياء غير المنفجرة والشظايا وأخطاء المستشفيات أيضاً
بلغت عمليات البتر في محافظة تعز 568 عملية، بينهم 42 طفلاً، حتى منتصف عام 2020 ويعيشون اليوم في ظروف نفسية قاسية، في ظل غياب برامج الدعم النفسي التي تستهدف هذه الفئة تحديداً.
وفقًا للطبيب النفسي عبدالرحمن القدسي، فإن “الضغط السام” المستمر على الصحة العقلية والجسدية للأطفال يؤثر على نموهم المعرفي والاجتماعي والنفسي والبدني، علاوة على أنه يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتوتر وأمراض القلب والسكري ومشاكل الجهاز المناعي والاكتئاب واضطرابات الصحة العقلية الأخرى في مرحلة البلوغ.
ويمكن أن يؤدي “الإجهاد السام” المستمر أيضاً إلى تقليل الروابط العصبية في مناطق الدماغ المخصصة للتعلم والتفكير، مما يؤثر على قدرات الأطفال.
يقول القدسي: “من الضروري تحويل التركيز إلى ست سنوات من “الإجهاد السام” على أطفال اليمن”.
ومع ذلك، بالنسبة للعديد من الأطفال اليمنيين من ذوي الاحتياجات الخاصة مثل آلاء، غالباً ما يكون الحصول على الدعم النفسي نادراً، ناهيك عن الحصول على التعليم.
ويقول استشاري الأمراض النفسية والعقلية طالب غشام: “إن الأطفال لا ينمون نمواً صحياً، إنهم عالقون في العصر الذي أصيبوا فيه بصدمة نفسية”.