ماحدث أشبه بزلزال أدى لانهيار القيم الصحفية والأخلاقية والمهنية بسبب الدخلاء على المهنة

سياق التقرير

يعيش الصحفيون اليمنيون ظروفًا مأساوية في ظل الحرب الأهلية في البلاد، حيث يعانون بشكل كبير من القيود الشديدة المفروضة على الإعلام والصحفيين بشكل عام، وإخضاعهم لإملاءات جائرة تستهدف حرية التعبير واستقلال الصحفي، وحقه في نقل الحقيقة المجردة بمهنية.
نتيجة سيطرة جماعة مسلحة نافذة على الإعلام في البلاد، واحتكار تمثيل الرأي العام في وسائل الإعلام التي تخدم أجندة سياسية موجهة لهذه الجهة أو تلك، الأمر الذي استدعى بالضرورة إشراك مئات وربما الآلاف من الدخلاء على مهنة الصحافة، بينما يتعرض الصحفيون المحترفون والمستقلون للإقصاء والتهميش ويعانون الأمرين على مستوى حرياتهم ومعيشتهم وأمنهم الشخصي.

حول هذه القضايا وغيرها كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ نبيل الأسيدي رئيس لجنة التدريب والتأهيل بنقابة الصحافيين اليمنيين، وأحد أكثر قيادات النقابة فاعلية وحضوراً في قضايا الصحافيين، واللاعب الرئيس خلال سنوات الحرب في الدفاع عن الصحافيين وتبني قضاياهم ومظلومياتهم.. فإلى الحوار:

في البداية نود أن تعطينا نبذة عن نقابة الصحافيين في اليمن؟!

هي نقابة مهنية لشريحة الصحفيين والمصورين الصحفيين والمحررين الصحفيين سوءا بالصحف والإذاعة والتلفزيون، تأسست بموجب اتفاق بين الصحافيين اليمنيين في الشمال والجنوب عام 1976، حيث اتفق الصحافيين اليمنيين شمالاً وجنوباً على إنشاء كيان يمثل الصحافيين في الشمال وآخر يمثل الصحافيين في الجنوب على أن يتم تشكيل اتحاد واحد للصحافيين اليمنيين يضم الكيانين معاً.
وتهتم نقابة الصحافيين، بالحقوق والحريات والدفاع عن الحريات الصحفية، وكذلك في بعض الحالات تقوم بمساعدتهم، وتركز على التدريب والسلامة المهنية وأخلاقيات المهنة ولها يوم خاص بها، ويصادف اليوم العالمي للصحافة اليمنية في 9 يوليو، حيث تم في هذا اليوم توحيد نقابة الصحفيين في الشمال ونقابة الصحفيين اليمنيين الديمقراطيين في الجنوب.

ما الدور الذي تلعبه نقابة الصحافيين في الدفاع عن الصحافيين وحقوقهم؟

نقابة الصحفيين هي الركيزة الأساسية الأولى إما بالتوثيق أو برصد الانتهاكات أو بتسجيل حالات الانتهاكات والدفاع عن الضحايا من الصحافيين ومناصرتهم، وقضية المناصرة أمر مهم، سواءً عبر إصدار البيانات فيما يخص الانتهاكات وإصدار التقارير الربع سنوية والنصف سنوية والسنوية، التي تسرد الانتهاكات والجهات التي تقوم بها، وأنواع الانتهاكات ومختلف أنماط الانتهاكات الذي يتعرض لها الصحفيين، وأيضاً تقف مع الصحفيين أثناء محاكمتهم.
تهتم النقابة أيضا بالتشبيك مع المنظمات الدولية من أجل الدفاع عن الحريات الصحفية، مثل اتحاد الصحفيين العرب، والاتحاد الدولي للصحفيين، ومراسلون بلا حدود، والعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وكل المنظمات المعنية بالحقوق والحريات، وتُعنى أيضا بالحريات الصحفية، وتزودهم بالمعلومات، وأيضاً في مجلس حقوق الإنسان، تزود المقرر الخاص المعني بالحريات الصحفية بكل الانتهاكات وبالتقارير الصادرة عن النقابة.
تهتم النقابة أيضاً بشرح الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين في الداخل، والتعريف بالجهات التي تقوم بانتهاكات الحريات الصحفية، أياً كانت وإيصال أصوات الصحفيين إلى المنظمات الدولية، وعرض معاناتهم والانتهاكات التي تحصل بحقهم.

ما دور نقابة الصحافيين في مواجهة سيطرة الدخلاء على المهنة على وسائل الإعلام اليمنية؟

نقابة الصحفيين حريصة جداً على أن تكون العضوية للصحفيين العاملين وفق الشروط المعنية في قبول العضوية، أن يكون صحفي وعامل في صحفية او وسيلة اعلامية كمحرر اخبار او مقدم اخبار وغير ذلك، وان يكون دخله الرئيسي من الإعلام وأن يكون لديه خبرة في العمل الصحفي وأن يكون عاملاً محرراً ولديه كشف راتب ولديه أيضاً رسالة من الصحيفة او الوسيلة التي يعمل بها وغيرها من الشروط التي على ضوئها يتم منح عضوية نقابة الصحفيين، وترفض النقابة منح العضوية لمنتحلي صفة الصحافة او الدخلاء على الصحافة، أو الذين ليس لهم علاقة بالصحافة أو يعتقدون أنهم صحفيين من خلال مواقع التواصل أو غيرها.

لكن في حالة الحرب للأسف الشديد ظهرت العديد من المواقع وكثير من الصحف وهناك جماعات زجت بالكثير من الدخلاء على المهنة إلى المواقع والقنوات والصحف وهذه نتيجة الحرب، لكن في الأول والاخير سيتم غربلتها عاجلاً ام اجلاً.

ما الدور الرقابي الذي تمارسه النقابة على وسائل الإعلام المختلفة لكبح جماح التضليل الإعلامي والتحريض وخطاب الكراهية؟

تقيم النقابة العديد من الفعاليات لإيقاف التحريض ونبذ الكراهية والتطرف، وأقامت العديد من الجلسات في المحافظات، وتقوم بعملية توعية، لكن للأسف ظروف الحرب أكبر من إمكانيات النقابة، وأيضاً الأطراف المتحاربين يشنون حملة تحريض وكراهية أكبر بكثير من إمكانية النقابة ولا يراعو اخلاقيات المهنة.

كيف تساعد النقابة الصحافيين اليمنيين في مواجهة ظروف الحرب القاسية؟!

نقابة الصحفيين تساعد الصحفيين بقدر الإمكان، وخصوصاً مع إغلاق مقرات النقابة وإيقاف مستحقاتهم من الدولة، والحرب التي تشن على النقابة وأعضاء مجلس النقابة، لكن نحن نقوم بالتواصل مع عدد من المنظمات الدولية لتقديم مساعدة إما للجرحى أو لبعض الحالات الطارئة وفق اشتراطات خاصة من تلك المنظمات وأيضاً من الاتحاد الدولي للصحفيين، ولكنها ليست بالشكل الكافي، خاصةً وأن المتضررين من الصحفيين نتيجة الحرب أعدادهم كبيرة جداً، والأضرار تفوق إمكانيات النقابة بكثير، في ظل حالة الشتات التي مرت بها النقابة ومر بها الوسط الصحفي.

ما أهمية بقاء النقابة إذا لم تكن قادرة على مساعدة الصحافيين في الحفاظ على استقلاليتهم وحريتهم وتوفير الفرص الوظيفية لاستمرار دورهم المهني بعيداً عن الاستقطابات؟

بقاء النقابة هو حائط الصد للكثير من الجماعات التي تتربص بتمزيق الوسط الصحفي، وإعادته إلى كيانات متعددة، ومحاولة اختراق واصدار قوانين تخص العمل الصحفي تكون سالبة للحريات، نقابة الصحفيين دورها مهم في التماسك الحاصل في الوسط الصحفي، وربما هي النقابة الوحيدة التي لا تزال موحدة ومتماسكة برغم الضربات التي تعرضت لها أثناء الحرب، وأيضاً هي صوت جميع الصحفيين من أي اتجاه ومكان داخل الوطن وخارجه وهي دليل وحدتهم والتماسك الحاصل بالوسط الصحفي رغم كل الضربات التي تتعرض لها.

لماذا لا تقوم النقابة ببناء شراكة مع الهيئات الدولية لدعم مشاريع صحافية توفر فرص عمل للصحافيين المهنيين، وتغطي حاجة الجمهور لإعلام مستقل ينشد الحقيقة خارج حسابات الجماعات المتصارعة؟!

لدى النقابة عدد من الشراكات مع الاتحاد الدولي، وهناك صعوبة كبيرة في العمل مع المنظمات الدولية خاصة في حالة الحرب، والمنظمات الدولية لا تستطيع الوصول إلى اليمن والقيام بأنشطة ومشاريع، كان لدينا الكثير من الأنشطة والفعاليات والشراكات قبل الحرب لكن الأن توقفت، بالإضافة إلى صعوبات التحولات المالية او انعدامها إلى اليمن بسبب الحرب، وبسبب القوانين المشددة على آلية تحويل الأموال وبالتالي هناك صعوبة كبيرة، ومع ذلك نحن نقوم بعدد من الفعاليات.
فيما يخص السلامة المهنية وبما يخص التغطية الإعلامية أثناء الصراعات والنزاعات، واللقاءات الصحفية، بقدر الإمكان، المنظمات تجد صعوبة بالوصول إلى اليمن، وهي تركز على البلدان الأكثر استقراراً بينما البلدان الخطيرة يصبح مسألة الدفاع عن الحريات فيها هي الأولوية قبل أي مشاريع أخرى.
أضف إلى ذلك أن عدد الصحفيين المتضررين في اليمن كبير، وبالتالي لا يمكن حصرهم وهناك عدد كبير من الصحفيين في الداخل والخارج مشردين وبدون رواتب، وهذه كارثة تتحملها الحكومة الشرعية لأنها رفضت دفع رواتب الصحفيين منذ خمس سنوات.

لماذا لا تتبنى النقابة برامج تدريبية لإعادة تأهيل الصحافيين في المهارات الإعلامية والسلامة المهنية وترسيخ القيم والأخلاقيات المهنية لدى الصحفيين؟

الكارثة التي حصلت للصحافة اليمنية هي أشبه بزلزال أدى إلى انهيار القيم الصحفية والاخلاقية والمهنية بسبب الدخلاء على المهنة، وانحراف مسار العملية الصحفية والرسالة الصحفية وتحولها إلى منابر للحرب أكثر من كونها منابر للسلام.
النقابة تبذل جهداً في إعادة مفاهيم العمل الصحفي من خلال إقامة ندوات لنبذ الكراهية والتطرف وغيرها وأيضاً إعادة القيم المهنية، لكن الحرب كارثة أكبر من أن تتحملها النقابة، وهي كارثة على مستوى اليمن بشكل عام، دمرت الكثير من المفاهيم والقيم الأخلاقية، في الحرب تعتبر الصحافة الهدف الرئيسي الأكبر لكل جماعة تسيطر على الأرض، حيث تريد أن تسيطر على الإعلام أيضاً، وتحوله من إعلام حكومي عام أو شعبي إلى إعلام خاص بها وإعلام حربي.

شارك