ساهمت الحرب الأهلية التي تشهدها اليمن منذ 2014، في تعزيز وعي الكثيرين من المهتمين بالشأن العام، وبينهم جمهور من المواطنين، وذلك تجاه دور وسائل الإعلام خلال الحرب القذرة والمقززة في البلاد، إذ شهد الوسط الإعلامي في اليمن طفرة غير مسبوق في عدد وسائل الإعلام وحجم التمويل التي تحظى به تلك الوسائل، والذي يأتي في الغالب من الخارج، ويتم توفيره من قبل القوى الإقليمية لمنصات إعلامية تديرها تيارات سياسية تابعة لها أو موالية لها، بهدف إقناع الرأي العام بقبول أجندة الدول الممولة والخضوع لها، بالمقابل تبرز صورةً مأساوية للإعلام اليمني المستقل، فمئات الصحف أغلقت واختفت، وانقطعت عشرات المنابر الصحفية والإعلامية بسبب الحرب، بصورة مباشرة عبر الإغلاق والمنع من قبل أطراف النزاع، أو بصورة غير مباشرة من خلال الدمار الاقتصادي والانفلات الأمني وانهيار الدولة ومعها انهيار منظومة القيم العُرفية في المجتمع، التي كانت قد حققت تقدما في الاستجابة للتأثير وسائل المجتمع المدني المعاصر، وأبرزها وسائل الإعلام.
الصورة المعقدة لواقع الإعلام اليمني تجعل من الصعب تفسيرها بسهولة، كما أن مقاربتها مسألة صعبة إلى حد ما. من ناحية، يساهم الإعلام بشكل فعال في تفاصيل الحرب في البلاد، ومن ناحية أخرى، يعد الإعلام من أبرز ضحايا هذه الحرب المدمرة؛ سنحاول من خلال هذا الملف مقاربة الواقع الغريب الذي يعيشه الإعلام اليمني، وتسليط الضوء على بعض القضايا الإعلامية، وسرد تجارب بعض الصحفيين والإعلاميين خلال الحرب، واستطلاع آراء نخبة من خبراء الإعلام والمهتمين في هذا المجال، وتقديم صورة ولو مبسطة للانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون خلال الحرب…وسنسعى في هذا الملف إلى فتح نافذة نلقي من خلالها الضوء على قضية الإعلام اليمني في ظل الحرب سلباً وإيجاباً. على أمل أن توفر هذه النافذة الصغيرة فرصة لفتح باب النقاش في مختلف الأوساط الإعلامية والنقابية والأكاديمية والاجتماعية، وأن يأخذ هذا النقاش حقه من المداولات والإثراء الإيجابي للتوصل إلى تشخيص لمشكلات الإعلام اليمني بغية الوصول إلى توصيات بالمعالجات اللازمة، ربما يساهم ذلك في إضاءة الطريق للخروج بالواقع الإعلامي من المستنقع الموحل الذي أوقعته فيه الحرب وقوى النفوذ المتصارعة في عموم البلاد