كورونا في اليمن.. زحمة المقابر تفضح أرقام الضحايا

تحقيقات معمقة

تداعيات

 انعكست تداعيات الحرب التي تشهدها اليمن منذ ست سنوات، على إدارة القطاع الصحي لجائحة كوفيد-19، التي عصفت بالعالم مطلع هذا العام، وتسبب انقسام البلاد بين ثلاث قوى مختلفة، إلى مضاعفة المأساة الإنسانية في أوساط اليمنيين، خاصة بعد استثمار بعض الأطراف للجائحة، لتحميل الجهة الأخرى سبب انتشار فايروس كوفيد-19. قبل الإعلان عن اكتشاف أول حالة، كانت اليمن تعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم. الحرب دخلت عامها السادس، وانقسمت اليمن بين ثلاث قوى مدعومة من دول إقليمية؛ في العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة، فرضت جماعة الحوثي على تلك المناطق، لتكون بذلك سلطة الأمر الواقع المدعومة من إيران. في عدن، التي اعتبرتها الشرعية عاصمة مؤقتة، فرض ما يسمى بالمجلس الانتقالي سيطرته على المدينة، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما بقيت محافظات أخرى مثل شبوة ومأرب وأجزاء من محافظة تعز، تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، المدعومة من المملكة العربية السعودية، ويمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي. وخلال السنوات الأخيرة حاول القطاع الصحي بإمكانيات شحيحة مجابهة أمراض خطيرة مثل: الدفتيريا والملاريا والحمى الشوكية، وشلل الأطفال، مع تعثر حملات الرعاية الصحية والتحصين، وشهد اليمن المنكوب أكبر تفشي للكوليرا في العالم، إذ بلغ العدد التراكمي للإصابات:  2,188,503 بينها 3,750 حالة وفاة، من عام 2017 وحتى نهاية العام 2019. وفي ظل غياب سلطة مركزية تحكم اليمن، كانت الاستجابة على الصعيد الوطني لوباء “كوفيد-19″، غير ناجحة، بعدما أعلنت الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، عن اكتشاف أول إصابة بالفيروس، في 10أبريل/ نيسان 2020، في منطقة الشحر الساحلية بمحافظة حضرموت. وقد علق الطبيب سالم مرشد أخصائي في طب الباطنية، على ذلك بالقولإن انتشار “فيروس كورونا المستجد” بين السكان الضعفاء في اليمن هو البطاطا الساخنة التي لا يريد الحوثيون ولا حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التعامل معها. وأضاف: إن “الحكومتين تحجبان الأثر الحقيقي للفيروس في اليمن لإخفاء فشلهما في معالجة الأزمة”. “بينما تُقتل النساء والأطفال الأبرياء، يحصل قادة الميليشيات على معاملة كبار الشخصيات وأفضل وسائل الحماية”. 

أرقام تخالف الشواهد

أكدت الاختبارات وجود أكثر من 1745 حالة إصابة بفيروس كوفيد-19، في ثلاث محافظات هي: صنعاء، وعمران، وذمار، التي يسيطر عليها الحوثيون. من بين المصابين، نائب وزير الصحة. وأشار الطبيب أن عدد الوفيات يقترب من 600 شخص، بينهم حوالي 43 طبيباً، من أصل المصابين1745 

في ظل الأوضاع الصعبة التي تشهدها اليمن، ومع قلة عينات الفحص التي وفرتها الحكومة والمنظمات، والفوضى التي انتشرت في المستشفيات، يصعب قياس الانتشار الحقيقي للفيروس في البلاد، لتبقى الأرقام المعلن عنها مخالفة للشواهد التي يتتبعها التحقيق. حتى 23أغسطس/آب2020 ، بلغ عدد إصابات “كوفيد-19” 1911 حالة مؤكدة منها 553 حالة وفاة، وفقًا للجنة الطوارئ المتخصصة في مواجهة الفيروس باليمن، يعني هذا أن معدل الوفيات يصل إلى حوالى 27٪ من الإصابات، أي خمسة أضعاف المتوسط العالمي، وبهذه النسبة، تكون اليمن صاحبة أعلى معدل وفيات بسبب “كوفيد-19″، في العالم. شكل الرجال تقريبا 75٪ من الحالات المبلغ عنها، وهو جانب ملفت للنظر من توزيع الإصابات بالفيروس، وطبقا لتحليل البيانات لعدد 450 حالة وفاة من إجمالي عدد الوفيات، يتضح أن أولئك الذين ماتوا جراء الإصابة بالفيروس، بين الفئة العمرية (45-60) عام، واليمن بها واحدة من أدنى المستويات في متوسط العمر المتوقع في العالم، أقل من 4٪ من عدد السكان من يتجاوز أعمارهم أكثر من65، وفقا لتحليل بيانات 450حالة وفاة نشرت بياناتهم على صفحة ضحايا كورونا في اليمن، ومنهم 210 حالة وفاة في محافظة تعز حصل فريق التحقيق على بياناتهم من فريق الاستجابة السريعة، وهذا يعني بأن العدد الحقيقي لضحايا فايروس كورونا، أعلى من ذلك بكثير، وأن كبار السن الذين يموتون من الفيروس يموتون في منازلهم دون السعي إلى التداوي، وفقا لإفادة أكثر من 5 أطباء يعملون في مستشفيات مختلفة في تعز وصنعاء وعدن. التحديثات الوبائية الرسمية لمنظمة الصحة العالمية لليمن لا تشمل المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي التي تفرض سلطة الأمر الواقع، وترفض الإفصاح عن الأرقام الحقيقية لعدد المصابين بـ كوفيد-19، فضلا عن أعداد الوفيات. من 18مايو/أيار 2020، حتى أغسطس/آب2020 ، أبلغ الحوثيون عن أربع حالات فقط مصابة Covid-19، وعن حالة وفاة واحدة، ولكن أطباء ومصادر في المستشفيات يناقضون تلك الرواية الرسمية، ويؤكدون أن العدوى منتشر على نطاق واسع في مناطق سيطرة الجماعة المسلحة. أحد الأطباء، مستشار سابق في وزارة الصحة بصنعاء، قال إنه إلى يونيو/حزيران2020 ، وتؤكد تقارير صادرة عن اللجنة العليا للطوارئ لمواجهة كورونا، التابعة للحكومة اليمنية، عدم توفر الاختبارات في اليمن بشكل كافي حتى الآن، وتم إجراء 4855اختبارًا فقط في جميع أنحاء البلاد، بمعدل 162اختبارًا لكل مليون شخص من المواطنين. بينما تشير إفادة العاملين الصحيين من الذين قابلهم فريق التحقيق، إلى أن الكثير من الناس لا يلجأون إلى طلب الرعاية الصحية حتى تصل حالتهم إلى مرحلة حرجة، كما أن المخاوف المجتمعية الناجمة عن فيروس كورونا، ونقص الوصول للاختبار أو الرعاية الصحية لعبت دورا بارزًا في مسألة الوصول إلى العدد الفعلي للمصابين. من المهم الإشارة إلى أن بيانات الوفيات المعلنة لا تشمل أولئك الذين ماتوا من كوفيد-19، خارج المستشفيات، وبيانات الحالات بالطبع يستثني المصابين بـ كوفيد-19، الذين لم يسعوا للاختبار أو العلاج. 

خلاصة

بدأت حالات الوفاة تنتشر بشكل كبير، ارتفعت أسعار المقابر في صنعاء شمالي اليمن، وساهم رجال أعمال في حفر مقابر في المحافظات الجنوبية، ومع ذلك تكتمت الأطراف عن الأعداد الحقيقية للضحايا في مناطق سيطرة الحوثي التي يقطنها ثلثي سكان اليمن في الشمال؛ من غير الممكن الوصول إلى رقم حقيقي، حتى ما أعلنته السلطات الرسمية المتمثلة في الحكومة المعترف بها دولياً، قدمت أرقاما لا تتوافق مع ما يتم رصده على أرض الواقع. كما أن كمية الاختبارات وفحص الحالات حدث مع عدد قليل من المصابين أو المشتبه إصابتهم، علاوة على عزوف الكثير من المصابين عن الذهاب إلى المستشفيات بعد انعدام الثقة بسبب التعامل مع المصابين بشكل قاس في صنعاء، أو التشخيص الغامض في بداية انتشار الفايروس في عدن. إنكار تفشي المرض في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، وغياب سلطة واضحة في الجنوب المنقسم، ونقص المساعدات في كل مكان، أعاق أي أمل في الحد من انتشار الفيروس، مما ترك العاملين في مجال الرعاية الصحية، يواجهون الوباء بوضع مرتبك، جعل منهم ضحايا للفايروس نفسه. مات كثيرون بسبب كوفيد-19، ولم يُسجل الضحايا ضمن الأرقام الرسمية، لسببين:

الأول: صعوبة التشخيص. في عدن على سبيل المثال، في بداية تفشي الجائحة، كان الناس يموتون بشكل مرعب، فيتم تفسير السبب “بالأمراض المدارية” التي جاءت بسبب السيول والبعوض. مئات الوفيات لم يدخلوا ضمن الرقم الرسمي الذي تظهره الحكومة لوفيات كوفيد-19.

الثاني: التكتيم على الوضع الصحي في مناطق سيطرة الحوثي. في صنعاء، كان المواطنون يموتون من صعوبة التنفس، بينما تقول جماعة الحوثي عبر قياداتها بتصريحات غير رسمية، أن ما يجري سببه “إلتهاب رئوي حاد”، وحين بدأ الموت يتفشى بشكل ملحوظ سعى الحوثيون، إلى إخفاء مدى انتشار كوفيد-19، عن طريق التهديد بالقبض على الأطباء والصحفيين أو قتلهم إذا أفصحوا عن الأرقام الحقيقية، كما قام الحوثيون بأخذ المشتبه إصابتهم بفايروس كوفيد-19، بقوة السلاح، ولم يسمحوا لأهاليهم بمرافقتهم خلال فترة المرض، كما لم يسمحوا لأسر المتوفين بالمشاركة في مراسيم الدفن علاوة على تحفظ الجماعة الحوثية على أماكن قبور المتوفين وحجبها عن أسرهم. وقد ولد الوضع الذي فرضه الحوثيون، شائعات بأن المرضى يُقتلون في المستشفيات، من خلال حقنهم بحقنة أطلق عليها محليا “إبرة الرحمة”، مما دفع العديد من اليمنيين إلى العزوف عن العلاج في المستشفيات. ومع ذلك، عندما لم يعد بإمكانهم إلا زيارة المستشفى، يتم رفضهم بسبب نقص الأسرة ومعدات الحماية والإمدادات الطبية.

الوضع بشكل عام، يرمي بثقله على اليمنيين البسطاء، يعمق من آلامهم، يجعلهم ضحايا لأطراف مريضة لم تستطع مواجهة جائحة كوفيد-19.

فتتبعت مؤسسة فري ميديا، مأساة اليمنيين مع كورنا، من خلال هذا التحقيق، المكون من ثلاثة أجزاء، والذي يظهر فداحة الكارثة التي حلت باليمنيين الذين ماتوا جراء الإصابة بالفيروس قبل الإعلان الرسمي وبعده في العاصمة المؤقتة عدن، كما يظهر كيف تمكنت جماعة الحوثي من إحكام سيطرتها على القطاع الصحي ودفن الموتى الذي ظهرت عليهم أعراض الفيروس دون علم أسرهم، وكيف قدم الجميع أرقاما لا تتوافق مع الحقائق التي دُفنت في بطن الأرض. تناول التحقيق واقع جائحة كوفيد-19، في ثلاث محافظات مختلفة، نظرا لانقسام اليمن على ثلاثة أطراف، لتعميق مأساة الشعب الذي يعيش حرباً بلا هوادة ويواجه جائحة عالمية بلا أطراف.

كورونا في اليمن: تعز.. الاختناق بالوعود!
وقفة احتجاجية للكادر العامل في مركز العزل في تعز للمطالبة بمستحقاتهم المالية (فيسبوك)

حسب الإعلان الرسمي في تعز: 1مايو/أيار 2020تاريخ اكتشاف أول حالة، وإلى 12 أغسطس/آب 2020، وصل عدد المصابين 851 منهم 206 حالة وفاة.

هناء سعيد، 40عاماً، ظلت في شرفة منزلها ثلاث ليالٍ متتابعة؛ من أجل مقاومة صعوبة التنفس الذي تعاني منه منذ التاسع من يونيو/حزيران2020. بدا على وجهها الإرهاق، لم تكن تنام ولا تستطيع أن تمتد على ظهرها، حالة الاختناق تزداد كلما حاولت ذلك. كافة المستشفيات لا تستقبل الحالات المشتبه بإصابتها بوباء فايروس Covid-19، ومراكز العزل المخصصة لاستقبال مثل هذه الحالات غير مجهزة، دخولها يعني الموت كما كانت تعتقد، وبين11 –14 يونيو/حزيران 2020، بدأت هناء تشعر بالاختناق وصعوبة التنفس، إضافة إلى جفاف الحلق، عانت من الصداع لمدة يومين متتاليين. في وقت لاحق، شعرت بتضخم الغدد الليمفاوية، كانت آلام الحلق متواصلة طيلة اليوم، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن ما أحست به هناء يعد من أعراض كوفيد-19. مستشفيات مدينة تعز، كانت بالفعل مقفلة خوفاً من Covid-19، لم ترغب هناء أن تطلب من ولدها أن يرافقها إلى المستشفى الجمهوري حيث مركز العزل الصحي، المخصص لاستقبال الحالات المشتبه إصابتها بفيروس كوفيد-19، لم تكن تخشى من العدوى، لم ترغب بذلك لأنها لا تثق بالأداء الطبي للجهات الصحية الحكومية التي لا تمتلك الحد الأدنى من امكانيات مواجهة الوباء. قررت هناء في اليوم الرابع من المرض الاتصال بطبيب العائلة، كان الطبيب نفسه قلقا من زيارتها فى البيت، فاتفقا على اللقاء في أحد شوارع المدينة، ومن المقرر أيضا، أن يأتي إلى المكان نفسه مسؤول لجنة الاستجابة السريعة الذي اتصل به ابنها، جلست المريضة مع ولدها على الرصيف في شارع المرور غربي المدينة، وهي في حالة قلق تنتظر طبيب الأسرة ومسؤول فريق الاستجابة العاجلة لمواجهة كوفيد-19. وصل الطبيب وفحص حالتها في سيارته، وطلب منها القيام بعمل أشعة للصدر والأنف والحلق، أعطاها عدة أصناف من الأدوية، ثم انتظرت 4ساعات قبل أن يأتي موظف لجنة الاستجابة السريعة إليها لأخذ مسحة من داخل أنفها، عند الساعة30 :12 مساءً. عرفت هناء من قراءة الأخبار أن نتائج اختبار كوفيد-19، تستغرق عادةً من 24 إلى 48 ساعة ليتم إصدارها. سألت متى ستأتي نتائجها. قال لها المختص: أسبوع على الأقل. لم تستطع هناء سوى أن تهز رأسها. «قالوا لي إنهم لا يستطيعون الوعد بأن أحصل على نتائجي على الفور لأن حالتي خفيفة. بالطبع يجب عليهم إعطاء الأولوية للحالات الخطرة والحرجة، أفهم ذلك، لكن ذلك يزيد من قلق شخص مثلي ظهرت عليه جميع أعراض كورونا بالفعل».

 بعد 8 أيام من أخذ العينة، كانت نتيجة الفحص سلبية، ورغم ذلك، وبعد اطلاع فريق التحقيق على قاعدة بيانات حالات كوفيد-19، في تعز، فإن البيانات الخاصة بهناء، تشير أن حالتها إيجابية، ما يعني أن هناك تلاعبا في البيانات وعدم تدقيق في فحص الحالات.

عجر في الفحص

هناء ليست وحدها. في جميع أنحاء محافظة تعز، ينتظر الناس في عذاب لمعرفة ما إذا كانوا مصابين بالفيروس أم لا، جرى رفض العديد من الأفراد الذين تظهر عليهم الأعراض الخفيفة، لأنه لا يوجد في المدينة غير مركز واحد مخصص لاستقبال حالات كوفيد-19، وبسبب محدودية المسحات المخبرية أيضاً. الأسوأ من ذلك، أن آخرين يموتون قبل وقت طويل من تأكدهم أن Covid-19 هو سبب الوفاة. هناك من ماتوا في منازلهم بسبب عدم وجود مراكز عزل مجهزة بالمعدات الطبية الكافية، ولم يكونوا قادرين على الذهاب إلى المستشفيات الخاصة، أو استدعاء طبيب للمنزل. قالت هناء:

«أنا حزينة للغاية على الأشخاص الذين لا يملكون المال. كنت محظوظة للغاية لأن لدي القدرة على مواجهة المرض وشراء كل تلك الأدوية التي وصلت تكلفتها إلى مائة وعشرون ألف ريال، (ما يعادل 150 دولار أمريكي)» أخذت نفساً عميقا وأردفت: «أكثر الناس بدون مساعدة».

 أما محمد علي، فقد نقل والده البالغ من العمر 56عاما إلى ممر غرفة الطوارئ في منشأة طبية تابعة للحكومة في مديرية المسراخ جنوبي محافظة تعز، في 19مايو/أيار2020، بدأ يعاني من صعوبة في التنفس، وحمى متقطعة لأكثر من أسبوعين، وفي النهاية أصيب بالالتهاب الرئوي. كان يعاني أيضا من ارتفاع ضغط الدم، مما يجعل أعراضه الحادة بفيروس كورونا، مقلقة أكثر لعائلته، رفض المستشفى الريفي استقبال حالته ما اضطر محمد نقل والده إلى المدينة، لم يكن يعرف ما إذا كان والده مصابًا بالفيروس التاجي أم لا. في 20مايو/أيار2020، دخل عبدالله عيادة خاصة في شارع جمال وسط المدينة، قام بإجراء فحص الدم والأشعة السينية، وبعد ذلك تم إرسال النتائج إلى المنزل. قال محمد أن الطبيب نصحه بالتواصل مع مكتب وزارة الصحة في تعز لإبلاغه بحالة والده. عمل محمد بالنصيحة بالفعل، وبعد البلاغ بيومين، أي في 22مايو/أيار، جاء فريق الاستجابة السريعة ليأخذ مسحات من عبدالله لإجراء فحص كوفيد-19. تم إخبار محمد بأن نتيجة الفحص لن تأتي إلا بعد 3 إلى 5أيام. لم تتحسن حالة عبدالله، ولم يعد بإمكانه التنفس بشكل صحيح، والنتائج لم تظهر. اتصل محمد بمركز العزل الصحي في المستشفى الجمهوري في مدينة تعز، متسائلاً عما إذا كان هناك سريرا لاستيعاب والده. كانت الإجابة: لا. بعد ثلاثة أيام جرى نقل عبدالله لأول مرة إلى مركز العزل الصحي في المستشفى الجمهوري، المركز الذي خُصص للمشتبه إصابتهم بـ كورونا، كانت غرفة العزل عادية، وبها 3 مصابين آخرين، الأعراض التي تظهر عليهم، تبدو أخطر من الأعراض الظاهرة على والده. صاروا أربعة في غرفة واحدة، عرف محمد أن المستشفى ليس لديه خيار آخر. لكن والده مات، بسبب انشغال جميع أجهزة التنفس الاصطناعي، ولا يتوفر جهازا لإنقاذ عبدالله. رئيس مركز العزل في المستشفى الجمهوري، الدكتور مختار المليكي، قال:

إن المركز في البداية واجه مشكلة كبيرة في موضوع الأدوية وأن المرضى كانوا يدخلون فيما أسماه “حالات فشل تنفسي” نتيجة عدم توفر بعض الأدوية والمستلزمات. وأضاف: «للأسف كنا مضطرين أن نستعين بأهل المرضى من أجل الحصول على هذه الأدوية من السوق، ومع ذلك كان الحصول عليها صعباً.

 في 13أبريل/نيسان 2020، صدر تكليفاً إدارياً من محافظ محافظة تعز رئيس السلطة المحلية، قضى بتعيين مدير جديد لمكتب الصحة في المحافظة. راجح المليكي، هو المدير، الذي تزامن تعيينه في هذا المنصب مع بداية جائحة كورونا، عقد الرجل أول مؤتمر صحفي له وتحدث عن الجائحة في المحافظة، قال: «إن محافظة مثل تعز يمثل سكانها خُمس سكان الجمهورية اليمنية، ويمثل سكانها خمسين بالمئة من سكان المناطق الواقعة تحت حكم الشرعية، وعلى ذلك تم اتخاذ القرار من قبلي بعد موافقة وزير الصحة والسكان الدكتور ناصر باعوم، وبعد موافقة قيادة السلطة المحلية، وبعد العرض على منظمة الصحة العالمية، على اختيار المستشفى الجمهوري كمركز عزل علاجي، وتم اختيار مستشفى خليفة جنوبي المحافظة». أضاف المليكي: «منظمة الصحة العالمية اختارت مركزين في تعز، والثالث في الساحل الغربي، وتواجه هذا الأخير اشكالية لأنه تم اختيار موقع في مديرية “ذو باب” لا تنطبق عليه المعايير ولا المواصفات من حيث الكادر ولا حتى سلامة المكان كونه مكان زراعة ألغام». بحسب ما أشار إليه راجح المليكي، فإن هذه المراكز التي جرى تحديدها كمراكز عزل، ستتلقى الدعم من منظمة الصحة العالمية، ومن إمكانيات وزارة الصحة ايضا، كما سيتم حشد الدعم لها من المنظمات. تحدث المليكي عن وجود خطة لدى مكتب الصحة لعمل مراكز عزل علاجية رديفة، في المنفذ الوحيد لمحافظة تعز عبر التربة ومناطق الحجرية جنوبا، وأشار إلى تجهيز أكثر من مركز عزل علاجي في المحافظة، لكن وفقاً لثلاثة مصادر في مكتب الصحة، فإن ذلك لم يحدث ولم يتم تنفيذ الخطة التي تحدث عنها مدير مكتب الصحة. أشار راجح، إلى توفر مراكز حجز، منها مركز الحجر في فندق الحرمين على خط الضباب جنوب غرب المدينة، والذي قال عنه: «لا بأس به؛ رغم أنه لم يخضع للمعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة» وأكد:

لدينا خطة لبناء أماكن للحجر، وبدأنا العمل على انشاء خمسة منها في محافظة تعز، ووضعت الرؤية عبر مكتب الصحة، لكن في الواقع لم يتم بناء أي محاجر عزل ولا يتوفر غير مركز فندق الحرمين، وهو غير خاضع لمعايير منظمة الصحة العالمية.

مشكلة الكادر الطبي

راجح المليكي، قال بأن الحرب أدت إلى تدمير القطاع الصحي في محافظة تعز، إضافة إلى أن حوالي 49% من أخصائيين في محافظة تعز، نزحوا إلى المحافظات المجاورة ودول الخليج، كما نزح 35% من اطباء العموم، إضافة إلى 34% من الكادر التمريضي المؤهل غادروا تعز أيضاً، لكن راجح قال بأن البعض ممن تحسن وضعه عادوا إلى المدينة ويعملون في المنشآت الخاصة، وتركوا العمل في القطاع العام. وطالب مدير مكتب الصحة، الكادر الطبي الذي يعمل في القطاع العام أصلاً لكنهم آثروا العمل في القطاع الخاص، بسرعة العودة والعمل في المنشآت الحكومية، ونوه مدير مكتب الصحة، أن المكتب [

سيضطر لتطبيق نظام الخدمة المدنية «الإحلال» إذا لم يعودوا؛ لكن لم يحدث شيئا من ذلك، فالأوضاع مستمرة كما هي عليه، لا الكادر الطبي الذي يعمل في القطاع الخاص عاد للعمل في المستشفيات الحكومية، ولا مكتب الصحة نفذ وعوده في استخدام القانون واستبدال المتخلفين.

 وقال راجح، أن الدعم المقدم لمكتب الصحة من المنظمات ومن وزارة الصحة، هو 11 جهاز تنفس اصطناعي في كل المستشفيات الحكومية، و4-3 أسرة عناية مركزة في المستشفيات الخاصة، وأشار بأن حجم الدعم المقدم من منظمة الصحة العالمية، التي يفترض أن تدير القطاع الصحي في بلد يعاني من الوباء وموضوع تحت البند السابع من قبل مجلس الأمن الدولي حد قوله، تمثل بجهازين تنفس صناعي وتسعة أسرة عناية مركزة، وجهاز تخطيط قلب، وجهاز صدمات قلبية وتقريبا كمامات لا تلبي لفريق الاستجابة المستعجلة لمديرية واحدة. وصرح مدير مكتب الصحة، راجح المليكي:قمنا بتجهيز مركز العزل في مستشفى الجمهوري، مكون من تسعة أسرة عناية مركزة، وستين سرير رقود عادية، إضافة إلى تفعيل جهازي التنفس الصناعي الذي تلقيناهم من منظمة الصحة العالمية، بجانب جهازين تنفس صناعي شغالين في مستشفى الجمهوري، هذا ما تم تجهيزه في مركز العزل وأكد: تم اتخاذ الاجراءات، حفاظا على المجتمع، وليس لدينا المقدرة لعلاج كل الحالات التي أصيبت.

مركز عزل وحيد

في منتصف ابريل/نيسان2020، بدأ الدكتور مختار المليكي، مع فريق من الاطباء والممرضين طوعيا في تأسيس وانشاء مركز العزل في مستشفى الجمهوري. ذكر المليكي في مقابلة مع فريق التحقيق، أن المركز حالياً لديه امكانيات بسيطة تتمثل بعدد 8أسرة عناية مركزة، و20 سرير رقود عادي، وقال: وصلنا الى هذا الرقم بعد جهد بذل خلال مايو/أيار ويونيو/حزيران 2020 ، ولم يكن يتوفر أية مستلزمات أو أجهزة التي من المفترض أنها تقدم لمرضى كورونا. وأضاف رئيس مركز العزل: 

«منظمة الصحة العالمية تعاملت أو افترضت أنه لدينا مؤسسات صحية، لكن الحقيقة أن اليمن وتعز على وجه الخصوص، المؤسسة الصحية فيها شبه غائبة. نستطيع أن نقول إنه لا يوجد مؤسسة صحية قادرة على أن يبنى عليها أو استخدامها من أجل التعامل مع مرضى كوفيد-19».

 وبسبب عدم توفر الدعم الكافي في مركز العزل الوحيد في المدينة، واجه الكادر الصحي في المركز مشكلة يصفها رئيس المركز مختار المليكي بالكبيرة، وهي موضوع عدم توفر الأدوية التي يجب أن تعطى لمرضى كوفيد-19، وذكر أن المرضى كانوا يدخلوا بحالات فشل تنفسي. في الآونة الأخيرة، تمكن المركز من تأسيس صيدليتين، الأولى تابعة لمكتب الصحة توفر كميه لا بأس بها من الأدوية، والثانية صيدلية تطوعية من إحدى المؤسسات وتوفر الأدوية المنعدمة. وقد فرضت الإمكانيات الشحيحة، السماح للمرضى باجتياز البروتوكول العلاجي كوفيد-19، فالبروتوكول لا يسمح بخروج المريض من مركز العزل حتى الشفاء أو الموت، لكن في مركز العزل في المستشفى الجمهوري بتعز، لم يكن الأمر كذلك، هناك حالات خرجت برغبة المريض كما أكد رئيس المركز: «هناك حالات خرجت برغبة المريض.. لم تخرج برغبة المركز، وهذا شيء غير ممكن أن يطبق، لكن لظروف الوضع، هناك من يصل إلى مرحلة تحسن معينة، ونقوم بتسجيله، أنه تم تحويله إلى وحدة أخرى على حسب رغبة المريض». وأوضح المليكي

ظهور اضطرابات ذهانيه ونفسية عند بعض مرضى كوفيد-19، ومثل هذا المريض صار من الخطر عليه وعلى المرضى الآخرين أن يجلس داخل المركز، لذا يتم تحويله. 

تحليل البيانات يكشف الاختلالات

من خلال تحليل بيانات كوفيد-19، في محافظة تعز اليمنية، والتي حصل عليها فريق التحقيق من لجنة الاستجابة السريعة في تعز، اتضح أن مراكز العزل واجهت صعوبة في التعامل مع 535حالة تعاني من صعوبة في التنفس، بينها 68 توفيت وكانت بحاجة بالفعل إلى أجهزة التنفس الاصطناعي، دون أن تحصل فرصة لإنقاذها. ووصل عدد حالات المشتبه إصابتها كوفيد-19، في تعز 851 حالة منها 206وفاة من الحالات المشتبهة، و80 حالة وفاة بين الحالات المؤكدة مخبريا. أي أن حالة الوفاة من بين الإصابة المشتبه تفوق حالات الوفاة من الحالات المؤكدة. ورغم أنه تم رصد نحو 270 مليون ريال يمني لمواجهة وباء كورونا، في تعز، وفقا لمصادر مطلعة، إلا أن رئيس مركز العزل ورئيس لجنة الاستجابة السريعة السابق، وعدد من العاملين في مواجهة كورونا، أكدوا عدم صرف مستحقاتهم وعدم توفر الدعم لمواجهة الوباء، كما أنه من خلال تحليل بيانات كوفيد-19، في محافظة تعز اليمنية، والتي حصل عليها فريق التحقيق من لجنة الاستجابة السريعة في تعز، اتضح وجود الكثير من الاختلالات في أداء وعمل الجهات المختصة في التعامل مع الوباء تتمثل بالتالي:

  • 63% من الحالات تم تشخيصها سريريا حتى في الفترة التي توفرت فيها المسحات والمحاليل المخبرية لدى مختبرات الصحة العامة في المحافظة، معظم الحالات تم تشخيصها.
  •  عند مقارنة الحالات المشتبهة والحالات التي تم تشخيصها سريريا وتوزيع الحالات السريرية على عدد الأسابيع التي ظهر فيها خصوصا الأسابيع الأخيرة، نجد أن الحالات تكاد تكون متطابقة في العدد، بمعنى أنه تم الاعتماد الكلي على الفحص السريري في الآونة الأخيرة رغم توفر التشخيص التأكيدي.
  • عدد الحالات التي لم تدخل مراكز العزل لا تتطابق مع عدد الحالات المعزولة منزليا.
  • عدد الوفيات من الحالات المشتبه إصابتها كوفيد-19، أكبر من عدد الوفيات من الحالات المؤكدة مخبريا.
  • نقص في بيانات القائمة الخطية من حيث؛ العمر، العنوان، التصنيف النهائي للحالة، تاريخ بدء الأعراض، وكذلك وجود تعارض في البيانات، وهذا يبين خلل كبير في أداء فرق الاستجابة في الميدان، وكذلك خلل في عمل المشرفين في المحافظة المكلفين في المتابعة والتدقيق في البيانات وإعداد القائمة الخطية.
  •  ارتفاع عدد الحالات في مديريات المدينة وانعدام البلاغ في معظم المديريات الريفية.

مكتب الصحة يتجاهل

في برقية رسمية رقم (656) مؤرخة بتاريخ 24 يوليو/تموز 2020، وجهتها الدكتورة إيلان عبدالحق وكيل شؤون الصحة في محافظة تعز، عبر إدارة عمليات السلطة المحلية في تعز، إلى مدير عام مكتب الصحة الدكتور راجح المليكي، تسأله فيها: “عن الأسباب التي أدت إلى تدني مستوى الإبلاغ عن حالة كوفيد-19، في الأسابيع الأخيرة، ولماذا لم يتم إبلاغ لجنة الطوارئ بمعدل وأسباب التدني. ارتفاع معدل الوفيات لحالات Covid-19، في الأسابيع الأخيرة مقارنة بمستوى الإبلاغ. زيادة رقيمة في معدل الحالات المشتبه لـ كوفيد-19 رغم توفر المسحات بكميات كبيرة في المختبر المركزي، لماذا الحالات مشتبهة ومسحات التأكيد متوفرة”. وفي 29 يوليو/تموز 2020، عقبت بمذكرة ثانية تسأل عن أسباب توقف إدارة الترصد الوبائي عن رفع بلاغات كوفيد-19، إلى لجنة الطوارئ. وطلبت منه موافاتها بتقرير فني مكتمل. لكن مدير مكتب الصحة تجاهل ذلك ولم يفعل. وقال منير الحميدي، رئيس لجنة الاستجابة السريعة في مديرية المظفر في مدينة تعز، إن انحسار الوباء بشكل مفاجئ لم نجد له تفسيرا علميا، بسبب عدم رد مكتب الصحة رغم البرقيات المتكررة من لجنة الطوارىء. وأوضح في تصريح لـ “فري ميديا FREE MEDIA” أن الزيادة الرقمية في اعداد الحالات المشتبهة برغم توفر المسحات خلال الأشهر الأخيرة تجعل الأمر محل استغراب من عدم أخذ مسحات من تلك الحالات ولو بعد حين.

ماذا عن الأموال

وفي 18 أغسطس/آب2020، بعثت المسؤولة الأولى عن الشؤون الصحية في تعز، بمذكرة رقم (112)، إلى مدير عام الصحة طلبت منه بسرعة الرفع إليها بتقرير مفصل يتضمن حجم المبالغ التي تم استلامها من وزارة المالية في محافظة عدن، وآلية استخدام وصرف تلك المبالغ، مع نسخة من الوثائق المؤيدة لعملية الصرف. لكن مدير مكتب الصحة رفض الرد عن ذلك واعتبر ذلك استهداف له، وعقد جلسة مغلقة مع مدير مكتب محافظ تعز علي قاسم والدكتورة إيلان، في مكتبها؛ تزامن الجلسة مع وجودنا في مكتب وكيلة شؤون الصحة، انتهت الجلسة المغلقة ربما بطلب إيلان بالكف عن ارسال مذكرات تتعلق بالجانب المالي. رفض مكتب الصحة التعليق لفريق فري ميديا “FREE MEDIA ” عن الجانب المالي.

كورون في اليمن: عدن.. الأوبئة تتحالف على المدينة

تصوير |حمزة الجبيحي   مونتاج | صلاح طاهر

كورون في اليمن: عدن.. الأوبئة تتحالف على المدينة

حسب الإعلان الرسمي للجنة الطوارئ في عدن: منذ 28أبريل/نيسان2020 حتى التاسع من سبتمبر/أيلول 2020 عدد المصابين بفيروس كوفيد-19، 279 عدد الوفيات 34 حالة.

في العاشر من يونيو/حزيران2020، حاول عوض سليمان (33عاما) البحث لشقيقه مروان (37عاما) عن سرير في أحد مستشفيات مدينة عدن التي اتخذتها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة لها. تَنقّل عوض بين عدة مستشفيات، لكن دون جدوى، بعضها كان مغلقاً وبعضها الآخر رفض استقبال أخيه لعدم توفر أسرّة أو لعدم وجود كوادر طبية. كان هناك مستشفيات تخشى استقبال المريض، إذا ما بدت عليه أعراض فيروس كوفيد-19. لم يكن أمام عوض سوى العودة إلى العزل الصحي في مستشفى الأمل الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود، ومكث فيه 8 أيام. يقول عوض: 

«يتواجد في العزل الصحي طبيب واحد فقط، وعدد من الممرضين. بقِيَت حالة أخي غير مستقرة، وبعد مناشدات عبر صفحتي على فيسبوك، وصلت إلى فرق الترصد الوبائي التابع لوزارة الصحة، وأُخذت عيّنة منه، وأخبرونا أنه خلال 24ساعة سنبلغكم بالنتيجة، لكن أخي توفي، قبل أن تظهر النتيجة». 

 تفاصيل 36 يوما مرعباً في عدن 

 مع جائحة كوفيد-19، في اليمن، كان الدكتور عمار درويش،( 32عامًا)، يوثق الخسائر في مجتمعه المحلي من خلال عمله في تقديم الخدمات والاستشارات الطبية مجانا. يعيش عمار في مدينة عدن جنوب اليمن، في الأشهر الأولى من الصراع عمل على علاج مرضى الصدمات من ضحايا الحرب المستمرة منذ أكر من سته أعوام، بعد أن شهدت مدينة عدن معارك شرسة بين القوات الحكومية المعترف بها دوليا، وقوات جماعة الحوثي التي اقتحمت معظم محافظات اليمن في أواخر2014. الطبيب عمار درويش، سرد الوضع المرعب الذي عايشته عدن أثناء تفشي كوفيد-19، منذ إبريل/نيسان 2020، وكذلك ردة فعل الناس تجاه الجائحة. تواصلنا مع الطبيب عمار درويش، بغرض إجراء مقابلة مرتبطة بجائحة كوفيد-19، فأحالنا إلى المذكرات، التي كتبها، عن عشرات الحالات ليتجلى جانب من المأساة التي عاشتها مدينة عدن. حالة من الرعب والشك وعدم التصديق، ثم الموت والاستعانة بأصدقاء لحفر القبور وسط إمكانيات شحيحة، هذا ما يمكن تَلَمُّسه بشكل عام من خلال ما دونه درويش في مذكراته على امتداد شهر تقريباً، وتحديدا من 10رمضان، 3 مايو/أيار 2020، إلى منتصف شوال، 8 يونيو/حزيران2020 . وفي المذكرات التي ينشرها موقع المعهد اليمني لحرية الإعلام “IMF” كاملة (حصريا) باللغة العربية. قال درويش: «مات كثير من الناس في هذه المدينة (عدن)، ونجا آخرون وقالوا للموت: توقف. لا يزال لدينا حياة نعيشها». وبدأت قصة الطبيب بملاحظة أعراض كوفيد-19، على أخيه، وانتهت، حسب اليوميات، بموت عمه الطبيب. وقد كان درويش مترددا في تصديق المعلومات التي تنشر حول جائحة كوفيد-19، في البداية، وقال:

«أحد الأشياء التي جعلتني مترددًا في تصديق ما كان يحدث حول العالم هو أن معظم المعلومات المتعلقة بالمرض تأتي من الحكومات؛ فقدنا الثقة في الحكومات في اليمن منذ وقت طويل». 

بداية الإنكار.. لم يصل

كبير الأطباء في وحدة العناية المركزة في اليمن، ماضي مهدي عبدالقوي، 45عاما، هو الآخر دخل في غيبوبة ناجمة عن فيروس كورونا، غاب عن الوعي بالفعل. الخبراء لم يعتقدوا أن كوفيد-19، قد وصل إلى البلاد، لذا كان التشخيص في البداية بمرض المناطق المدارية “حمى الضنك” الذي انتشر عن طريق البعوض في إبريل/نيسان2020. مكث ماضي مهدي في المنزل يعاني من الحمى لمدة 10 أيام، حاول معالجة الأعراض من خلال تناول الباراسيتامول وبعض الأدوية، محاولاته لم تنجح فقرر الذهاب إلى المستشفى، عندما وصل، بدأ يعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي مثل السعال وضيق التنفس، وهما علامتان من علامات كوفيد-19وبعد تشخيص إصابته بـ كوفيد-19، بشكل صحيح، أمضى خمسة أيام هناك على الأكسجين قبل وضعه على جهاز التنفس الصناعي والتنبيب، وهو إجراء يتم فيه وضع أنبوب في القصبة الهوائية لمساعدة المرضى على التنفس. الدكتور ماضي مهدي، وهو رئيس وحدة العناية المركزة بمستشفى عدن الألماني الدولي، عمل بعد ذلك كمتطوع، ليساعد الناس أمام جائحة كوفيد-19قال ماضي: «بدأت حالتي تستقر، واستعدت وعيي. بدأت أتعرف على المكان وأصدقائي، كانت حالتي تتحسن، فعدت إلى العمل لأن الناس بحاجة إلينا». لم يتقاضَ أجراً من أي منظمة أو مستشفى، كما يؤكد، وقتها كان بعض الأطباء يخشون زيارة مرافق الحجر الصحي لعلاج مرضى كوفيد-19. كان الدكتور ماضي مهدي يرى بأن الظروف الحالية في اليمن تحتم العودة إلى العمل مهما كانت الظروف الشخصية. اجتاز الكادر الطبي مرحلة الخوف، يقول الدكتور: «بدءًا من نهاية يونيو/حزيران2020، بدأت المستشفيات توفر معدات الوقاية الشخصية مثل الأقنعة والبدلات الواقية، وبدأت في التعامل مع مرضى كوفيد-19، بسهولة، وقد بدأنا في التغلب على المرض». الدكتور مهدي تحدث عن “حالة الإنكار” الخطيرة التي كان يعيشها الناس في اليمن في بداية تفشي المرض، وأوضح: «لقد اعتدنا محاولة الاتصال باللجنة الوطنية لمراقبة المرض لكنهم أخبرونا مرارًا وتكرارًا أن الأعراض المنتشرة في عدن ليست أعراض فايروس كورونا، لذلك، لم نستخدم معدات الوقاية الشخصية لأننا اعتقدنا أن اليمن كان خاليًا من الفيروسات في ذلك الوقت. كان لدينا ثلاث أو أربع حالات مشتبه بها في المستشفى، لكن لم تكن هناك مجموعات اختبار». وأضاف: «لم يصدقوا أن الفيروس التاجي موجود على الإطلاق في اليمن، رغم أن الفيروس كان ينتشر بشكل كبير، وحالات الوفيات تتزايد، كان الناس في حالة إنكار في بداية التفشي». 

ارتباك رسمى

أعلنت الحكومة اليمنية عن أول خمس حالات إصابة بفيروس كورونا في محافظة عدن جنوبي البلاد، في 28أبريل/نيسان2020، فى الوقت الذي فرضت فيها جماعة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات، سلطتها كأمر واقع في المدينة. المواجهات بين جماعة الانتقالي والحكومة في زنجبار الواقعة في محافظة أبين المتاخمة لمدينة عدن، أدى فى البداية إلى غياب سلطة واضحة لإدارة الأزمة الصحية. 

خلال مايو/أيار 2020، وصل معدل الوفاة في اليوم الواحد إلى 70حالة وفاة كحد أدنى، وفقا لإفادة ثلاثة من الأطباء في مستشفيات عدن، وبلغ عدد من جرى دفنهم في مقبرة الرضوان في منطقة الممدارة في مديرية الشيخ عثمان، خلال مايو2020، ما يقارب من 1246 متوفى حسب إفادة ثلاثة من العاملين في المقبرة، فضلا عمن جرى دفنهم في مقابر أخرى. وحتى نهاية يونيو/حزيران بلغ عدد الوفيات في عدن وفقا للسجل المدني، 1833 شخص 

خبير الأوبئة الدكتور عبد الله بن غوث، أستاذ طب المجتمع في كلية الطب بجامعة حضرموت، قال لمؤسسة “فري ميديا FREE MEDIA” إن إجمالي عدد الوفيات خلال أول 16 يومًا من شهر يونيو/حزيران 2020، بلغ 484 مقارنة بـ 861 خلال 16يوما في مايو/أيار، بناءً على تصاريح الدفن من السلطة المدنية في مدينة عدن. ويلاحظ بن غوث أنه “مع حدوث 85٪ من الوفيات خارج المستشفيات، أصبح صعبا الصعب معرفة السبب الحقيقي للوفاة. إلا أن الزيادة (في الدفن) تزامنت مع تفشي كورونا في عدن. ويعتقد ثلاثة أطباء في عدن، أن معظم حالات الوفاة كانت بسبب كوفيد-19، كون حالة الفحص المخبري اقتصرت على الحالات المُبلغ عنها فقط، وكان الناس يفضلون الموت في منازلهم عن زيارة مراكز العزل العلاجي غير المجهزة. 

أعراض متشابهة وموارد محدودة

 وفي وقت واحد في عدن؛ انعدمت مياه الشرب النقية، وانتشرت حمى الضنك، وداء الشيكونغونيا؛ مثل ذلك تحديًا فريدًا في زمن كوفيج-19. كانت حمى الضنك تنتشر في المدينة وكذلك داء الشيكونغونيا، أعراض المرضين تشبه الأعراض ذاتها التي يسببها كوفيد-19، العاملون الصحيون، أفادوا أنه في أبريل/نيسان، ومايو/أيار 2020، أهمل الناس طلب الرعاية الطبية لأنهم أخطأوا في التّعرف على مرضهم، جرى التعامل مع ما يصيبهم على أنه حمى الضنك أو شيكونغونيا، وفي الواقع كانوا مصابين بـ كوفيد-19. قالت الدكتورة نهلة العرشي:

في البداية هناك أشخاص مصابون بـ كوفيد-19، تم تشخيصهم على أنها حمى الضنك أو أمراض الشيكونغونيا، وهو متوطن في عدن. والسبب هو كوفيد-19، ظهر في عدن في أبريل/نيسان2020، بعد أسبوع من الأمطار الغزيرة والفيضانات، إضافة إلى أن بعض أعراض كورونا، تشبه أعراض حمى الضنك والشيكونغونيا. وبعض المرضى لا يطلبون رعاية طبية إلا بعد أن يصلوا إلى مرحلة متقدمة من كوفيد-19، وهذا لعب كبير دور في انتشاره. 

وأغلقت معظم المستشفيات الخاصة والعامة أبوابها أمام مرضى “كورونا” المحتملين في عدن، مركز العزل بمستشفى الأمل الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود، هو الجهة الوحيدة التي مازالت تقبل المصابين، ازدحم مركز العزل العلاجي الذي تعمل فيه الطبيبة زها خالد بشكل كبير. كان على زها أن تصنع معجزات بموارد محدودة. كان العمل محبط للغاية بالنسبة لها، لأن الحرب دمرت البنية التحتية للقطاع الصحي في اليمن، عليها أن تكافح من أجل تخصيص سبعة أجهزة تهوية اصطناعية لـ 30 إلى 40 مريضاً يحتاجون للجهاز التنفسي، من خلال فرز المستشفيات كل يوم. في بعض الأحيان تكون الأرقام أعلى. تقول زها: «في بداية تفشي المرض كان إذا مرّت مدة 12 ساعة دون أن يموت مريض، يُحتسب يومًا جيدًا». كانت بعض الحالات المشتبه إصابتها، تصل فيجرى نقلها فورًا إلى وحدة العناية المركزة. البعض الآخر لديهم أعراض طفيفة ويتم إدخالهم إلى الجناح العام، واعادتهم إلى المنزل. زها أكدت: «من مسؤوليتي رعاية مرضاي بالرغم من ندرة المعدات» وأشارت الطبيبة بأن اليمنيين يئسوا من العثور على محترفين يمكن الوثوق بهم». وأضافت: «بعض المرضى لا يأتون إلينا، لأنهم يموتون في منازلهم».

كورونا في اليمن: صنعاء.. الموتى تحت السيطرة!

حسب إعلان جماعة الحوثي في صنعاء: في 18مايو/أيار 2020، عن أربع حالات فقط مصابة كوفيد-19، وعن حالة وفاة واحدة

«مصطفي مات، عظم الله لكم الأجر، لقد تم دفنه في وقت مبكر من صباح اليوم» استقبلت عبير 25عاما، في 25مايو/أيار2020، خبر وفاة شقيقها عبر مكالمة هاتفية من المستشفى. كانت فرق الاستجابة السريعة لمواجهة فيروس كورنا في العاصمة اليمنية صنعاء قد نقلت مصطفى إلى المستشفى، ولم تسمح جماعة الحوثي لأسرته بمرافقته خلال فترة مرضه، كما لم تسمح للأسرة بحضور مراسم الدفن. في صنعاء يتخوف أقارب المصابين بفايروس كوفيد-19، وكذلك العاملين في القطاع الصحي، ومسؤولي المساعدة الدولية، من ذكر أسمائهم كاملة في هذا التحقيق خشية تعرضهم لأعمال انتقامية من قبل سلطة الأمر الواقع، جماعة الحوثي.

عبير واحدة من كثيرين تحدثوا لفريق التحقيق، أكدت: «دفن الحوثيون ثلاثة من أقاربي توفوا بفيروس كوفيد-19، لم نعلم أين دفنوا وكيف؟ فقط تم ابلاغنا عبر الهاتف». 

ذكرت عبير تفاصيل أخذ شقيقها مصطفى بالقوة من الحجر المنزلي، قالت بأن الجيران أبلغوا فرق الاستجابة السريعة بحالة مصطفى دون أن يعرفوا. بعد ساعات جاء مجموعة من الأشخاص يرتدون ملابس واقية ويرافقهم عدد من المسلحين، حاولت الأسرة إنكار وجود مصابين في المنزل، إلا أن المسلحين وفريق الاستجابة دخلوا ووجدوا مصطفى ممتدا في الغرفة وبجانبه اسطوانة أكسجين كانت الأسرة قد اشترتها بغرض معالجة مصطفى في المنزل، تقول عبير: «أخذوه بالقوة، وتم نقله إلى المستشفى في 20مايو/أيار2020، ولم يسمح لنا بمرافقته أو معرفة إلى أي مرفق صحي سيستقر به الحال». في اليوم الخامس رن جرس الهاتف الخليوي الخاص بعبير، كانت قد دونته على استمارة خاصة ببيانات المريض عندما اخذوا شقيقها الأربعيني، قال المتصل من مركز العزل: «مصطفي مات، عظم الله لكم الأجر، لقد تم دفنه في وقت مبكر من صباح اليوم». إلى اليوم وأسرة مصطفى لم تتعرف على قبر ابنها، ولكن جماعة الحوثي وعدت بإبلاغ كافة أسر الضحايا بقبور موتاهم فور انتهاء جائحة كوفيد-19. أكدت عبير أيضًا أن أعراضاً خفيفة بدأت تظهر عليها، لكنها رفضت الذهاب إلى المستشفى أو مركز الحجر الصحي، قالت: «لن أذهب إلى أي مكان، حتى لو كان موفنبيك» في إشارة إلى الفندق الفخم الذي أغلقته الحرب، وحوله الحوثيون إلى منشأة للحجر الصحي أثناء بدء تفشي فايروس كورونا. بعدما حدث لمصطفى، لم يعد هناك ثقة بالتعامل مع فرق الاستجابة في صنعاء، بالنسبة لكثيرين يشبهون عبير، فشقيقها أخذه المسلحون بالقوة، ومات ولم يعرف له قبر.

رقابة مشددة

مصطفى ليس الوحيد الذي جرى دفنه دون مشاركة الأسرة، جماعة الحوثي فرضت هذه الاجراءات في صنعاء. كان المصابون بالفيروس التاجي كوفيد-19تحت سلطة رقابية مشددة من قبل الجماعة المسلحة. أكثر من 10أسر يمنية في مناطق سيطرة الحوثي، تواصل معها فريق التحقيق، أكدت إن فرق الاستجابة السريعة ومعها مسلحون أخذت أقاربهم الذين ظهرت عليهم أعراض كوفيد-19، لم يسمعوا عنهم مرة أخرى. كما لم تسمح سلطات الأمر الواقع لأفراد الأسر باستعادة جثث المتوفين أو إخبارهم بأماكن الدفن. وقال مسؤولو المساعدة الدولية لفريق التحقيق ـ اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم ـ إن مسؤولي الصحة في سلطات الحوثي يسيطرون بشكل صارم على اختبار الفيروس التاجي، ولا ينشرون النتائج إلا إذا كانت سلبية. وبحسب عدد من العاملين في القطاع الصحي بصنعاء، فقد جرى اعتقال أطباء وممرضات. كما رافق مسلحو الحوثي، الفرق الصحية إلى منازل الحالات المشتبه إصابتها كوفيد-19، وقاموا باعتقال المرضى تحت تهديد السلاح لنقلهم إلى مناطق العزل. وتعرض ما يقارب من 70% من الحالات المبلغ عنها في مناطق سيطرة الحوثيين، للتعامل بشكل قاس.

اعتقال الأرقام

 لم تفصح سلطة الأمر الواقع في صنعاء، جماعي الحوثي، عن عدد المصابين بفايروس كوفيد-19، رغم أن مايقارب ثلثي سكان البلاد يقطنون في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة المسلحة. ثلاثة مصادر طبية، أفادت أن المئات في صنعاء لقوا حتفهم بسبب كوفيد-19، ومع ارتفاع عدد الوفيات، امتلأت مقبرة خزيمة، إحدى أكبر المقابر في صنعاء، ولم تعد باستطاعتها استقبال الموتى حسب ما أعلنته عند مطلع يونيو/حزيران2020. كما قالت مصادر طبية لــ” فري ميدياFREE MEDIA ” إن مستشفيي زايد والكويت كانا ممتلئان بالمرضى والحالات تفوق الطاقة الاستيعابية.

 ازدحام المقابر بالموتى، أجبر بعض العوائل للبحث عن مقابر خاصة، قفز سعر القبر من  65ألف ريال «100 دولار أمريكي» إلى حوالى  195ألف ريال يمني حوالى«300 دولار أمريكي» حسب شهادات أقارب المتوفين الذين تحدثوا لفريق التحقيق.

وأوضح طبيب يعمل في مستشفى حكومي في صنعاء أن معظم الذين أصيبوا بالفيروس ماتوا في منازلهم، لأن 80في المائة من المستشفيات أغلقت بسبب نقص معدات الوقاية الشخصية ونقص أدوات الفحص، وأكد الطبيب إنه في المستشفى الذي يعمل فيه ظل قسم العناية المركزة المكون من 22 سريرا؛ ممتلئا طيلة الثلاثة الأشهر الماضية.

تهديد الأطباء

سعى الحوثيون، لإخفاء مدى انتشار الوباء عن طريق التهديد بالقبض على الأطباء والصحفيين أو قتلهم إذا ناقشوا تفشي المرض، وأمروا بالدفن السري للوفيات، وفقًا لأقارب بعض المرضى، وعمال الإغاثة وموظفي الأمم المتحدة والأطباء المحليين.

وتحدث، عبر الهاتف، عدد 9 أطباء وموظفون يعملون في المستشفيات العامة في صنعاء والمحافظات الأخرى التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، مؤكدين أن الجماعة صادرت هواتفهم المحمولة وحذرتهم من الكشف عن أي معلومات بخصوص عدد الحالات المسجلة في الحجر الصحي أو عدد الوفيات هناك. ومن غير الواضح لماذا تتكتم جماعة الحوثي على الأرقام المتصلة كوفيد-19، وقال بعض عمال الإغاثة والمحللين السياسيين إن المتمردين الحوثيين كانوا قلقين من أنهم قد يضطرون إلى فرض العزل المنزلي، وحرمان الجماعة من عائدات الضرائب أو منعهم من جذب المجندين للقتال في الحرب. ولم يرد مسؤول سياسي من الحوثيين أو المتحدث باسم وزارة الصحة على طلب للتعليق.

الأطباء.. ضحايا أيضاً

محمد، وهو طبيب في صنعاء، شاهد زملائه يستسلمون، واحدًا تلو الآخر. لقي أكثر من 48 طبيباً وممرضاً وموظفاً حتفهم، بفيروس كوفيد-19، من بينهم أربعة في المستشفى العام الذي يعمل فيه، لم تكن معدات الوقاية متوفرة. قال محمد، طبيب غرفة الطوارئ في أحد مستشفيات صنعاء، إنه وزملاؤه لم يحصلوا إلا على أقنعة وعباءات رخيصة واهية على الرغم من علاج ستة مرضى، يومياً، من المشتبه إصابتهم. كوفيد-19 وأكد محمد في حديثه لمعدي التحقيق: «لا يسعنا إلا التعامل مع حالات كوفيد-19، المحتملة بشكل يومي، ولا نفهم حقًا سبب تعامل الحوثيين مع هذه المشكلة بمثل هذه السرية». ومنذ بدء الصراع في عام 2015، ارتفعت الوفيات في القطاع الصحي بشكل تدريجي، فضلا عن هجرة الكوادر الطبية، والاضطرابات في أدى التعليم، كل هذا تسبب بانخفاض في المهارات الطبية في أوساط الكوادر المهنية في اليمن. حوالي 18٪ من سكان البلاد الموزعين على 333 عزلة (مقاطعة) ليس بها أطباء، وتسبب تفشي كوفيد-19، بأضرار بواحد من أكثر أعمدة القطاع الصحي في اليمن هو الموارد البشرية؛ العاملين الصحيين. توصل فريق التحقيق، إلى أن هناك ما لا يقل عن 100 حالة وفاة من كوادر القطاع الطبي من العمال؛ خبراء الأمراض المعدية، ومدراء المشنآت الصحية، وقابلات وصيادلة، ومختصين العناية المركزة، الذين لقوا حتفهم، بسبب كوفيد-19، وفقا لنقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين، وصفحة توثيق ضحايا كوفيد-19، في اليمن، وهي صفحة شاركت مؤسسة فري ميديا FREE MEDIA في تحديث بيناتها ضمن مجموعة من الصحفيين المحليين والدوليين.

مخطط يوضح عدد الضجايا في القطاع الصحي

ويكون النظام الصحي في اليمن، قد وصل إلى آخر عتباته المتبقية. هذه العتبة، هي الكوادر الطبية، بعض أولئك الذين لقوا حتفهم كانوا من كبار المتخصصين في القطاع الصحي في المجتمع، معظمهم لا يعمل فقط في مهنته الطبية، ولكن أيضًا يعملون أكاديميين في الجامعات اليمنية ويعلمون الأجيال الشابة من الأطباء، ولديهم خبرة عقود من المعرفة المؤسسية التي تحتاج اليمن لعقود من أجل استبدال خبراء آخرين، لتغطية الفجوة بعد وفاتهم، ومن بين الذين توفوا الدكتور ياسين عبد الوارث، أحد علماء الأوبئة الرواد في اليمن. والدكتور سالم صالح محمد العمري رئيس قسم الطب الباطني بجامعة عدن. وعارف أحمد علي أخصائي صحة عامة، والدكتور نزيه العماد أخصائي زراعة الكلى، والكثير من زملائهم. وتأتي محافظة صنعاء شمالي البلاد، في مقدمة قائمة المحافظات اليمنية التي توفي فيها أكبر عدد من العاملين الصحيين بنسبة 38٪ على الأقل من العدد الإجمالي، ثم عدن بنسبة 20 %، ثم تعز بنسبة 10 %. وفقا للبيانات نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين، ورصد قامت به مؤسسة فري ميديا.

ساهم في دعم هذا الملف كل من:

نبذة على الكاتب

تحقيق| وجدي السالمي

تحقيق| وجدي السالمي

صحافي يمني مختصّ في التحقيقات الاستقصائية، مؤسس ورئيس مؤسسة “FREE MEDIA” للصحافة الاستقصائيه.

مشاركة | سلمان الحميدي

مشاركة | سلمان الحميدي

صحافي يمني مستقل، عمل سكرتير تحرير لصحيفة الأهالي، قبل أن ينتقل للعمل كمدير للتحرير في صحيفة حديث المدينة الأهلية، يكتب للعديد من المواقع الأخبارية، إلى جانب عمله كمحرر مع العديد من المؤسسات الإعلامية والحقوقية.

الفت يوسف

الفت يوسف

مشاركة ميدانية

شارك